معرض الرياض للكتاب يستثير «فوبيا» الحرية

وزارة الثقافة: سقف الحرية مرتفع ونسعى للتطوير

من معرض الرياض الدولي للكتاب في دورة سابقة («الشرق الأوسط»)
TT

أيام قليلة تفصلنا عن معرض الرياض الدولي للكتاب، المناسبة الأكثر انتعاشا ثقافيا. وقد شهد المعرض منذ نحو خمس سنوات تجاذبات كبيرة إلا أنه وعلى الرغم من ما شهدته هذه السنوات من تطورات على مختلف الأصعدة، فإن المعرض حافظ على مكانه، كـ«سوق» كبيرة للكتاب. إلا أن الحديث عن سقف الحرية، أصبح «هاجسا» بحد ذاته.

قبل أيام من إقامة المعرض، تحدث عدد من المثقفين السعوديين عن هذا الهاجس بالذات، وعن سقف الحرية الذي يمكن أن يرفعه أو يخفضه المعرض هذا العام.

فوبيا الحرية

يقول الكاتب والقاص محمد الراشدي: «قبل أن نتحدث عن هامش الحرية في معرض الرياض للكتاب، لنتذكر أولا أن عددا من المعارض مرت خلال الأشهر الماضية، في عدد من المدن والعواصم الخليجية والعربية، إذ لم يكن هاجس الحرية حاضرا ولا صاخبا كما هو الحال لدينا في كل عام».

وأضاف: «لماذا نحن بالذات نعاني هذه الفوبيا الموسمية الغريبة. لماذا تقاس الحرية بإجازة أو منع هذا الكتاب أو ذاك، لماذا لا تكون الحرية وعيا بالدرجة الأولى تقاس عليه كل تجليات الفعل الثقافي. إن تفصيل الحرية على مقاس كتاب أجيز وآخر منع فيه ابتسار موجع يخلق للحرية مفاهيم بعدد ما في المعرض من الكتب!».

وعن معرض الرياض للكتاب لهذا العام، لا يتوقع الراشدي، أن يكون هناك فرق كبير عما كان عليه في سابقات دوراته، مبينا أن السجالات ذاتها تستعاد والصخب يتكرر والحرية قيمة مختطفة وغائمة. ويقول: «أقصى طموح المثقف من أي تظاهرة ثقافية بما في ذلك معرض الكتاب، أن يحيا جوا ثقافيا حقيقيا، ويعثر على مطامحه الممكنة والبسيطة، بكتاب لا تكون نسخه نتيجة صفقات جشع من قبل ناشرين، مع وفرة في المعروض تتيح فرصا منصفة للزائرين على مدار زمن المعرض، وفعاليات جادة تحترم المناسبة».

من ناحيتها، ذكرت الكاتبة والقاصة زكية نجم أنها تنظر بترقب لهامش الحرية الذي يوفره معرض الكتاب هذا العام سواء كان على مستوى العناوين أو على مستوى الفعاليات على الرغم من أن هذا الهامش يتمدد ولكن ببطء.

وقالت: «نأمل كأدباء أن يصل الوعي إلى المستوى المأمول الذي لا تُحتكر فيه الثقافة والمعرفة، وذلك بأن يتم التعاطي مع الكتب والمنشورات على أنها ثمرات العقول وليست أدوات للغزو العقائدي، كما نطمح أن تكون الضوابط مُنصفة وبعيدة عن التجنّي».

أما القاص والكاتب عبد الجليل الحافظ، عضو مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي، فقال: «هامش الحرية وسقفها قد ازدادا حجما وارتفاعا في تراتبية تصاعدية منذ الأعوام الماضية». وأضاف: «تقوم الوزارة بدءا من الوزير، الذي أخذ بنفسه بإصدار فسوحات كثيرة لكتب وإصدارات عُرف أنها ممنوعة، وكذلك وكالة الثقافة، في السماح للكثير من دور النشر من شتى البلدان، لكن علينا أن نعي أيضا أننا نعيش ضمن أنظومة اجتماعية وبيئية محلية، هي من تصدر المنع على الكتاب قبل وزارة الثقافة وخصوصا حينما يتعلق الأمر بالدين وثوابته».

