موسم ثقافي أخضر

ميرزا الخويلدي

TT

بين شهري مارس (آذار)، وأبريل (نيسان) هذا العام تزدحم الأجندة الثقافية السعودية بعدد كبير من الفعاليات التي تكفي واحدة منها لإنعاش موسم ثقافي كامل الدسم.

أولى هذه المناسبات؛ تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب المتوقع إقامته في الخامس من شهر مارس المقبل. وأهمية معرض الكتاب ليست فقط باعتباره أهم المعارض العربية على الإطلاق، والوحيد الباقي بين المعارض الكبرى بعد تراجع معارض القاهرة وبيروت ودمشق، وليس باعتباره أيضا يتعاطى مع السوق السعودية الأكبر في حيازة وشراء الكتب، ولكن فوق ذلك، لأنه يفتح مناخا حرا ومتدفقا في المشهد الثقافي السعودي. هذا المشهد الذي يتشكل على وعي التعرف على الذات، ويموج بالعديد من التحولات والنقاشات الساخنة.

صحيح أن معرض الكتاب يمثل كل عام مناسبة للاشتباك الثقافي، وأحيانا الجسدي، بين التيارات المتصارعة، لكن هذا الاشتباك هو فاكهة الثقافة، وملح الإبداع، وإلا سادت الرتابة وتفشى الملل. خاصة أن التفاعل وحتى الاختلاف هو واقع وليس فعلا مصطنعا، وهو تعبير عن حيوية الحركة الثقافية وعنفوانها، والمطلوب ليس «خنق» الاختلافات، أو التعمية عليها، وإنما تشجيعها لتبرز وتظهر وتعبر عن نفسها تحت سقف القانون. وبالتالي على وزارة الثقافة والإعلام أن لا تخشى من الاختلاف والتنازع في طريقها وهي تختار الفعاليات المصاحبة للمعرض، ولا تغلق الأبواب أمام أي كتاب ينقل فكرا مختلفا. لتسمح للجميع أن يناقش ويعترض، لأن معرض الكتاب هو المساحة الحرة التي يمكن للجميع أن يعبر فيها عن أفكاره وتطلعاته وآرائه.

وحسنا فعلت وزارة الثقافة والإعلام في التراجع عن رفع أسعار تأجير الأرضيات على دور النشر المشاركة في المعرض. لأن رفع الأسعار لن يجلب دخلا إضافيا ولكنه سيتسبب في دفع تلك الدور لرفع الأسعار والتمادي أكثر في استغلال الكتاب كسلعة ثقافية باهظة الثمن.

المناسبة الأخرى التي ستقام بعد معرض الكتاب بنحو ثلاثة أسابيع، هو ملتقى الأدباء الرابع. والذي تستضيفه المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 1434هـ - 2013، خلال الفترة من «9 -11 أبريل» ويقام هذا العام تحت عنوان «الأدب السعودي وتفاعلاته»، حيث يتناول الأدب السعودي والتقنية، مشتملا على الأدب التفاعلي، ودور وسائط التقنية في إنتاج النص وتلقيه. والتشاكل والاختلاف بين النص الورقي والنص الرقمي، والمواقع والمدونات الأدبية الإلكترونية. ومواقع التواصل الاجتماعي، والصحافة الإلكترونية الأدبية. كما يناقش محور الأدب السعودي والآخر، مشتملا على تمثيلات الآخر في الأدب، والآخر في الدراسات الأدبية والنقدية. وترجمة الإبداع السعودي. وأثر الجوائز في الأدب إبداعًا ونقدًا. ومحور ثالث هو الأدب السعودي والفنون المسرحية، والسينما، والفن التشكيلي، والتصوير الفوتوغرافي، وفن الكاريكاتير.

المناسبة الثالثة؛ هي المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، المتوقع إقامته يوم الأربعاء 3 أبريل المقبل. و«الجنادرية» يمثل مناسبة للثقافة والحوار وتلاقي المثقفين السعوديين مع نخب الثقافة العربية، كما يمثل مناسبة لامتزاج التراث المتنوع الذي تزدهر به المملكة، ويعطي فرصة للسعوديين للتعرف على هويات بلدهم المتعددة، وثراء موروثاتهم، وفنهم، وعمارتهم، وحرفهم، ومهنهم، وأطعمتهم، وفلكلورهم.. فـ«الجنادرية» يمنح زائريه إحساسا بالمكان الواسع الذي ينتمون إليه، وبالثقافة المتنوعة والمتسامحة التي تشكل بلدهم.

«الجنادرية» هذا العام تقام للعام الـ28، وربما هي بحاجة لتجديد حيوية مناشطها الثقافية، ومداراتها التي شهدت عصرا ذهبيا بداية التسعينات، وأن تخاطب المستقبل من خلال محاور تهتم بالإجابة على أسئلة الشباب في التنمية الثقافية والاقتصادية والسياسية.

يستبشر السعوديون بالربيع، ففي الربيع تخضر الأرض وتزهر الصحراء.. والثقافة موعودة بربيع أخضر، مورق ويانع.