«فيس بوك» وشباب المظاهرات يرسمون أهم ملامح الحياة الثقافية العراقية لعام 2012

وزارة الثقافة تستعد للاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة العربية العام المقبل

مشهد من مسرحية «أنا والعذاب وهواك» للمخرجة عواطف نعيم
TT

شهد الواقع الأدبي والثقافي في العراق، خلال عام 2012 نشاطا وحراكا ملحوظين، قياسا بالأعوام الماضية، عبر أنشطة ثقافية وملتقيات ومهرجانات توزعت بين الكثير من المدن والمناطق العراقية، رغم سمة التواضع التي اصطبغت بها وافتقارها للتنظيم والإعداد المسبق. وقد تولت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني (حديثة التأسيس) إعداد بعضها سعيا منها لإثبات وجودها، في حين تفردت شريحة الشباب في إطلاق المبادرات الثقافية التطوعية التي كان لها وقعها الكبير، خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، إضافة إلى مشاركة المثقفين والفنانين على نحو غير مسبوق بتنظيم المظاهرات الاحتجاجية السلمية والفعاليات الثقافية والفنية التي تشجب الفساد وسوء الخدمات في البلاد.

وفي مقابل ذلك، واصلت وزارة الثقافة العراقية المؤسسة الرسمية المعنية بشأن الثقافة في البلاد انشغالاتها الحثيثة والكبيرة للتهيئة للحدث الأبرز في العام المقبل، وهو اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية من قبل منظمة اليونيسكو.

مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، حمل معه الكثير من الخطط الثقافية والنشاطات الاستثمارية الكبرى والطموحة التي جرى الإعلان عنها رسميا، وبما يضمن تحقيق اهتمام أكبر بالثقافة التي عانت من تهميش طيلة السنوات الماضية. ولعل أهم تلك الاستعدادات هو الاحتفاء بوضع حجر الأساس لدار الأوبرا العراقي الكبير في بغداد في مطلع مايو (أيار) الماضي بتكلفة 169 مليار دينار عراقي، كذلك وضع حجر الأساس لبناء مدينة الطفل الثقافية والترفيهية في متنزه الزوراء (وسط بغداد)، ويعد من المشاريع الرائدة التي أقرتها وزارة الثقافة للنهوض بواقع الطفل العراقي ومواكبة التطور الكبير الحاصل في العالم. وسينفذ المشروع على مساحة 16 ألف متر مربع، الجزء المخصص للبناء منها سيكون في حدود سبعة آلاف و500 متر مربع، إضافة إلى وضع حجر الأساس لمشروع بيت المعرفة للطائفة المندائية في المقر في حي القادسية ببغداد بتكلفة 193 مليون دينار عراقي. ثم جاء الإعلان عن نتائج مسابقة النصب والتماثيل التي أعلنتها الوزارة ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 وتضمنت أسماء الفائزين بنُصب العراق في ساحة الفردوس (بدلا من نُصب الرئيس الأسبق صدام حسين) ونُصب أخرى تمثل الملك كلكامش وشخصيات أخرى فكرية وأدبية من التي أسهمت في بناء العراق عبر تاريخه البعيد والمعاصر.

