الشيخ محمد بن عبد الوهاب آمن بالحوار بالتي هي أحسن ودعا إلى صيانة حقوق المرأة

كتاب أميركي يرد على التفسيرات الخاطئة لفكره وكتاباته

غلاف النسخة الإنجليزية
TT

يقدم كتاب «الإسلام الوهابي.. من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي» لأول مرة بلغة غربية أفكار محمد بن عبد الوهاب، والرؤى الدينية لدعوة الشيخ، والنظرة العالمية، والقانون الإسلامي، والنساء والتصنيف الجنسي، والجهاد، هذه الأفكار التي شوهت كثيرا خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. فبدلا من تأكيد الصورة النموذجية لمحمد بن عبد الوهاب بأنه «رحالة متواضع محدود التفكير» و«ابن الواحات البعيدة غير المستقر والكثير التجوال» أصبح «المثال النموذجي لجميع المتطرفين الإسلاميين المشهورين وغير المشهورين في العصور الحديثة»، مع أن أفكاره تعكس تفسيرا أكثر اعتدالا وصقلا ودقة للإسلام، وهي تؤكد على ضرورة لجم العنف والقتل والتدمير، وتطالب بالحوار والنقاش لكونهما الوسيلة الملائمة للهداية وفن الحكم.

واستطاعت ناتانا دي لونغ باس من خلال كتابها الذي هو في أصله بالإنجليزية رسالة مقدمة لجامعة جورج تاون الأميركية أن تظهر جوهر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبيان حقيقتها من رؤية مفكرين أجانب. ويفند الكتاب التهم الموجهة لدعوة الشيخ من خصومه بأنها «متعصبة»، فلم يكن العنف والقتل، كما تقول المؤلفة، من وسائل تحقيق أهدافها، أكدت استخدام الدعوة بالتي هي أحسن، والحوار والمناظرة والنقاش العلمي البناء، كما أبرز الكتاب دفاع الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن حقوق المرأة وإيمانه بدورها في المجتمع لكونها شقيقة الرجل، وتأييده لحفظ حقوقها التي نص عليها الدين الإسلامي.

وأنجزت الكتاب إلى العربية دارة الملك عبد العزيز، حيث نجح الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر المؤرخ والباحث والمؤلف في ترجمة الكتاب من الإنجليزية إلى العربية. وقال العسكر لـ«الشرق الأوسط» إن «الكتاب استطاع أن يبين أن منهج الشيخ التفكيري والتأليفي ما هو إلا مرآة أمينة للفكر في القرن الثامن عشر الميلادي، ذلك التفكير الذي رفض التقليد وانتهج الاجتهاد»، لافتا إلى أن هذا العمل استطاع أن يغوص في فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويظهر بطلان دعوى أن الوهابية تساوي في التطرف والتشدد توجهات «القاعدة» أو توجهات حكومة طالبان في أفغانستان. وطالما سمعنا ورأينا كيف صورت «الوهابية» على أنها ثقافة عنفية تشجع تفسيرا حرفيا للقرآن الكريم.

ويشار إلى أن الدكتور العسكر تناول موضوع «الوهابية» سابقا من خلال نقله إلى العربية كتاب ديفيد كنز «الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعودية» الذي اعتبر فيه أن الوهابية ما هي إلا حركة إصلاح ديني، وقد استقبل كتاب كنز حال ظهور الطبعة الإنجليزية استقبالا جيدا.

وشدد العسكر كذلك في تقديمه لكتاب «الإسلام الوهابي من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي» على أن هذا العمل (الكتاب) عمل استطاع بمهنية عالية أن يخضع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب للفحص الدقيق ضمن دائرة واسعة، وهي دائرة لا تقتصر على نوع معين من التأليف، فالمؤلفة تجدها تجمع بين كتاب التوحيد، وكتاب تاريخي، ككتاب ابن غنام، مع سجلات المحاكم في إسطنبول أو حلب، ثم تقرأ كل هذا ضمن ثقافة القرن الثامن عشر السائدة في نجد «منطلق دعوة الشيخ» لتصل إلى استنتاج لم يكن يخطر على بال بعض الباحثين الذين يلتمسون ما يريدون في نوع محدد من التأليف لا يتعدونه، وهو التماس قاد بعضهم إلى استنتاجات تربط «الوهابية» بالعنف والإرهاب.

واعتبر العسكر كتاب «الإسلام الوهابي من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي» من أحسن الكتب الأجنبية التي كتبت عن تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب والدعوة الإصلاحية وزاد بالقول: «وأنا أزعم أن هذا الكتاب سيكون مرجعا لا يستغني عنه كل من يتصدى لما يسمى (الوهابية)».

