«أدب الأطفال» في الوطن العربي.. أين هو؟

القيمون عليه يختلفون في تشخيص مشكلاته

TT

يبدو أن هناك خللا كبيرا في الثقافة العربية لا نريد أن نعترف به، ونتحاشى أي وقفة جدية لتشخيص أسبابه، وطبيعته، وبالتالي معالجته، ولو جزئيا، ونقصد به ثقافة الطفل عموما، وليس الكتابة للطفل فقط. ونستطيع القول بلا تردد إنه ليس هناك مثل هذا الثقافة بالمعنى الحقيقي. فقد كشفت دراسة عربية مؤخرا عن قلة المتخصصين في أدب الأطفال بالعالم العربي، إذ بلغ 166 متخصصا لاثنين وعشرين مليون طفل عربي! إنها فضيحة ثقافية حقا, مهما كانت الأسباب المتعددة وراء هذا الواقع المفجع. أين يكمن الخلل؟ هنا تحقيق يحاول تسليط الضوء على جوهر المشكلة.

إذا كان ثمة إجماع على أن مشكلات عديدة ما زالت تحول دون تطوير «أدب الأطفال» باللغة العربية، فإن العاملين في مجال هذا الأدب من ناشرين وكتاب لا يتفقون على مكامن الخلل، كي تسهل معالجتها والخروج من الشرنقة.

«المشكلة مركبة»، بالنسبة للكاتب والأديب سماح إدريس الذي أصدر لغاية الآن 14 كتابا للأطفال، وهو يرى أن «هناك خللا في المدرسة والبيت وعند الناشر وكذلك عند الكتّاب أنفسهم. فالمدرسة تشجع نوعا معينا من الكتب هو الذي يرتكز على النصائح والمثل، والكاتب في النهاية يضطر للاستجابة لحاجة السوق، لأنه حتى وإن اقترح موضوعا غير صالح للتسويق فإن دار النشر لن توافق، لأن غايتها النهائية هي البيع والربح. وبالتالي، فنحن ندور في دائرة جهنمية مقفلة، يصعب كسرها بسهولة». لهذا «فإن ما يسمى «أدب الأطفال» يكرر نفسه، بتشجيع من مجتمع تقليدي، يميل إلى إنتاج النصوص الوعظية، التي تنطوي على قيم محنطة. الأم في هذه الكتب مثالية لا تكذب، والقرية وادعة وسكانها متحابون، فيما لبنان أهله غير طائفيين، وإذا تقاتلوا فبسبب الغريب الذي سرعان ما نطرده من ديارنا. لذلك نحن لا نصنع حروبا، إنها حروب الآخرين على أرضنا». أدب الأطفال؛ يقول سماح إدريس، «يشبه أدب الرحابنة قبل زياد الرحباني، وديع وبريء، وكل الناس فيه إخوة متحابون».

لكن مديرة «دار أصالة» لكتب الأطفال، شيرين كريدية، تعتبر أنه لا توجد أزمة نص أو أزمة كاتب، وإنما هي مشكلة الأهل الذين لا يشترون الكتاب إلا حين تطلبه المدرسة. كريدية تتحدث عن مئات النصوص التي تصل إلى الدار سنويا من مختلف الدول العربية ومن أوروبا، وتستطيع الدار أن تختار من بينها وتطورها. وهي تتحدث أيضا عن أسماء كثيرة شابة وموهوبة. بالنسبة لـ«دار أصالة» فإن فريق العمل المكون من أربعة متخصصين في المجال التربوي، لا يجد كبير صعوبات، خاصة أن الانطباع السائد في الدار أن تطورا كبيرا حصل في السنوات الأخيرة، وأن المدارس في لبنان أفضل من غيرها في الدول العربية، لأنها تركز على القراءة خاصة في السنوات الأخيرة. لكن تتمنى كريدية أن يشترى الأهل لأولادهم كتبا كما يشترون لعبا، وتضيف: «العائلات الفقيرة لا تشتري الكتب، فيما العائلات الميسورة تشتري الكتاب الأجنبي للتباهي، والكتاب العربي فقط حين تطلبه المعلمة». وتخلص شيرين كريدية إلى أن دارها لا تعيش أزمة؛ بل بالعكس «في النهاية الطفل العربي مضطر لأن يقرأ كتابا بالعربية، حتى وإن لم يكن عدد الكتب المشتراة بالكم الذي نتمناه جميعا».

