الشاعر حمد العسعوس: لم أنتمِ لـ«الصحوة» أو «الحداثة» فانصرف النقاد عني

قال لـ «الشرق الأوسط» : مشايخ منعوه من إصدار كتاب «أدعياء الفضيلة» ومتشددون رجموه بالعلمانية

حمد العسعوس
TT

يحمل الشاعر حمد العسعوس تجربة ثرية مع الشعر والكتابة، وحفلت سيرته بمؤلفات متعددة، من خلال إصداره ستة دواوين شعرية، إضافة إلى أربعة كتب مخطوطة، وإنجازه تأليف ديوان مخطوط من الشعر الشعبي.

العسعوس في حواره مع «الشرق الأوسط» أفصح عن تراجعه عن إصدار كتاب عنونه بـ«أدعياء الفضيلة» بسبب الضجة حوله، كما أنه كان قد رجم بتهمة العلمانية بسبب إسهاماته بالكتابة حول عدة مواضيع، ومنها قيادة المرأة السعودية للسيارة. ومع ذلك، يرى العسعوس أن ساحة الشعر تشده وتجتذبه أكثر من أي شيء آخر.

هنا حوار مع الشاعر والكاتب حمد بن أحمد العسعوس الخالدي، الذي يعمل حاليا مستشارا في مجلس الشورى السعودي، أجري في العاصمة السعودية الرياض:

* متى تكتب الشعر أو تمارس الكتابة، وكيف تجد نفسك وحضورك في المشهد الثقافي والأدبي، شاعرا أم كاتبا؟

- أتعاطى الشعر أو الكتابة عندما تلح علي الفكرة أو الخاطرة.. فالكتابة الشعرية أو النثرية عملية غير خاضعة للتوقيت أو الإرادة. أما عن حضوري في المشهد الثقافي فإني أجد أن ساحة الشعر تشدني وتجتذبني أكثر من أي شيء آخر.

* هل فقد الشعر بريقه، أم لا يزال ديوان العرب؟

- بالنسبة للشعر الفصيح أكاد أقول إنه فقد بريقه، وفقد قيمته وأهميته، وفقد رموزه في المرحلة الراهنة.. أقول ذلك بكل مرارة.. لكن هذا هو الواقع.

* لم يلتفت النقاد إلى دراسة قصائدك بالشكل الكافي.. ما الأسباب في نظرك؟

- أولا: لم أكن أبذل عناية كافية أثناء كتابة القصيدة.. وكثيرا ما كنت أكتب القصيدة في جلسة واحدة ثم أدفع بها إلى النشر.

ثانيا: كان هناك في الثمانينات تياران هما: تيار الصحوة، وتيار الحداثة.. ولم أدخل تحت مظلة أحد هذين التيارين اللذين سيطر أتباعهما على كل المنابر والساحات.

ثالثا: كنت، وما زلت أطبع دواويني لمجرد حفظ قصائدي من الضياع، ولذلك فإني لا أنتقي القصائد الجيدة عند إصدارها.

هذه الأسباب والعوامل أرى أنها أسهمت في عدم الالتفات لتجربتي الشعرية من قبل النقاد بالشكل المطلوب.

* متى شعرت بأنك تجاوزت كل محظور، وهل واجهت متاعب مع أطروحاتك ورؤاك؟

- عندما أسهمت في الكتابة حول قيادة المرأة للسيارة.. فقد تعرضت للنقد، ورجمت بتهمة العلمانية! وعندما عملت على طباعة مؤلف تحت عنوان «أدعياء الفضيلة» فقد تم تصوير أجزاء من الكتاب وهو تحت الطبع، ووزعت على المشايخ الذين اتصلوا بالدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى سابقا. وكان ذلك سببا في تراجعي عن إصدار الكتاب.

* في قصائدك الأخيرة تطور ملحوظ في كتابة ما يمكن تسميته «القصيدة التناظرية» بصفة خاصة.. ما وراء هذا التطور؟

- أشرت إلى أنني لم أكن أبذل عناية كافية أثناء كتابة القصيدة.. وفي إحدى الأمسيات الشعرية التي نظمها نادي الرياض الأدبي وشاركت فيها تم توزيع مجموعتي الأخيرة «رسائل الفصل الأخير» على الحضور.. وقد ساءني كثيرا أن أرى عددا من النسخ مرمية على الأرض في القاعة.. فقررت منذ تلك اللحظة بذل المزيد من العناية والاهتمام بكتابة أي نص شعري جديد، وأخضعت قصائدي الأخيرة للمراجعة والتعديل.. ولعل ذلك هو ما ساعد على وجود هذه النقلة التي تشير إليها.

* القصيدة الحديثة.. والقصيدة الشعبية.. ما موقف حمد العسعوس منهما؟!

- القصيدة الحديثة لي تجارب سابقة في كتابتها.. لكنني وجدت نفسي في السنوات الأخيرة أتجه لكتابة القصيدة العمودية، ولاحظت أن تجربتي تتطور يوما بعد يوم في كتابة هذه القصيدة.. وفي المقابل توقفت عن كتابة القصيدة الحديثة بشكل لا إرادي.

أما القصيدة الشعبية، فقد كنت من المحاربين ضد انتشارها تأثرا بالجو السائد تلك الأيام التي شهدت هجمة شرسة على الشعر الشعبي.. لكنني في الأخير رجعت إلى جادة الحق، وسوف أقدم اعتذاري لعشاق هذا الشعر بإصدار مجموعة شعرية شعبية خلال الأيام المقبلة.

