سينما الشباب السعودي لم تعد عزفا منفردا

ليسوا مضطرين للانتظار على أبواب المؤسسات

طلال عايل خلف كاميرته
TT

لا يزال الشباب السعودي يبذل محاولات جادة في مجال السينما في ظل ضعف الاهتمام بإنتاجهم محليا، في حين تحقق بعض تجاربهم السينمائية وخاصة تلك التي يبتكر الشباب أدواتها وقصتها نجاحا خارجيا، سواء في مهرجانات خليجية وعربية أو حتى عالمية رغم تركيزها على مناقشة قضايا محلية بالدرجة الأولى.

وفي ظل غياب صالات العرض، يلجأ الشباب للشبكات الاجتماعية لعرض إنتاجهم من أجل وصول أسرع للجمهور.

في هذا السياق، يتحدث المخرج السينمائي السعودي عبد الله العياف عن الصعوبات التي تواجهها السينما الشبابية في السعودية، ويقول: «إن عدم عرض الأفلام داخل السعودية يقلل من تأثيرها رغم مناقشتها لقضايا محلية. لكن لا يوجد حل آخر». وهو يرفض اللوم الموجه للشباب والشابات على عدم عرض أفلامهم في حين أنهم يحاولون جاهدين فعل ذلك ويقابلون بالتجاهل من الجهات الرسمية وغير الرسمية.

العياف يخشي أن تؤدي خطوة لجوء الشباب للخارج لعرض تجاربهم إلى إنتاج سينمائي «لا يتناسب مع قيم المجتمع السعودي» فما دام الفيلم مصنوعا ليعرض خارج البلاد وسياقاتها الاجتماعية فلا أحد مضطرا لأن يراعي منظومة السلوك المحلية. أضف إلى ما يمكن أن يصيب تلك التجارب من انفصام عن واقعها، لتبدو أعمالا لا تحمل أي هوية أو انتماء للمكان. وهو ما يضعف التجربة السينمائية، حيث يعتبر موروثها الثقافي والحضاري وانتماءها عنصر إثراء للتجربة.

يخالف العياف زميله المخرج السينمائي طلال عايل الذي يؤكد أن عدم عرض الإنتاج السينمائي السعودي داخل البلاد لا يفقد تلك الأفلام أهميتها وإن كان له تأثيره على دورها في أداء رسالتها. وهو يرى أن المشكلة ليست في عرض الأفلام السعودية خارجيا فكل الأعمال تعرض خارج دولها: «ولكن المشكلة هي أنها لا تعرض داخليا ولا تقدّر ولا يحتفل بها رغم حصولها على اهتمامات خارجية كبيرة في محافل إقليمية ودولية».

أصوات الشباب

من جانبه، أشار الناقد السينمائي السعودي فهد الأسطا إلى أن أغلب ما تعرضه سينما الشباب هو انعكاس للواقع والقضايا الاجتماعية رغم تفاوت نوعية المواد المقدمة بدرجة كبيرة، فقبل أربع سنوات، كما يقول، شهدت السينما انطلاقة كبيرة للشباب وأفلامهم التي وصلت لمهرجانات عالمية، بينما تراجع الأمر مؤخرا بشكل ملحوظ لصالح منشورات المواقع الاجتماعية وبروز عدد من الأسماء في المجال.

وقال الأسطا بأن ما أنجزته السينما الشبابية السعودية أقل مما يفترض بعكس نتاجات مواقع الـ«يوتيوب» التي نوّه بوصولها لمرحلة جيدة من الاحترافية إلى جانب جودة المحتوى.

