منزل الفنان الراحل زكي ناصيف يتحول إلى متحف

جمعية «أبساد» للحفاظ على التراث تتبنى عملية ترميمه

TT

بعد مرور ثماني سنوات على رحيل الفنان اللبناني زكي ناصيف، اتخذ القرار بتحويل منزله الواقع في مسقط رأسه ببلدة مشغرة إلى متحف يحتوي على أرشيف الفنان من مخطوطات موسيقية وألحان لم تبصر النور بعد، إضافة إلى أغراضه الخاصة التي رافقته طيلة مشواره الفني من بيانو ونظارات وقلمه الخاص وأوراقه، والكرسي الخشبي الذي كان يهوى الجلوس عليه عند المساء، ليتأمل قمر مشغرة الذي خصته السيدة فيروز بأغنية حملت اسمه لروعة منظره من تلك البلدة.

جمعية «أبساد» للحفاظ على التراث اللبناني هي التي ستتولى إعادة ترميم منزل الفنان الراحل، الذي يتقاسمه 23 وريثا أجروا تنازلات عن ملكيته تكريما لعمهم، وليبقى منزله ذكرى خالدة ومتاحة أمام الجميع للاطلاع عليه والتعرف إلى مخلفات الفنان الراحل، الذي أسس بموسيقاه مدرسة فنية عريقة اعتمد فيها على النمط الموسيقي التقليدي القديم، بروح جديدة ترتبط ارتباطا مباشرا بفلكلور القرية اللبنانية التي ما زالت تشكل عنوانا للأطروحات التي تتناول تشريح الموسيقى الشرقية.

يتألف المنزل المبني من الحجر الأصفر الصخري من طابقين، تبلغ مساحته نحو الـ600 متر مربع، إضافة إلى باحة واسعة يسمونها (السطيحة)، من المقرر أن تتحول إلى مكان تقام فيه الحفلات الموسيقية في الهواء الطلق وتتسع لنحو 250 شخصا.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أكدت رئيسة جمعية (أبساد)، ريا الداعوق، أن تكلفة ترميم المنزل في المرحلة الأولى ستبلغ نحو 500000 دولار ستصرف على عملية تحضير الطابق السفلي ليصبح مركزا ثقافيا سمعيا وبصريا، تعرض فيه مؤلفاته الموسيقية وصور فوتوغرافية تروي أهم مراحل حياته، كما ستشهد عرضا لأفلام وثائقية تروي تفاصيل مشواره الفني والمحطات الفنية البارزة فيها.

ورأت ريا الداعوق أن لبنان بحاجة إلى هذا النوع من المتاحف الصغيرة وأن الصيف المقبل سيشهد افتتاح هذا المتحف الذي يعد الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، إذ سيكون الراحل زكي ناصيف من أول الفنانين الذين سيكرمون بهذه الطريقة.

وكان وزير الثقافة اللبناني غابي ليون هو الذي أعطى الضوء الأخضر، كما ذكرت الداعوق، للبدء بترميم منزل الفنان الراحل بهدف تحويله إلى متحف ومركز ثقافي، مبديا استعداده لتقديم أي مساعدة تستطيع الوزارة تأمينها لهذه الغاية.

واعتبرت ريا الداعوق، في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن الفنان زكي ناصيف يندرج في قائمة عظماء لبنان ومشاهيره تماما كما جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهما، مشيرة إلى أن الجمعية ستبذل جهدا للحفاظ على روح منزل زكي ناصيف الذي شهد أيام طفولته وشبابه وأواخر سنين عمره على السواء.

وكان أرشيف الفنان الراحل من مخطوطات موسيقية معروفة، إضافة إلى مؤلفات موسيقية لم تر النور بعدما قدمها نبيل ناصيف ابن شقيق الفنان كهبة إلى الجامعة الأميركية في بيروت. أما المحفوظات الأخرى من أغراض خاصة وقطع أثاث، فسيتم لملمتها من منازل أقارب الفنان الذين احتفظوا بها لديهم بعد وفاته خوفا من أن تصاب بالاهتراء أو العفن لخلو المنزل من أي سكن فيه.

من جهته، أعرب نبيل ناصيف، ابن شقيق الفنان الراحل، لـ«الشرق الأوسط»، عن سعادته لتحقيق هذا الحلم الذي راود أقارب الفنان الراحل جميعا، فأخذ على عاتقه مهمة الاتصال بالورثة الموجودين في كندا والولايات المتحدة وبلاد الشام لتأمين الأوراق اللازمة الخاصة بالتنازلات التي قاموا بها لتحويل العقار إلى متحف. وقال: «إنني لا أصدق أننا استطعنا في النهاية تحقيق الحلم، ولا سيما أننا جميعا (يقصد الورثة) عملنا جاهدين من أجل ذلك دون تردد، وكأننا أكملنا المهمة كما يجب ولو لم نستطع ذلك لكنا اعتبرنا الأمر بمثابة لعنة تاريخية وعار سيلحق بنا طيلة حياتنا، لأن زكي ناصيف فنان لن يتكرر إن في صوته أو في ألحانه أو في كلمات الأغاني التي كتبها».

وتحدث نبيل ناصيف الذي يشغل مركز أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، عن ذكرياته مع زكي ناصيف التي انطبعت بمحبته للجميع وبقوة عزمه وتواضعه الكبير.

وكان المنزل يعتبر بيت العائلة، إذ كان يعود للجد شاكر ناصيف والد الفنان الراحل وأشقائه الخمسة، فشهد اللقاءات العائلية في مناسبات الأعياد وفي الأفراح والأتراح.

أما الطابق العلوي للمنزل الذي كان يشكل قسم المنام للفنان الراحل، فسيتم إبقاؤه على ما هو عليه بحيث يستطيع زائره أن يشاهد السرير الذي كان ينام عليه زكي ناصيف والطاولة التي كان يدون عليها مخطوطاته الفنية، إضافة إلى قطع من ثيابه وغيرها من الأغراض الحميمة الخاصة به.

ويعتبر الفنان الراحل زكي ناصيف قد ترك بصمة في الأغنية اللبنانية منذ بداياته وحتى قبيل رحيله، ويبلغ عدد مقطوعاته الموسيقية نحو الـ1100 مقطوعة، بينها أغان تحولت إلى أناشيد لبنانية مثل (راجع راجع يتعمر لبنان) التي لحنها عام 1995، و(نقيلك أحلى زهرة)، و(اشتقنا عا لبنان)، و(دقة ودقة مشينا)، وغيرها من الأغاني التي ما زال المطربون يفتخرون بأدائها في حفلاتهم الغنائية حتى يومنا هذا. ومن بين الفنانين اللبنانيين الذين غنوا ألحانه، فيروز وماجدة الرومي ووديع الصافي وصباح والراحل نصري شمس الدين. كما تميزت جملته الموسيقية بالدقة والإتقان، فكانت ممسوكة بإيقاع مغناج وحركة نابضة، بالإضافة إلى الكفاءة العالية في توزيع الكلمات بين صوته والكورس الذي لم يستخدمه كعامل يساعد المغني ويحمل عنه، بل كعنصر فني ضروري في بنية الأغنية الحديثة المعاصرة.