* قصيدتك «لا تدفنوه» كانت بشهادة الكثيرين أجمل وأصدق القصائد التي قيلت في رثاء الرجل الاستثنائي الراحل د.غازي القصيبي.. حدثنا عن ظروف كتابة تلك البكائية الحزينة؟

- عندما سافرت إلى إسطنبول كان قد استقر في ذهني أنه قد شفي من مرضه، وأنه يقضي فترة نقاهة قصيرة سيعود بعدها لمزاولة عمله. من هنا كانت الصدمة قوية وكبيرة عندما تلقيت خبر وفاته من أحد الأصدقاء، وانهمرت القصيدة دفعة واحدة، وكنت أبكي أثناء كتابتها، وقد لا تصدق إذا قلت لك إنني كتبتها في أقل من ساعة، وهي الآن موجودة على كثير من مواقع الإنترنت، وعلى «يوتيوب» بصوت المذيع خالد مدخلي.

* متى يحني الشاعر هامته.. ويكسر قلمه؟

- عندما يساء فهمه.. وعندما لا يجد أثرا إيجابيا لما يكتب.. وعندما لا يلتفت إلى كتاباته أحد. وعندما يرى أن الأوضاع التي يدعو إلى معالجتها تزداد سوءا، وأن الأشياء التي يحلم بها لا تتحقق.

* هناك حقائق غائبة في كل الاتجاهات.. هل يدخل ذلك في دائرة اهتمامك.. هل تفكر بإعلانها يوما ما؟

- الإعلان عن الحقائق الغائبة أو المغيبة بالأحرى أصبح من المحرمات، ومدعاة للتكفير والقتل خصوصا في عالمنا العربي والإسلامي.. ولذلك فإن أحدنا يفضل أن يدفن، وتدفن معه حقائقه.

* الخيال بمفهومه العام متى يكون جاذبا.. وهل يتحقق ذلك عندما يتمرد على عالم الحس أو على حدود اللفظ أو عندما يحيط بالواقع؟

- الواقع كان خيالا قبل أن يتحول إلى واقع.. ويكون جاذبا قبل أن يحدث هذا التحول.. والخيال العلمي يثبت هذه الحقيقة.

* كيف تقيم معارض الكتاب التي أقيمت في الرياض خلال السنوات الماضية.. ماذا ينقصها.

- أرى أنها جيدة.. وتعيد الناس إلى القراءة والاطلاع، وتشجع المؤلفين ودور النشر على الطباعة والإصدار، وتسهم في عملية الحراك الثقافي.

وإذا كانت هناك من ملاحظات عليها فإنها تكاد تنحصر في ذلك التشويش الذي يصدر من بعض المتشددين أثناء بعض الفعاليات المصاحبة للمعرض.

* ماذا عن صالونك الأدبي.. هل ما زال مستمرا؟

- كان عبارة عن لقاء أخوي يحضره مجموعة من الأصدقاء، ونستضيف فيه أحد الشعراء أو المثقفين. ثم فكرت في تحويله إلى مجلس لشعراء الفصيح، لأنه ينقصهم مثل هذا المجلس في مدينة الرياض.. وقد توقف بشكل مؤقت لأسباب خاصة.. وسوف أستأنف نشاطه قريبا.

* كيف نضع حدا لثقافة التشكيك والتوجس والخوف من التغيير والتجديد؟

- المشكلة أن لدينا بعض كبار المسؤولين، وكثيرين من المنتمين للتيار الديني المتشدد.. يعتقدون أن أي تغيير أو تجديد أو تطوير يحدث في بلادنا يحمل في مضامينه خرقا لأحكام الشرع.. ولعل أقرب مثال على ذلك تأنيث محلات بيع الملابس الداخلية للنساء.. فقد قاوموه بضراوة، وعلى مدى سنوات، رغم أنه يصب في خانة حماية المرأة وصيانة عرضها من الباعة الرجال.

* كيف ترى أسلوب تعليم اللغة العربية في مدارس التعليم العام؟

- أرى أنه أسلوب عقيم يعلم أبناءنا الجهل باللغة العربية، ويربيهم على كراهيتها والنفور منها.

* رائحة الكتب لم تعد تلك الرائحة التي عهدناها منذ زمن.. هل لمست هذا الشيء، وما مشاريعك الجديدة في مجال الإصدار؟

- هذا صحيح.. وأعتقد أن السبب يكمن في أننا بعد هذا المشوار الطويل مع القراءة أصبح من النادر أن نجد الكتاب الذي يضيف لثقافتنا ولذائقتنا شيئا جديدا.. أما عن الإصدارات الجديدة فهناك مجموعة شعرية جديدة من الشعر الفصيح، ومجموعة أخرى من الشعر الشعبي، وكتاب عن غازي القصيبي.

* كتبت قصيدة عن الأندلس.. هل لا تزال الأندلس ملهمة الشعراء؟

- هذا صحيح.. وأنا كنت على مدى سنوات أحلم بزيارة الأندلس، لكي أكتب قصيدتي المنتظرة عن الفردوس المفقود، حتى تحقق لي الحلم هذه السنة، وقمت بزيارة الأندلس، وكتبت قصيدتها.