أصحاب دور نشر في مصر والسعودية: لدينا كتاب ورسامون موهوبون.. ولكن

بلسم سعد
TT

في مصر، استطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من القائمين على مهمة النشر للأطفال لتتعرف على الإشكاليات والمعوقات التي تحول دون أن يصبح الكتاب أكثر جذبا للطفل في ظل عالم متغير تحكمه الأجهزة اللوحية.

يرى الكاتب محمد الحمامصي، رئيس تحرير سلسلة كتب «دار الهلال للأولاد والبنات» أن «لدينا كُتاب طفل لكن الإشكالية في عدم وجود دعم لكتب الأطفال، والكتب الموجودة في السوق معظمها تجارية ليست إبداعية، فلا هي تحمل رسالة أو رؤية ولا حتى تنمي خيال الطفل».

وحول تجربته مع هذه السلسلة المتخصصة، يقول «في بداية رئاسة تحرير تلك السلسلة التي تخاطب الفئة العمرية من 8 سنوات ومن 12 وحتى 18 عاما، وجدت أنه خلال عامين أنتجت فقط أربعة كتب، والمسألة كانت تغييرا في الأغلفة، ففكرت في طرح روايات صغيرة ومجموعات قصصية لكتاب أجانب». وعزا الحمامصي نقص عدد الكتاب مقارنة بتعداد الأطفال في العالم العربي إلى معاناة الكتاب المصريين من نقص الموارد المالية، لأن الكاتب يتقاضى عن القصة 400 جنيه، وهو مبلغ زهيد جدا جدا لا يمكن أن يشجع أي أحد على الاستمرار في كتابة أدب الطفل، وقد يجعله يرفض نشر إنتاجه، وتظل أعمال الكثير من الكتاب في الأدراج، وهو الأمر ذاته مع الرسامين. وهم مجموعة من الشباب الموهوبين الذين لديهم طاقة على العطاء والإبداع».

ويحمل الحمامصي الدولة مسؤولية دعم كتب الأطفال، ويثمن تجربة الإمارات العربية المتحدة في هذا الصدد، قائلا «تجربة أبوظبي من خلال مشروع (كلمة) من أهم التجارب في الوطن العربي، فهي تقدم عناوين متنوعة وذات طباعة فاخرة».

ونظرا لسوء الطباعة الناجم عن نقص الموارد المالية، فإن سلسلة «دار الهلال» تحاول التغلب على هذه المعضلة بانتقاء المضمون بعناية شديدة، ولا يمانع الحمامصي في اللجوء للتراث الغربي الحديث رافضا إعادة إنتاج القديم من أدب الأطفال، لأنه لا يفتح آفاقهم على العالم ومجرياته، كما يقول.

وتقول بلسم سعد، صاحبة دار «بلسم» المتخصصة في كتب الأطفال «إن المشكلة التي تواجه الدار تتمثل في ضعف النصوص على الرغم من وجود الكثير من الكتاب الجدد، فنحن نريد أن نكتشف ونقدم كتابا جددا، لكن نريد في الوقت ذاته نصوصا لغوية جيدة تحبب الطفل في لغته العربية. ولدينا كتاب رائعون منهم يعقوب الشاروني، وأمل فرح، وأحمد سليمان، وطارق عبد البر، ولهم بصمات لا تقل عن مستوى الكتب المترجمة». وتعتبر بلسم أن أكثر التحديات التي تواجهها هو وجود نصوص غير لائقة لا تراعي سيكولوجية الطفل، كما أن الكثير من النصوص تستخف بعقول الأطفال وهو ما ترفضه بلسم سعد بقولها «نريد أن نبعث للأطفال برسائل أمل، وأن ندفعهم للتفكير والابتكار والتفوق، وأن نجعلهم مقبلين على القراءة».

وترى بلسم سعد أن «هناك تحديا كبيرا يواجه دور النشر ألا وهو الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر وبعض الدول العربية، مما جعل الإقبال على كتب الطفل يقل بشكل ملحوظ، إلا أنه ما زالت معدلات الإقبال على كتب الأطفال في مرحلة المراهقة جيدة نوعا ما. والدار تقوم بجولات في المدارس للوصول للقراء من الأطفال وتعريفهم على متعة القراءة، وإقامة ندوات واستضافة كتاب مما يشجع الطفل على القراءة والاطلاع».

