الغزاة يخافون الذاكرة.. والثقافة

كتاب «ركض في رام الله» بانتظار ترجمته إلى العربية

«ركض في رام الله»Review-In Ramallah Runningالمؤلف: غاي مانز أبوتالناشر: «بلاك دوغ» البريطانية
TT

في كتاب المؤلف والناقد غاي مانز أبوت، «ركض في رام الله»، نجد تدخلا شعريا مع الحدود المكانية للمدينة الواقعة بالضفة الغربية التي ورد اسمها في عنوان كتابه. نقرأ عن المكان، مثلما يوصف ويعاش فيه وينظر إليه بوصفه محظورا. عبر «ركض» مانز أبوت، نزور مكانا شاهدناه في الأخبار وفي الأفلام وفي الصور، مختبرين الحدود معه، كما لو كنا نحطم العدسات لمشاهدة ما يجري وراء الكواليس: ما هذا المكان المعروف بتلك القيود، التي لا تأتي فقط مع تلك النظريات والعادات البالية والتاريخ والإصابات والنكبات، وإنما أيضا مع جماله وبساطته وطابعه المميز؟

يعتبر هذا الكتاب، الذي نشرته دار نشر «بلاك دوغ» البريطانية، مشروعا اضطلع به المؤلف عبر فترة عمله الفنية في مؤسسة «عبد المحسن القطان» في رام الله. وتجمع النتيجة الممثلة في 160 صفحة ثلاث مقالات منتقاة على وجه الخصوص من قبل الكاتب حول الفن المعاصر وجين فيشر ما بعد حقبة الاستعمار والروائية أدانيا شبلي والشاعر والناقد نجوان درويش. كما يضم أيضا أعمالا مرئية أوكلت على وجه الخصوص إلى ثمانية فنانين من بينهم إيميلي جاسر وجنان العاني وشريف واكد وآخرون.

بقراءة هذا الكتاب، يتسنى للفرد القيام بجولة مع مانز أبوت متحديا الحواجز وتهديدات القناصة، ومحاولا تخيل مدى الواقعية التي يمكن أن يكون عليها كل هذا على نحو يتخطى السرد التي نتلقاه على شاشاتنا. إنه كتاب من عدة مستويات تتبادل المواضع بعضها مع بعض، وتمنحه طابعا إيقاعيا. وهناك مستويات مكانية وزمانية مستمرة في التحرك للخلف وللأمام. ويتم التعبير عن ذلك ومناقشته عبر العناصر السياسية والشعرية والمرئية.

يقدم مانز أبوت تحديا عظيما لقيود الحياة تحت نير الاحتلال. يقول: «إنني أركض في رام الله؛ وهذا أمر مؤلم». نرى ارتباطا بين المجرد والمادي، أو القدرة العقلية على أن تكون في مكان ما والقدرة التخيلية على أن تكون هناك، فأكبر عناصر هذا التحدي للاحتلال هي الذاكرة والثقافة. ومثلما كتبت فيشر في المقدمة، فإن محمود درويش يتحدث في إحدى قصائده عن (خوف الغزاة من الذكريات)، نظرا لأن ذكريات السكان الأصليين المتأصلة في الأرض واللغة والثقافة تشكل تحديا لشرعية الخطاب الاستعماري».

وفي إطار ذلك، يعزز نسج مانز أبوت الحكي حول المدينة الصغيرة بالتاريخ الذي قد جرى مجراه هناك، والذي ترسم ملامحه شوارع وميادين سميت بأسماء شخصيات مثل جورج حبش وإدوارد سعيد وراشيل كوري. غير أن الإحالات تعود للوراء إلى ما قبل ذلك؛ فرام الله مدينة يعود إنشاؤها إلى أكثر من 500 عام مضت، ونشأت من مدينة صغيرة بين القدس ونابلس مع آثار من فترات الحضارة الرومانية. غير أن الأحداث التاريخية الحالية قد لعبت دورا أيضا: شاحنات المبعوثين الدبلوماسية التابعة للأمم المتحدة وتوزيع أفراد الجيش والأحداث الجارية. يكتب أبوت: «مرت بضعة أيام فقط على مقتل 9 أشخاص على متن سفينة (مافي مرمرة)».

وهو يكتب أيضا عن القيود المادية والروحية: «القيود التعسفية التي تفتقر للمعنى والعدل، والتي تكمن قوتها الحقيقية في عدم توقعها. القيود غير المتوقعة التي باتت تحدد ملامح علاقة الفلسطينيين بالمكان ومكانهم والحياة المتاحة فيه أو عليه».

ولكن مانز أبوت يستمر في دفع القيود التي حددتها القوى المحتلة، آخذا فترات راحة من الركض للجلوس مع أصدقائه الفلسطينيين لتناول الطعام واحتساء الشراب في الشرفات.

كتاب «الركض في رام الله» باللغة الإنجليزية فقط. ومن المهم أن يترجم كتاب على هذه الدرجة من الخصوصية إلى اللغة العربية؛ لغة المكان الذي يتحدث عنه.