وغطى الكتاب من خلال ستة فصول هي: الوهابية في القرن الثامن عشر، وقصة حياة محمد بن عبد الوهاب، والاتجاهات الثقافية في القرن الثامن عشر، والدين والرؤية العالمية عند محمد بن عبد الوهاب، والشريعة الإسلامية، فصل الإلهي عن البشري، والدعوة إلى الغلبة (الفتح): التربية والدعوة مقابل الجهاد، والنساء والوهابيون.

وترى المؤلفة الدكتورة ناتانا دي لونغ باس أن محمد بن عبد الوهاب شخصية مهمة، سواء فيما يتعلق بتصويره للاتجاهات الواسعة في التفكير الإسلامي في القرن الثامن عشر أو فيما يتعلق بوقعه وتأثيره في النشاط والتفكير الإسلاميين في القرنين التاسع عشر والعشرين، وحتى الحادي والعشرين أيضا، معتبرة أن اتساع كل من ثقافته وأهمية المواضيع التي أكدها - علوم الدين والرؤية الشاملة، والفقه الإسلامي، والتعليم، والدعوة إلى الدين، والجهاد، والنساء والتصنيف الجنسي - لم يكونا من أجل إصلاح مجتمعه وتجديده فحسب، ولكن لإحياء الإسلام وإعادة تفسيره في القرن الحادي والعشرين، حيث يسعى المسلمون وراء علم المنهج لتجديد الممارسة الإسلامية وإضفاء الطابع الإسلامي على الحداثة، موضحة أن تأكيد محمد بن عبد الوهاب لأهمية القيم الإسلامية والنية وراء الكلمات والأفعال، خلافا للاهتمام بالكمال الخاص بالعادات قد فتح الباب للإصلاحات في القانون الإسلامي، وفي حالة النساء والأقليات والانتشار السلمي للإسلام والدعوة الإسلامية في الحقبة المعاصرة.

ورأت المؤلفة أن استياء محمد بن عبد الوهاب ورفضه المطلق للتقليد «التمسك بالتفسيرات السابقة للإسلام» نشأ من مواجهته لنقد الحديث، وإدراكه لأهمية العودة مباشرة إلى القرآن الكريم بدلا من الاعتماد على التفسيرات المأخوذة من غير المصدر الأصلي له قد دفعه إلى طلب تجديد ممارسة الاجتهاد «التفكير المستقل»، يتضمن تجديده للاجتهاد تأكيده الواضع والصريح جعل القرآن والحديث وحدهما مصادر وحي موضع ثقة، سابقا أي تفسيرات بشرية للأمر نفسه، سواء أكانت دينية أم قضائية. هذا لا يعني القول إن محمد بن عبد الوهاب قد رفض التعامل مع الكتابات الدينية أو القضائية. فبعد أن تلقى تعليما واسعا في الفقه «علم القانون» من أبيه واتصاله بالنظام القضائي الذي كان أبوه وجده وعمه قد تسلموا فيه مناصب بارزة، اطلع محمد بن عبد الوهاب على قاعدة واسعة من علم الفقه. تتضح هذه المعرفة بالقاعدة الواسعة للأدب القانوني في كتاباته، حيث إنه يشير إلى الكثير من الفقهاء، وباتخاذه موقعا جيدا ضمن سياق علم الفقه الإسلامي. كان محمد بن عبد الوهاب قادرا على أن يعلن بدقة استمراره في التقليد، مما يراه من اتهامات نقاده بأنه كان مشتغلا ببدعة.

وأكدت المؤلفة أن محمد بن عبد الوهاب أبرز بإصراره على الدعوة السلمية إلى الإسلام رؤيته الشاملة الواسعة، حيث يجب أن يكون الهدف النهائي المزدوج لكل عمل يقوم به المسلم إيمانا شخصيا وتمسكا بالتوحيد خلال دعوة الآخرين إلى الأمر نفسه. وقد آمن محمد بن عبد الوهاب بأن هذا يمكن تحقيقه بشكل مؤثر أكثر بالتعليم، حتى إن الجهاد تضمن هدفا رئيسيا هو كسب الموالين أو على الأقل وضعهم في علاقة حماية تعاونية مع المسلمين عبر ترسيخ العلاقة بالذمي. وهكذا لم تكن رؤية محمد بن عبد الوهاب للعالم تقتصر على أن يتمكن المسلمون من التعايش سلميا مع المسلمين الآخرين فقط، لكنها بالأحرى كانت رؤية تدعو إلى أن يتعاون المسلمون سلميا مع الآخرين، ولو كانت معتقداتهم وممارساتهم الدينية مختلفة.

واعتبرت الكاتبة أن مناقشة محمد بن عبد الوهاب الحذرة والمفصلة للجهاد ليست ما يمكن أن يتوقعه المرء، مع الأخذ بعين الحسبان صورة الوهابيين تاريخيا وفي الزمن المعاصر معا.