وفيما يخص الشأن السينمائي والمسرحي والدرامي خلال عام 2012، تحدثت دائرة السينما والمسرح في وسائل الإعلام عن تنفيذ عدد من الأفلام الوثائقية وأربعة أفلام روائية عراقية جديدة سترى النور في بداية العام المقبل بعد سنوات من التوقف والانقطاع لشحة مستلزمات صناعة الفيلم الخام، كما شهد مطلع هذا العام والعام الذي قبله، تواصل عودة معظم الفنانين العراقيين الذين كانوا يقيمون في دول الجوار بسبب الأوضاع الأمنية فيها، حتى شكل «الربيع العربي» في تلك البلاد سببا مهما لعودة معظم الأسماء الفنية العراقية، الأمر الذي نشطت فيها عجلة الدراما العراقية لأجل إنتاج الكثير من الأعمال الفنية المحلية، فيما بقي قطاع المسرح العراقي يعاني تراجعا ملحوظا في عروضه المسرحية المميزة بعد أن افتتح موسمه هذا العام بمسرحية «العشاء ما قبل الأخير»، التي تناولت الأعمال الإرهابية التي تطال مناطق كثيرة من العراق، وكذلك مسرحية «روميو وجوليت في بغداد» للمخرج مناضل داود، وآخرها كان عرض مسرحية «أنا والعذاب وهواك»، التي أنتجتها دائرة السينما والمسرح في الشهر الماضي، ونالت إعجاب الفنانين والنقاد والأكاديميين. وهي مسرحية من تأليف وإخراج عواطف نعيم وبطولة عزيز خيون، ومحمد هاشم، وتتحدث عن روح المواطنة العراقية من منطلق كوميدي ساخر راق، إضافة إلى مسرحيات أخرى لم يكن لها وقع كبير كغيرها.

في الوقت نفسه، لم يحصل أي تطور بشأن تأهيل قاعات المسرح أو صالات السينما التي تعاني الإهمال والنسيان في عموم البلاد الأمر الذي أسهم بابتعاد الجمهور العراقي عن ارتيادها كما السباق، على الرغم من تخصيص مبلغ 294 مليار دينار من أجل إعادة بناء مسرح الرشيد وإصلاح المسرح الوطني وإعادة إعمار ثلاث من دور السينما في شارع الرشيد وفتح مسارح وساحة للاحتفالات الجماهيرية، لكن معظم تلك الأعمال بدت متلكئة في الإنجاز.

من جهة أخرى، انشغل فنانون وأكاديميون بإقامة أول مهرجان سينمائي لأفلام حقوق الإنسان تحت عنوان «عين بغداد» في فبراير (شباط) من العام الحالي، شاركت فيه أفلام عراقية، من إنتاج شباب وجهات غير حكومية، تعرض معظمها للمرة الأولى، وتتحدث عن جوانب العنف والتمييز ضد الإنسان والمرأة والطفل وحرية الرأي.

وكان للفن التشكيلي حصته المميزة هذا العام، فقد بذلت دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة جهودها لتنفيذ أول «سمبوزيوم» نحت للشباب العراقي، من طلاب وطالبات أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة، ويتضمن منحوتات تحاكي الطبيعة والجمال، على أمل توزيعها على منطقتين مهمتين في وسط العاصمة بغداد، كذلك تم افتتاح ورشة المرسم الحر للفن التشكيلي بمشاركة 100 فنان وفنانة من عموم محافظات العراق، بينهم 3 فنانين وفنانة من محافظات البصرة وكركوك والأنبار وبابل، و70 فنانا وفنانة من بغداد.

وحمل عام 2012 أيضا مشاركة واسعة من قبل المثقفين العراقيين لإحياء الذكرى السنوية الأولى لمظاهرة «25 شباط» التي اندلعت عام 2011 في عموم المحافظات العراقية احتجاجا على الفساد وقلة الخدمات في البلاد.

واصطبغت تلك المظاهرات بفعاليات ثقافية سلمية احتجاجية وفنية في آن واحد ما بين مسرح وشعر وموسيقى، توزعت في ساحتي التحرير (وسط العاصمة العراقية بغداد) وساحة الفردوس وشارع المتنبي (أهم شارع للثقافة في العراق). ولم يطق البعض هذه المظاهرات السلمية، بعد اغتيال الناشط المدني والفنان هادي المهدي، أحد أبرز المشاركين في تلك المظاهرات، على يد مجموعة مسلحة في داره بمنطقة الكرادة (جنوب غربي بغداد) ولا يزال الذين اغتالوه طلقاء، كما حصل من قبله مع الكاتب كامل شياع.

