هل غير العصر الرقمي حياتنا إلى الأبد؟

الإنسان أصبح عبدا للتكنولوجيا وليس العكس

TT

حول التاثيرات السلبية للتكنولوجيا في العصر الرقمي، صدر حديثا عن دار نشر «الكتب الأساسية»، كتاب «وحيدون معا (أي نشعر بالوحدة ونحن معا): لماذا نتوقع الكثير من التكنولوجيا والقليل بعضنا من بعض»، ويقع في 384 صفحة، وهو من تأليف البروفسورة شيري تيركل، أستاذة الدراسات الاجتماعية للعلم والتكنولوجيا في برنامج «العلوم والتكنولوجيا والمجتمع» في معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا (MIT)، والمؤسسة والمديرة لمبادرة «التكنولوجيا والذات»، وهي حاصلة على الدكتوراه في علم الاجتماع وعلم نفس الشخصية من جامعة هارفارد، كما أنها اختصاصية نفسية إكلينيكية. وقد قضت تيركل الـ30 عاما الماضية في دراسة الطريقة التي يتفاعل بها البشر مع أجهزة الكومبيوتر والأجهزة الأخرى، وصرفت 15 عاما في البحث وكتابة هذا الكتاب، الذي يعد الجزء الثالث من ثلاثيتها في استكشاف العلاقة بين البشر والتكنولوجيا، وكيفية استخدام التكنولوجيا لتغيير أساليبنا في رؤية أنفسنا والعالم وتواصلنا بعضنا مع بعض. وجاء الكتاب الأول بعنوان: «الذات الثانية: أجهزة الكومبيوتر والبشر»، وصدر عام 1984، والكتاب الثاني بعنوان: «الحياة على الشاشة: الهوية في عصر الإنترنت»، وصدر عام 1995.

ترى تيركل في كتابها «وحيدون معا»، أنه في تعاملنا مع التكنولوجيا، قد وصلنا إلى نقطة تدعونا إلى أن لا نخسر أنفسنا وأن نعيد النظر في قيمنا الإنسانية، وتتساءل: «ماذا يعني أن تكون إنسانا؟ وهل يمكن للأجهزة والأدوات الإلكترونية التي نستخدمها أن تشوهنا اجتماعيا؟». تشير المؤلفة إلى أنه لم يعد هناك اتصال مباشر بين البشر؛ أي وجها لوجه، فكل الأحاديث والاتصالات مستمدة من الرسائل النصية وتبادل رسائل البريد الإلكتروني وعبر الشبكات الاجتماعية، وخدمة المحادثة عبر «سكايب»، فهذه التكنولوجيات الرقمية الحديثة قد غيرت وشكلت حياتنا وعلاقاتنا بشكل كبير، سواء مع أنفسنا أو مع الآخرين، حيث قللت من الأنماط المباشرة للاتصالات والمحادثات البشرية.. فمثلا الهواتف الجوالة الذكية التي نحملها في كل مكان، تكون أول شيء بين أيدينا في الصباح وآخر شيء في المساء. وتؤكد تيركل على أن البشر لا يزالون بحاجة غريزية بعضهم إلى بعض، وهناك اغتراب وعدم رضا بين المستخدمين من المراهقين الذين تتشكل هوياتهم، ليس فقط من خلال استكشاف الذات، بل أيضا عبر الإنترنت. وترى تيركل أننا، كما يبدو، مصممون على إعطاء صفات الإنسان للأشياء، في التعامل بعضنا مع بعض. وقد استنتجت المؤلفة كل ذلك من بحوثها ودراساتها التجريبية من خلال مراقبة تفاعل الأفراد مع الآلات والأجهزة، وأنماط العلاقات الاجتماعية على الشبكات الرقمية، كما قامت بإجراء مقابلات مع أفراد من جميع الأعمار ومن مجموعة واسعة من الخلفيات الاجتماعية، مع مسح لوسائل الاتصال بين المراهقين مع التركيز على حالات وقصص شخصية.

كل ذلك أدى إلى فقدان القدرة على عمل اتصالات حقيقية وبسيطة بين البشر الفعليين، فالعلاقات الإنسانية عبر شبكة الإنترنت علاقات أكثر سطحية وخالية من المشاعر والأحاسيس، ويتوقع منها القليل، ويمكن التخلص منها بسرعة. لكننا لسنا بحاجة لرفض التكنولوجيا أو الانتقاص من قيمتها وأهميتها، وإنما نحتاج إلى وضعها في مكانها الصحيح، حتى يستعيد الناس مكانتهم وأدوارهم ومسؤولياتهم الاجتماعية التي تليق بهم بوصفهم «سادة التكنولوجيا وليسوا عبيدا لها».