ورأت الدكتورة ناتانا دي لونغ باس أن من الواضح أن محمد بن عبد الوهاب يحتل مكانا مهما في تفكير القرن الثامن عشر، سواء بسبب علمه المنهجي أم بسبب محتوى كتاباته. ويقف على قدم المساواة مع حقيقة أن عمله المنهجي يبرز بعض الاتجاهات التي هي أكثر أهمية في تفكير القرن الثامن عشر - نقد الأحاديث المدفوع بالمحتوى والرفض الراديكالي للتقليد لصالح الاجتهاد - حقيقة أن علم المنهج هذا قد أوحى ببعض الاتجاهات التي هي أكثر أهمية في الفكر والنشاط الإسلاميين في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وبخاصة حيث يتعلق الأمر بالإصلاحات القانونية. إن قضايا مثل توجيه الاهتمام العلمي الأكبر إلى نقد الحديث، وبخاصة الابتعاد عن الإسناد، النقد الموجه إلى علم المنهج الذي يؤكد المحتوى والسياق، والرفض الراديكالي للتقليد لصالح الاجتهاد في أمور الفقه الإسلامي واضحة في الفكر الإسلامي المعاصر. علاوة على ذلك، ثمة تأكيد أكبر اليوم للقيم القرآنية التي هي أوسع وعلى وضع النص ضمن سياقه التاريخي في تفسير القرآن الكريم مقابل القراءات التي هي أكثر حرفية للقرآن. إن المفاهيم القانونية مثل المصلحة العامة والتركيز على مسألة النية الحاسمة الملازمة لعمل معين، مقابل الاهتمام الصارم بالتفسيرات الحرفية قد نالت اهتماما أكبر لإصلاح الممارسة الفعلية للفقه الإسلامي. إن هذه الاتجاهات كلها واضحة في كتابات محمد بن عبد الوهاب.

وأشارت المؤلفة إلى أنه وعلى درجة مساوية من الأهمية يأتي محتوى كتابات محمد بن عبد الوهاب عن اقتراح طرق للإصلاح، وبخاصة فيما يتعلق بحالة النساء التي تعد من أكثر القضايا اتقادا للمناقشة في العالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين. وبالتركيز على ما كانت تعنيه رسالة الإسلام فيما يخص حالة النساء، وباستنتاج القيم القرآنية بشأن احترام النساء وحمايتهن، إضافة إلى التوازن بين الجنسين في كل من الحقوق والمسؤوليات، فقد اقترح محمد بن عبد الوهاب وسائل مختلفة لبناء التصنيف الجنسي الذي منح النساء حقوقا ومسؤوليات أكثر شمولا في المجالين الخاص والعام على حد سواء. إن منعه وتمييزه الشرعي لممارسات مثل زواج الطفلة والاغتصاب والعنف المنزلي إضافة إلى توسيعه لحقوق النساء في أمور الزواج والطلاق يقدم تشريعا إسلاميا طبيعيا لمعالجة هذه القضايا التي تظل ذات أهمية كبيرة في القرن الحادي والعشرين.

وخلصت المؤلفة إلى القول: «مع فجر القرن الحادي والعشرين أصحبت (الوهابية) لدى بعضهم تتساوى في التطرف القتالي هي وأسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة، ونظام طالبان السابق في أفغانستان بصفتهم الناطقين الأساسيين باسمها. وتصور (الوهابية) نموذجيا على أنها ثقافة جهادية تشجع تفسيرا حرفيا للقرآن، وتؤكد محاربة أي شخص يخالفها، وعلى إذلال النساء واضطهادهن. لكن يتضح من كتابات محمد بن عبد الوهاب أنه لم يؤيد هذه الأحوال، بل إنه في الحقيقة قد عمل كثيرا لمقاومتها في زمانه ومكانه. وبجعل تحليل مجموعة كتاباته الكاملة متوافرا، يؤمل أن يعاد تعريف (الوهابية) نفسها وإعادة اختبارها من أجل إيجاد طرق للتمسك على نحو أكثر إخلاصا بآراء محمد بن عبد الوهاب فيما يتعلق بعلم المنهج والمحتوى على حد سواء. وبدلا من التركيز على الطرق السلبية والمحدودة التي اختارتها بعض المنظمات المتطرفة لتفسير كتاباته، فقد حان الوقت للانتقال إلى تحليل أكثر إيجابية وتفصيلا لكتابات محمد بن عبد الوهاب التي هي أوسع في المواضيع المهمة للجهاد والنساء بشكل خاص من أجل تقديم مسار لإعادة النظر في الوهابية، لا تاريخيا فحسب، ولكن في الحقبة المعاصرة أيضا ولمتابعة الإصلاحات وفقا لذلك».