أما نورهان رشاد، المسؤولة عن نشر كتب الأطفال بـ«الدار المصرية اللبنانية»، فتقول إن «طباعة كتب الأطفال مكلفة جدا، وكذلك هناك مشكلة الصور، ففي العالم العربي لا توجد بنوك ولا أرشيفات للصور مما يجعلنا نلجأ للصور من الغرب، ونتغاضى عنها أحيانا بالرسامين الشباب الموهوبين وهم كثر، كما أن لدينا مؤلفين في الكتابة العلمية رائعين». وأوضحت تجربتها في مخاطبة الآباء والأمهات بإضافة دليل إرشادي لهم يعينهم على توصيل المعاني السامية للكتاب خاصة في السلاسل التي تعالج مشاكل الطفل الصحية والنفسية، مثل كيفية التعامل مع الطفل المتوحد وغير ذلك.

وتشير نورهان إلى أن الإقبال على الكتب المترجمة هو أكبر من الإقبال على الكتب العربية من جانب الآباء والأمهات الذين يحرصون على أن يطلع أطفالهم على الأدب العالمي.. «ولكن بشكل عام الإقبال على كتب الأطفال قليل جدا خاصة بعد الربيع العربي، وأصبحت الدار تقوم بطبع سلسلتين مترجمتين وكتابين فقط على مدار العام تلافيا للخسارة. وتعتمد الدار على إعادة طبع بعض القصص التي لا يزال هناك إقبال عليها مثل حكايات (سندريلا)، و(سنووايت) تلك الشخصيات العالمية التي لا تزال تلقى إقبالا من جانب الطفل العربي».. وهي ترى أن الحل في النهوض بأدب الطفل يمكن أن يكون عبر الجوائز والمسابقات التي تشجع الكتاب على الإبداع والاهتمام بأدب الطفل.

هذه الإشكاليات نفسها تواجهها المؤلفة أميرة أبو المجد، المسؤولة عن نشر كتب الأطفال بدار «الشروق»، والتي تقول «موقف الناشر حساس جدا في التعامل مع المؤلفين، فهو يحاول بكل الطرق أن ينتقي النصوص الجيدة، فالبعض يقدم نصوصا مليئة بالمواعظ وغاية في الجدية، وهو ما ينفر الطفل من القراءة، فالتأليف للأطفال أمر غير هين بالمرة». وتشير إلى أن «أغلب المؤلفين لا يكتبون ما ينعش خيال الطفل ويثيره، وإنما يكتفون بوضع الكثير من المعلومات، ولكن لا بد أن يعتمد المؤلف على أن يكون كتابه مليئا بالأفكار والخيال الذي تفجره الصور الملحقة به وهو ما نحاول في دار (الشروق) التركيز عليه في إصداراتنا».

وتلفت إلى أن الإقبال على كتب المراحل العمرية المبكرة جيد جدا ولم يتغير، لكنها الكتب التي تعلم الحروف والكلمات، أما في المراحل اللاحقة فانعكاس الحالة الاقتصادية السيئة على القوة الشرائية واضح جدا. أما عن إشكاليات أدب الطفل في المملكة العربية السعودية، فتقول الكاتبة ثريا عادل بترجي، صاحبة دار نشر «كادي ورمادي» إن «أدب الأطفال ما زال تخصصا حديثا نسبيا بين فنون الأدب والكتابة، رغم وجود مجموعة من القصص السعودية التي صنفت بأنها موجهة للطفل منذ نحو 50عاما، إلا أن تلك القصص معدودة جدا».

وتشير بترجي إلى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة فقط بدأت حركة أدب الطفل في المملكة تنشط وتأخذ مسارا منظما على أسس علمية في كتابة ورسم وإخراج وطباعة كتب الأطفال، خصوصا بين السيدات اللاتي درسن مجال أدب الطفل وبادرن بنشر كتب أطفال عصرية شيقة تنافس الكتب الأجنبية. والوضع الراهن حسبما ترى يبشر بنمو سريع في مجال كتابة قصص الأطفال على المستوى المحلي والعربي بشكل عام.