ومن بين أهم الأحداث الثقافية التي شهدها العراق، خلال العام هو الدعوة التي وجهتها وزارة الثقافة العراقية لعقد مهرجان المربد الشعري السنوي التاسع بحضور 250 شاعرا وأديبا عربيا وذلك في التاسع من مايو الماضي، وتضمن الكثير من الفعاليات من بينها جلسات شعرية ومعارض للكتاب والفنون التشكيلية والفوتوغرافية وعروض سينمائية ومسرحية، إضافة إلى افتتاح معرض الكتاب الدولي على أرض معرض بغداد الدولي في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمشاركة ست دول وأكثر من 90 دار نشر من القطاع الخاص.

وفيما يخص موضوع الآثار والتراث، أعلنت مديرية آثار محافظة دهوك عن استكشاف خمسة مدافن زرادشتية والعثور على أكثر من 500 قطعة أثرية خلال عمليات التنقيب في مناطق تابعة لمدينة دهوك وقضاء سميل، وهي تعود لعصور الهلينستية والساسانية والميتانية والآشورية والإسلامية واعتبرت دليلا مهما على حضارة المنطقة.

وكانت مديرية آثار محافظة دهوك قد أعلنت قبلها، في يونيو (حزيران) الماضي، عن كشف مدفنتين زرادشتيتين شمال المحافظة تعودان للألف الأول قبل الميلاد، معتبرة أن المقبرتين دليل مهم لكشف جوانب أخرى من حضارة إقليم كردستان.

وأعلنت وزارة الثقافة في شهر أغسطس (آب) الماضي إصدار موسوعة «بغداد التاريخية والحضارية» في خطوة تهدف إلى تسهيل عمل المؤرخين والباحثين، وأعلنت تمكنها من استعادة 700 عمل فني عراقي خلال عامي 2011 - 2012 معظمها تبرع بها مواطنون بعد شرائها من المتاحف والأسواق التي ما زالت تتاجر بالأعمال الفنية العراقية المسروقة، إذ لا يزال هناك أكثر من 7 آلاف عمل فني مفقودة منذ أحداث عام 2003.

وكان إصدار كتاب جديد بعنوان «الأعمال العراقية المفقودة» بالتعاون مع مدير متحف واشنطن، عاملا مساعدا في إحصائها وتوثيقها. والكتاب يتحدث عن 118 عملا فنيا من الأعمال العراقية التي فقدت ويجري تداولها والاتجار بها في معظم دول العالم معظمها لفنانين راحلين كبار كفائق حسن، وجواد سليم، وحافظ الدروبي، وشاكر حسن آل سعيد، وخالد الرحال، وكثيرين.

ومن النشاطات والمهرجانات الفنية والثقافية الأخرى، استضافت العاصمة العراقية «مهرجان بغداد لشباب المسرح العربي الأول» بمشاركة 250 فنانا من 15 دولة عربية. وقد افتتحت عروضه في 6 نوفمبر الماضي، وبواقع ثلاثة عروض يوميا في قاعات «المسرح الوطني» ومسرح «سميراميس» وقاعة «منتدى المسرح» ببغداد، وقد تميزت العروض بأعمال من إخراج وتمثيل مسرحيين شباب فقط، في مبادرة قال منظموها إنها تأتي لدعم واحتضان الطاقات المسرحية العربية الواعدة، كذل محاولة لأجل أن يكون المهرجان عاملا لتصدر المسرح العراقي المشهد المسرحي العربي.

وتحت شعار «الجواهري.. صوت أصيل للثقافة الوطنية العراقية»، شهدت العاصمة العراقية بغداد انعقاد «مهرجان الجواهري الخامس» في مطلع شهر أغسطس الماضي، واستمر يومين، ووصفه منظموه بأنه «مهرجان التحدي» لأن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين نظمه بجهود ذاتية من دون الحصول على أي إعانة مالية من أي جهة حكومية أو غير حكومية وفي ظل استمرار «الحجر الحكومي» على أموال الاتحاد المنقولة وغير المنقولة.

وكان مجلس النواب العراقي قد صوت في 12 يوليو (تموز) من العام الحالي على قصيدة لمحمد مهدي الجواهري لتصبح النشيد الوطني العراقي السادس منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.

