أول ملتقى دولي للشعر في بغداد يدخل طرفا في السجالات السياسية بين الداخل والخارج

قاطعه شعراء ومثقفون عراقيون واعتبروه «نشاطا ميتا وهدرا للمال العام»

TT

ما بين مؤيد ومعارض ومقاطع، ووسط أجواء بدت مشحونة، افتتحت العاصمة العراقية بغداد يوم شهدت أمس ملتقى الشعر الدولي الأول بحضور خمسين شاعرا عربيا، رغم إعلان العشرات من الشعراء والأدباء العراقيين مقاطعتهم الملتقى في بيان مشترك قبل يوم واحد من انعقاده يوم الاثنين الماضي؛ كونه يمثل نموذجا متكررا لفعاليات ثقافية هامشية، متهمين وزارة الثقافة العراقية (الجهة المنظمة له) بأنها «لن تكون قادرة على إنتاج نشاط وفعاليات يعتد بها».

وتشهد الساحة الأدبية والفنية في العراق توترات وانحيازات ما بين الكتاب والشعراء، الذين يجري تقسيمهم على أساس أدباء وشعراء النظام السابق أو شعراء النظام الجديد، واتهام المؤسسة الرسمية الحاضنة للثقافة في البلاد (وزارة الثقافة العراقية) بانغلاقها عن الاهتمام ومتابعة شؤون جميع الأدباء والمثقفين، من الداخل والخارج على نحو سواء، وانغلاقها على عدد محدود منهم، في حين تؤكد الوزارة حرصها على متابعة شؤون الأدباء وتشجيع المغتربين منهم إلى العودة إلى أحضان الوطن بعد سنوات القتل والتهجير العرقي والطائفي ما بعد عام 2003.

الملتقى الشعري الدولي، الذي حمل شعار «بغداد ما اشتبكت عليك الأعصر... إلا ذوت ووريق عمرك أخضر»، واصل فعالياته على مدى أربعة أيام. القائمون عليه أكدوا أنه يأتي احتفاء وتهيئة للمشروع الأكبر، مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية القادم في عام 2013، سيتم خلال الملتقى الدولي توزيع جائزة نازك الملائكة الخامسة للإبداع، في تقليد سنوي درجت عليه الوزارة لتكريم أفضل المشاركات الأدبية والثقافية العراقية والعربية في مسابقة حملت اسم الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة. لكن الملتقى الشعري افتتح بحملة كبرى لأجل مقاطعته، وأصدر شعراء ومثقفون عراقيون بيانا مشتركا أوضحوا فيه أن «مهرجان الشعر العربي، وهي تسمية عريضة، يفترض معها أن يكون المهرجان مناسبة للقاء أفضل ممثلي الشعر العربي، من شعراء ونقاد وباحثين ومؤرخين، لكن الواقع كشف عن دعوة أسماء غير معروفة لحسابات أخرى غير حسابات الشعر والأدب»، متوقعين أن يكون المهرجان «نموذجا متكررا لفعاليات ثقافية لا تكون الثقافة إلا في ذيل اهتماماتها».

المعترضون أكدوا كذلك على أن مهمة تنظيم المهرجان والإشراف عليه والتخطيط له أنيطت بالكامل لعدد من الشعراء التقليديين، بينما جرى استبعاد تام لشعراء ونقاد التجديد والتحديث الشعري في العراق، وعدوه «نشاطا ميتا مهما أهدرت الوزارة من المال العام فيه».

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من الشعراء العراقيين، والجهات المنظمة للمهرجان لاستطلاع آرائهم حول الموضوع.