ويريد الحافظ كمثقف من معرض الكتاب أن يشبع رغبته كونه يمثل تظاهرة ثقافية ومهرجانا، لا من حيث كونه معرضا تجاريا لبيع الكتب. وقال: «يهمني أولا الحصول على الكتاب بسعر زهيد أقل من السوق، وهذا هو هدف معارض الكتب، وهنا تأتي أهمية تفعيل لجنة مراقبة الأسعار في المهرجان، وبحكم حضوري لأكثر من مهرجان عربي، ألاحظ أن جشع التجار يزداد أكثر في معرض الرياض للكتاب».

وزارة الثقافة: نسعى للتطوير

من جهته أوضح الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام السعودية للشؤون الثقافية، أن معرض الرياض الدولي للكتاب يشهد كل عام مزيدا من التطوير ومعالجة الأخطاء، الأمر الذي أكسبه تجربة ثرية في التعاطي مع هذه التظاهرة الثقافية بمعايير مسؤولة من حيث سقف الحرية المتاحة للعناوين المشاركة والفعاليات المصاحبة.

وأكد أنه من هذا المنطلق فإن المعرض في نسخته الجديدة، التي تنطلق فعالياتها في الخامس من شهر مارس (آذار) المقبل، اشتمل على معالجات مهمة نتيجة للخبرة التراكمية، ساهمت في معالجة الكثير من الأخطاء التي وقعت في الأعوام السابقة، مشيرا إلى أن هناك سقفا مرتفعا لحرية العناوين والفعاليات المصاحبة.

ولفت إلى أن المعرض يهدف إلى إشاعة الثقافة وبالتالي لا يمكن أن يضيق أو يحتكر مصادر الثقافة والمعرفة لفئة دون الآخرين، مبينا أن هذا ليس له في الواقع وجود أصلا، فـ«الحرية المسؤولة والأخلاقية مشاعة على أكبر ارتفاع من السقف المتاح، وما شهدته الفعاليات الثقافية من مساجلات ونقاشات ساخنة، دليل آخر على تنامي حجم الحرية المنشودة».

ودلل الحجيلان على ذلك بنجاح المعرض في نسخة عام 2012 على الرغم مما قيل حوله وفيه من مغالطات، مبينا أن معرض الرياض للكتاب، «أضحى أهم المعارض العربية في الوقت الراهن، واستطاع أن يتجاوز تجارب سابقة بنجاح يشهد له أهل المعرفة والثقافة والفكر، في ظل التراجع الذي شهدته معارض كل من بيروت والقاهرة ودمشق».

ويضيف الحجيلان «إن تحقيق معرض العام الماضي أكبر نسبة مبيعات للكتب، وتردد الكم الكبير من السعوديين والمقيمين على المعرض على مدى أيام انطلاقته، وتسجيله أكبر نسبة زيارة، وكذلك تحقيق مبيعات كبيرة من الكتب على اختلاف مذاهبها الفكرية والثقافية، استفتاء واضح لحجم الحرية المتاحة على مستوى العناوين والفعاليات. إن ما حققه المعرض من نجاحات كفيل بأن يغري المزيد من المهتمين بعالم الثقافة والكتب بمختلف مشاربها ومذاهبها الفكرية والثقافية والأدبية، لزيارة المعرض والمشاركة في فعالياته بلا ضغوط أو تضييق». لكن مثقفون اشتكوا مما سموه وجود «شللية» تحيط بوزارة الثقافة تجعلها «تحابي» بعض الأسماء وتدير ظهرها للباقين، وهو بالطبع ما ترفضه الوزارة.

ومن هؤلاء المثقفين زكية نجم، التي تقول إن «وزارة الثقافة والإعلام كرست (الشللية والانتقائية)، في دعواتها للمثقفين لحضور فعالياتها ومن بينها معرض الكتاب. وهي قضية مؤسفة ولم تولد من فراغ، بل هي ملموسة وفقدنا بسببها سمة الإثراء المعرفي، بفقدان مشاركة رموز كان من المفترض أن توجد ويكون لها بصمة وحضور».

لكن الدكتور ناصر الحجيلان وكيل الوزارة للشؤون الثقافية، نفى بشدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هذا توجه إدارة المعرض المناط بها إشاعة الثقافة ونشر المعرفة، مشيرا إلى أن هناك لجنة محايدة مكونة من مختلف ألوان الطيف الفكري والثقافي والأدبي تتبع معايير لا تعمل بمزاجية أو نتيجة علاقات شخصية.