وتتكون القصيدة التي كتبها الشاعر محمد مهدي الجواهري خلال عام 1947، من ثمانية أبيات، وهي كالتالي:

سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى

على النخل ذي السعفات الطوال وشم الجبال تشيع السنا

سلام على نيرات العصور ودار السلام مدار الدنى

سلام على خالع من غد فخارا على أمسه الدابر

سلام على طيبات النذور سلام على الواهب الناذر

سلام على نبـعة الصامدين تعاصت على معول الكاسر

سلام وما ظل روض يفوح وما ساقطت ورق الدوح ريح

سيبقى ويبقى يدوي طموح لنجم يضيء وفجر يلوح

وبالإمكان تسمية عام 2012 عام الثقافة الشبابية التي أطلقها شباب عراقيون بمبادرات حملت صبغة تطوعية وجماهيرية في آن واحد، استخدموا فيها مواقع التواصل الاجتماعي في تفعليها والدعوة لها، وكان من أبرزها مبادرة «أنا عراقي أنا أقرأ» وانطلقت في حديقة أبو نواس في الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي الذي يصادف اليوم العالمي للقراءة، وأخذت المبادرة حيزا واسعا من الاهتمام وتوسعت لتشمل جميع المحافظات العراقية، وهدفت إلى تحريك عجلة الثقافة وترسيخ القراءة ونشر الكتاب بين الجميع.

كذلك شهدت بغداد، ولأول مرة، انطلاق مهرجان كلاويز الثقافي السادس عشر في مطلع أغسطس الماضي، الذي أقيم بالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، بحضور حشد من المثقفين والأدباء من العرب والكرد من الداخل والخارج ومن المحافظات العراقية، في تأكيد جديد على أن المثقفين سباقون في أيام الاحتقانات الطائفية والقومية إلى التكاتف والعمل على إزاحة غيوم التفرقة وتجسير العلاقات بين الثقافات العربية والكردية وجميع الأطياف العراقية.

من جانب آخر، نظمت مؤسسات ثقافية حكومية نشاطات وفعاليات ثقافية وفنية وتنشيط الحراك الثقافي، إذ اضطلع المركز الثقافي البغدادي، التابع لمحافظة بغداد، والواقع في أهم شارع من شوارع بغداد الثقافية، شارع المتنبي بفعاليات أهمها إقامة معرض الأسرة المالكة في العراق، لأول مرة، ضم المقتنيات الخاصة والسيارات الملكية النادرة، إضافة إلى صور نادرة تعود لفترة حكم الملوك الثلاثة استذكارا لحكم تلك العائلة ودورها في تاريخ العراق. واختتمت بغداد فعالياتها الثقافية، بتنظيم فعالية حملت عنوان «بغداد في السرد العراقي»، استمرت يومين، وبحثت في أحوال مدينة بغداد وكيف تناولها أهل السرد العراقي في قصصهم ورواياتهم، وهذا يحدث لأول مرة، إذ لم يسبق للأدباء أن عقدوا ملتقى أو مهرجانا تكون بغداد هي المحور فيه، على العكس من الشعراء الذين طالما كان لبغداد حضور في ملتقياتهم الشعرية.

ولعل من أبرز الانتكاسات الثقافية التي عرفها العراق عام 2012، هو تأجيل، أو إلغاء، مشروع النجف عاصمة الثقافة الإسلامية، وعدم وضوح الأسباب الموجبة لذلك، بعد تحضيرات واسعة له مما أدى لموجة اعتراضات واسعة من قبل المثقفين وأبناء المحافظة، لأنهم اعتبروه استحقاقا تاريخيا وثقافيا متفردا.

واختتمت بغداد فعالياتها الثقافية، بإقامة فعالية حملت عنوان «بغداد في السرد العراقي»، استمرت يومين، بحثت عن أحوال مدينة بغداد وكيف تناولها أهل السرد العراقي في قصصهم ورواياتهم، وهذا يحدث لأول مرة، إذ لم يسبق للأدباء أن عقدوا ملتقى أو مهرجانا تكون بغداد هي المحور فيه، على العكس من الشعراء الذين طالما كان لبغداد حضور في ملتقياتهم الشعرية.