الإعلامي والشاعر جواد الحطاب أحد أعضاء اللجنة التحضيرية يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «أي بداية مهما كانت متعثرة فهي تعد كسرا للجمود السائد في المشهد الأدبي العراقي، ونحن نعلم مسبقا أن مثل هذه الخطوات سترافقها الكثير من السلبيات والأخطاء. الملتقى فرصة جيدة للانفتاح على الأدباء العرب والتواصل معهم بعد قطيعة بعضهم للعراق منذ عام 1991 وحتى اليوم. أنا مع إقامة ملتقيات كهذه، رغم أني لم أحضر اليوم لإلقاء الشعر، إذ لا بد من إتاحة الفرصة للشعراء الشباب للمشاركة». وفي السياق ذاته يقول الشاعر مضر الألوسي عضو اللجنة التحضيرية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «معظم المعترضين عللوا ذلك بسبب تأخر وصول الدعوات إليهم، وهذا أمر لا يستحق المقاطعة، كما أن المهرجان لم يبدأ بعد كي نعطي أحكاما مسبقة عليه، وأعترف أن بعض الإجراءات التحضيرية للملتقى شابها الارتباك والعجالة، لكن ذلك لا يعد سببا حقيقيا للمقاطعة».

وأضاف: «الملتقى الشعري هو فرصة كي نعلن أن بغداد العاصمة مهيأة لأجل استقبال المشروع الأكبر، بغداد عاصمة الثقافة العربية، كما أننا وجهنا دعوات لأسماء شعرية عراقية كبيرة، بعضهم اعتذر لأسباب صحية أو انشغالات أخرى، كما أن ضيق الوقت منعنا من توجيه الدعوة إلى الجميع».

بدوره استغرب الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين قضية مقاطعة الشعراء للملتقى، وعدم علمه بها، وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الثقافة لا يمكن لها أن تنتعش إلا عبر المهرجانات والملتقيات، وعدم دعوة كل الشعراء العراقيين إليه يعد خطأ كبيرا لأنه يحمل اسم بغداد، ولا بد أن يكون شاملا ومتصالحا مع الجميع، وهي أهم شروط نجاحه».

وتمنى ياسين على الملتقى أن يحقق أهدافه في التقريب بين التحركات الأدبية الثقافية العربية، وعودة بغداد إلى صورتها المشرقة التي كانت بالأمس وهي تضم أسماء من خيرة الشعراء الكبار.

لكن الشاعر والإعلامي حميد قاسم قال في معرض حديثه عن أسباب المقاطعة: «إن الحكم المسبق على الفعالية بالفشل متأتٍّ من أن وزارة الثقافة، وضمن فوضى المحاصصات وهيمنة العقل الاستحواذي الانتفاعي، لم ولن تكون قادرة على إنتاج نشاط وفعاليات يعتد بها»، معتبرا أن «مهرجان المربد هو النموذج الأبرز لهذا التخبط والفساد الثقافي الذي ترزح تحت وطأته الوزارة والدائرون في فلكها».

وأضاف: «بالأمس آثرنا الصمت على حال مهرجان المربد وسواه من مهرجانات ومعها أسابيع ثقافية فارغة من أي محتوى جرى تنظيمها في الكثير من البلدان من قبل الوزارة، وباسمنا نحن مثقفي وأدباء وشعراء العراق. إنها أسابيع أساءت إلى العراق وثقافته وألحقت ضررا فادحا بسمعة هذه الثقافة، وأعادت البلاد إلى أسوأ نظم الإدارة الثقافية وكرست انحدارا في الإبداع وتبذيرا للأموال والجهود معا». وبيّن: «إن هناك الكثير من الأسماء التي دعيت للمشاركة غير معروفة، وليس لها نتاج يعتد به، بينما غيبت أسماء كثيرة مهمة». هذا، ويذكر أن منظمة اليونيسكو اختارت العام الماضي 2011، بغداد عاصمة للثقافة العربية في عام 2013، وأعلنت وزارة الثقافة في 13 فبراير (شباط) 2012 عن نتائج مسابقة شعار بغداد عاصمة الثقافة العربية، مؤكدة أن الاختيار وقع على نموذج قدمه أحد أساتذة كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد.