النحت السعودي.. يمشي على استحياء

نحاتون: لا نصنع أصناما.. و«الثقافة»: نرعاهم كما نرعى الفنون

من أعمال عصام جميل
TT

يبدو فن النحت في السعودية «يتيما» لا أحد يتبناه، على الرغم من أنه يزين الساحات والميادين وصالات الاستقبال لكن لا أحد يحتضن رواده ومبدعيه.

هذا الفن الذي يحفر في الصخور، لم يتمكن أن يحفر طريقا وسط القناعات الفكرية التي تنظر إليه بازدراء.. فرغم الاهتمام الذي تبديه وزارة الثقافة والإعلام بالفنون فإن النحت يكاد يكون الفن الوحيد الذي لم ينل نصيبا من كعكة الاهتمام، سواء عبر حواضن أكاديمية للارتقاء بهذا الفن أو عبر إنشاء جمعية متخصصة للنحاتين وهو ما يطالبون به ويؤكدون على أهميته ليكون نواة لتصحيح مفهوم النحت لدى المجتمع الذي ساهم بدوره في تهميش هذا الفن وممارسيه.

في حديث معه، عزا النحات السعودي علي الطخيس ضعف الاهتمام بفن النحت في السعودية إلى قلة النحاتين المحترفين، وحداثة الاهتمام بهذا الفن في المجتمع، في حين علل زميله النحات عصام جميل ضعف الاهتمام هذا لعدة أسباب أهمها «عدم استيعاب مفهوم النحت»، الذي اعتبره «امتدادا لثقافات بشرية سابقة استخدمت النحت لتسجيل إرثها الثقافي والتاريخي»، مشيرا إلى غياب الترويج لفن النحت من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة وجمعيات الثقافة والفنون وعدم إدراجه في أجندة السياحة والآثار، وسقوطه من قائمة اهتمامات الأمانات والبلديات للاستعانة بالمنحوتات في تجميل المدن، إلى جانب غياب الإعلام المهتم بالنحت، مضيفا أن «نقص الاحترافية في تقديم هذا الفن من الناحية النظرية والعملية وقلة المشاركات الخارجية وعدم وجود مهرجانات محلية تعنى بالنحت.. كلها أضعفت الاهتمام به في السعودية».

* النحت والأصنام

* يعاني النحاتون السعوديون من إشكالية ترتبط أساسا بالنظر إلى النحت باعتباره «تخليقا» أو باعتباره صناعة للأصنام. وهو ما دفع النحاتين لاختيار مواضيع تبتعد عن تجسيد الإنسان. ويشير النحات علي الحسن إلى إشكالية الفهم الذي يساوي بين المنحوتة والصنم مما يضفي على عمل النحات شبهة لا طاقة له على مواجهتها. وبالعودة إلى الطخيس، فقد أكد ما ذكره الحسن بتأثير تحريم النحت على الاهتمام المحلي بهذا الفن، إلا أنه متفائل بشأن جهود النحاتين الحالية وما وصفه بكفاحهم من أجل البقاء وتصحيح هذا المفهوم، مشيرا إلى وجود نتائج إيجابية لتلك الجهود.

أما النحات السعودي ضياء عزيز فقد طالب العلماء بإصدار فتوى صريحة تحسم أمر فن النحت بين الحرمة والتحليل، قائلا: «ليس من الإنصاف أن أبقى كل حياتي كفنان أعيش وأموت في مجال فن النحت، وفي النهاية يتملكني إحساس مرعب بأنني أمارس شيئا حراما مصيره جهنم، كما يقول الآخرون، ومنهم أولادي».

* وزارة الثقافة.. دور خجول

* لكن كيف يقيم النحاتون دور وزارة الثقافة والإعلام في هذا المجال؟ يتحدث علي الطخيس مشيدا بما تقوم به الوزارة مؤخرا في دعم النحت والنحاتين في السعودية، منوها بـ«ندوة الدوادمي» الأولى التي عقدت في يونيو (حزيران) الماضي، وهدفت إلى إتاحة الفرصة للنحاتين المحترفين لممارسة النحت، ونشر ثقافته وتفعيل صورته في المشهد المحلي وتبادل الخبرات، إذ استضافت الندوة عددا من النحاتين العرب والخليجيين بالإضافة للنحاتين السعوديين.

لكن النحات عصام جميل وصف دور الوزارة بـ«الخجول»، منوها بما تقوم به بعض فروع جمعيات الثقافة والفنون من دورات في النحت، إلا أنها، في رأيه، تبقى متواضعة واستثنائية، واعتبر ذلك واقعا لا يمكن إخفاؤه سواء من قبل النحاتين أو المنظمين والمتابعين.

من جانبه، طالب النحات علي الحسن بإنشاء جمعيات مهتمة بالنحت والنحاتين وتدريبهم لتطويرهم، وشدد على أهمية النحت ودوره في الإثراء الثقافي للسعودية، وذلك من خلال توثيقه لأعمال متعلقة بالبلد أو مرحلة تمثله أو إنجازات حققها، وإيلاء اهتمام أكبر لإيجاد جيل جديد من النحاتين القادرين على القيام بهذا الدور ضمن مظلة أو نقطة تجمع الأبعاد والأهداف إلى جانب الثقل الثقافي، منوها بزيادة الاهتمام بفن النحت مؤخرا لوجود جيل محب له ومدرك لقيمته.

* الوزارة ترعى النحت كـ«باقي الفنون»

* وفي هذا السياق يقول الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، لـ«الشرق الأوسط»، إن فن النحت من الفنون التي تستحق العناية والاهتمام لما يتضمنه من إبداع يستثير الحس الجمالي لدى المتلقي.

وذكر الحجيلان أن وكالة الثقافة والفنون تحرص على إقامة المناسبات الخاصة بالنحت، ومنها ما تم في «الدوادمي»، مضيفا: «نحن حريصون على أن نتلقى من الفنانين الطلبات لإقامة مناسبات تبرز هذا الفن العريق، وتحرص وزارة الثقافة والإعلام بالتعاون مع وزارة الشؤون القروية والبلدية وأمانات المدن على استثمار الفنون ومنها النحت في تجميل مداخل المدن وميادينها، ونأمل أن يحقق هذا التعاون ما يفيد الفن ويبرزه للجمهور».

في حين يرى سلطان البازعي رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون، أن «هناك قبولا متزايدا بفن النحت، فالمدن السعودية أخذت تسارع لتزيين ميادينها وشوارعها بالمنحوتات من الأعمال الفنية المتميزة»، مشيرا إلى أنها ظاهرة طيبة تؤكد الرغبة في ممارسة الاستمتاع بفن النحت. أما عن جمعية الثقافة والفنون، فيعتبرها البازعي حاضنة لكل أنواع الفنون بما فيها فن النحت، وأنها تهتم بهذا الفن من خلال اهتمامها بمواهب المستقبل، أكثر من اهتمامها بالمحترفين.

وردا على مطالبة النحاتين بجمعية تحتضنهم، قال: «ما يخص تأسيس جمعية للمحترفين من التشكيليين أو المسرحيين أو ممارسي التصوير الضوئي، فهذا وارد، لأنه إذا ما اجتمعت مجموعة من الفنانين فبمقدورهم أن يشكلوا جمعية تمثلهم وتهتم بأمرهم، وهذا حق مشروع لهم»، لكنه استدرك بقوله إن «جمعية الثقافة والفنون مهتمة بفن النحت ضمن اهتمامها بالفنون التشكيلية والفنون البصرية بشكل عام، وإنه ليس من صلاحية الجمعية تأسيس جمعية خاصة بفن النحت، فوزارة الثقافة والإعلام هي المخول الوحيد لتأسيس جمعية لفناني النحت».