وحول وجود كتاب متخصصين في أدب الأطفال، تؤكد ثريا بترجي أنه «يوجد ما لا يقل عن 50 كاتبا وكاتبة أدب أطفال في المملكة العربية السعودية، وهؤلاء الكتاب اختاروا مجال أدب الطفل دون سواه، وأبدوا جدية واضحة في العمل ورغبة في التعلم وتعليم الغير». وتلفت بترجي إلى إشكالية تواجه أدب الطفل السعودي ألا وهي قلة عدد الرسامين والرسامات المتخصصات، الذين يمكن أن يستلهموا لوحات فنية من البيئة والثقافة السعودية.

وعن تجربتها في النشر، تقول «تجربتي في دار (كادي ورمادي) ثريّة جدا والحمد لله، لأن صناعة كتب الأطفال في المملكة كما سبق وقلت ما زالت في طور النمو، وكل خطوة نقوم بها تعتبر إنجازا في حد ذاته، وكل كتاب ننشره يضيف لخبرتنا الكثير، ولأننا نعيش في زمن التطورات السريعة نجد أنفسنا مضطرين إلى القفز بخطوات كبيرة لنلحق بالركب قد تكلفنا أحيانا أكثر مما نطيق، لذا أقول دائما إن عملنا ممتع لكنه مجهد فمسؤوليتنا كبيرة».

وحول مشاكل الطباعة قالت «أحرص شخصيا على أن أطبع كتب (كادي ورمادي) في مطابع جدة رغم أن تكلفة الطباعة عالية بشكل ملحوظ، لكنها توفر علينا مصاريف الشحن من الخارج، كما أهدف إلى المساهمة في تطوير جزئية الطباعة الفنية المحلية كذلك وأفتخر بأن أقول في كل مناسبة بأن كتبنا هي صناعة سعودية من وإلى الطفل، وبالنسبة لجزئية التوزيع فما زلنا نعاني بشدة من ضعف وقلة قنوات توزيع كتب الأطفال في المملكة، وأعتبر هذه العقبة هي الأكبر في طريق تطوير الصناعة ككل».

من جانبه، قال الكاتب الرائد عبد التواب يوسف، صاحب الألف عنوان في أدب الطفل، إن «لدينا بالفعل أدب طفل عربيا، ولدينا كتاب كبار حصلوا على جوائز عالمية وتمت ترجمة أعمالهم لعدة لغات، كما أنه في العالم العربي هناك الكثير من المواهب الجيدة». ويلفت يوسف إلى أن «من أهم مواصفات من يكتب للطفل أن يكون محبا للأطفال مما ينعكس على كتابته لهم، كذلك لا بد أن تكون الموهبة صادقة مضافا إليها اللغة السلمية والجميلة والأسلوب الأدبي الرفيع، وعليه أن يكون مستعدا لبذل مجهود حقيقي خاصة أنه من الضروري في الكاتب أن يقدم أدبا إنسانيا للطفل يغرس فيه القيم النبيلة، وضروري أن يكون مستواه مضاهيا للكتاب الأجانب أو يتفوق عليهم، وعليه أن ينغمس في المحلية وينفعل بمحيطه ليصل للعالمية كما فعل نجيب محفوظ».

ولا يرى يوسف غضاضة في الاعتماد على التراث الغربي، نظرا لما فيه من استفادة، قائلا «كلنا بشر على هذه الأرض، والإبداع ليس فيه غربي وشرقي، وفي العالم كتاب متفوقون جدا لا بد أن نأخذ منهم لأطفالنا إلى جانب ما نكتبه، لكن علينا أن ننتقي ما نترجمه خاصة ما يترجم في المجلات لأنه في الغالب بعيد كل البعد عن الأدب الحقيقي. وفي المقابل، لدينا تراث إنساني كبير مثل (ألف ليلة وليلة)، و(كليلة ودمنة)، ولدينا تراث (الفراعنة المصريين القدماء)، وعلينا الاستعانة بكل ذلك التراث وترجمة ما كتبه الغرب مستوحيا منه، وهناك خطوات في هذا الصدد قام بها المركز القومي للترجمة».