تفاؤل تتقاسمه مع شيرين كريدية نادين توما المتخصصة بالكتابة للأطفال، صاحبة «دار قنبز» التي انطلقت منذ ست سنوات في مشروع أرادته مختلفا. توما لا تجد أي مشكلة لا في الحصول على نصوص أدبية ولا في العثور على رسامين ماهرين، وإنما المشكلة هي في نمط التفكير في المدرسة والبيت. «وهذه مسؤولية وزارات الثقافة والمكتبات العامة، أن تساعد الناس على أن ينظروا لما في كتب الأطفال على أنه أدب له أنماطه وتنوعاته وكتابه المتخصصون». وبينما يعتبر سماح إدريس أنه بعد أن ألف 14 كتابا من لون أدبي مختلف عما هو سائد «أحدث صدمة إيجابية، وحث الآخرين على محاولة المنافسة»، فإن توما من جهتها ترى أن دارها «طورت أدب الأطفال في العالم العربي، في المضمون كما في الشكل والخط». وتشرح لنا توما أن «جوائز أدب الأطفال لغاية اللحظة لم تسعف في شيء، لأن معاييرها غير واضحة، وهدفها غير واضح، ولجان تحكيمها تبقى سرية لنكتشف في النهاية أن أعضاء اللجان غير متخصصين في أدب الأطفال، ولا صلة لهم به، فيما الجوائز الأخرى في العالم تعلن عن لجانها وتختار أعضاءها بعناية».

مثل هذه الشروحات لا تقنع سماح إدريس الذي يعتبر أن «شراء المدارس للكتب ليس مقياسا لتطورها أو التقدم الفكري لها» كما أنه يصر على أن «الأطفال لا يقرأون، ببساطة، لأننا نقدم لهم مجموعة من الأكاذيب. فكل ما في هذه الكتب نقي ونظيف ومثالي، وبالتالي لا علاقة له بالواقع الذي يعيشه الطفل». ويسأل سماح إدريس كيف للطفل أن يقبل على قراءة كتاب يحدثه عن العازل الانتخابي وحب الوطن واحترام القوانين، وهو يرى حوله أن كل شيء منتهك. ويضيف إدريس: «ثم إنني أسأل وأنا أرى أن نسبة الطلاق باتت مرتفعة جدا لماذا لا توجد كتب للأطفال تحدثهم عن الخلافات الزوجية أو الطلاق؟ أوليست الخلافات موجودة في كل العائلات؟ لماذا كل شخصيات قصصنا تعيش في بيوت لا نزاع فيها أو انفصال بين الأزواج؟ أما وإن الأمر كذلك، فإن أولادنا يفضلون شراء كتاب إنجليزي، مرح وطريف ومسل يستمتعون بقراءته عوضا عن كتب تحدثهم عن أوطان لا تشبه وطنهم، وبيوت لا تشبه بيوتهم».

وتقترح الباحثة في أدب الأطفال إيمان البقاعي، إدخال أدب الأطفال إلى الجامعات، وتدريسه بوصفه اختصاصا قائما بذاته، للخروج من هذه الأزمة. وإن كان أدب الأطفال يدرس حاليا في بعض الجامعات، سواء في قسم الأدب العربي، أو في قسم التربية الحضانية، فإن هذا لن يضعنا على السكة الصحيحة. فالأصل الاعتراف بهذا الأدب، وبحاجة الأطفال لمن يخاطبهم بصدق وذكاء.