من جهة أخرى، ووسط الثورة الرقمية التي تتيح لكل شاب يحمل هاتفا ذكيا إمكانية تصوير وتحميل أي مشهد حي وبثه على وسائل التواصل الاجتماعية، كما يضيف الأسطا: «يصبح الحديث عن السينما وقيودها ترفا لغويا لا أكثر، فالشباب لم يعد مضطرا للانتظار على أبواب المؤسسات الرقابية لكي يحصل على أذونات تصوير وإنتاج وعرض ومشاركة، إذ يمكنه أن يفعل الكثير بمجرد كاميرا رقمية خفيفة الوزن يحملها بيد واحدة. ومع هذه الثورة التقنية التي تطور أساليبها يوما بعد صار الجميع في سباق مع الزمن، لكي يقدم تجربة قصيرة جدا لا تمتد بمساحة (140 حرفا) يوفرها (تويتر)، بل مجرد (37 ثانية) تقدمها «كييك» للقطة فيديو تجعل الجادين ممن يقدمها في سباق لضغط الفكرة في حدود مساحة الميكرو هذه».

ويعتبر محمد بازيد مقدم برنامج «التاسعة إلا ربع» الساخر على الـ«يوتيوب» وبرنامج «النشرة الـ...» على «روتانا خليجية» الشبكات الاجتماعية المصورة جزءا من نسيج اجتماعي جديد يقوم بالدرجة الأولى على التفاعل والخطاب المباشر الحر نسبيا، لذلك هو ينفي إمكانية عزل وقياس تأثير الشبكات المصورة وحدها من دون وضعها ضمن سياق التواصل الاجتماعي بشكله الجديد، لافتا إلى أن هذا النوع من التواصل يشكل صداما إيجابيا بين الأفكار المختلفة والمتضادة في موقع واحد.

ويشيد المخرج طلال عايل أيضا بتأثير مواقع الفيديو التشاركية، ويعتبرها مؤشرا جيدا على تقبل المشاهد للمادة المرئية بشكل عام والفيلمية بشكل خاص. يقول: «كان أغلب الناس يرفضون الأفلام التي يصنعها مخرجون سعوديون لعدم معرفتهم بماهيتها فجاءت هذه المواقع لتقرب صورة ما يصنعه المخرجون المستقلون في أفلامهم. إن أهم ما في موضوع مواقع التواصل الاجتماعي المرئية هي كسر حاجز الرهبة من الكاميرا مما يفسر وجود مشاركات مختلفة من جميع أطياف المجتمع وبمختلف فئاته العمرية».

ويشاركه في هذا الرأي لمخرج عبد الله العياف، الذي يرى أن انتشار مواقع الفيديو دليل على قوة الصورة كوسيط مؤثر ووسيلة بالغة الجاذبية لدى الأجيال الشابة، فقد حفزت الكثيرين على خوض تجربة تصوير عمل ما وتقديم رسالة من خلاله كما حدث مع موقع الـ«يوتيوب» الذي أظهر الكثير من المواهب ومنحها فرصة الظهور بعيدا عن عالم التلفزيون والصعوبات التي تحول بينه وبينها، مما قاد إلى بروز ممثلين مبدعين وكتابا ومخرجين موهوبين، كما أنها سحبت البساط من الكثير من البرامج التلفزيونية التقليدية لتلقائيتها وجرأتها وطرافتها.

شباب «يافع» تقنيا.

أما المبرمج والخبير التقني محمد بدوي، فيصف الشباب العربي عموما والسعودي بشكل خاص بأنه «يافع» وهو الأسرع في تبني أي تقنية جديدة، ربما يساء استخدامها، لكن بعد ذلك تتم عملية تصحيح تلقائية، داعيا إلى إشاعة ثقافة الاستخدام الصحيح للتقنية منذ الصغر، وإدراج ذلك ضمن المناهج الدراسية.

وذكر بدوي بأن مواقع وخدمات الإعلام الجديد عبر منصات الشبكات الاجتماعية كرست مفهوم التصغير (micro) وذلك من خلال التدوين المصغر عبر «تويتر» والـ«فيس بوك» وتعرضت في بداياتها لهجوم وانتقاد بحجة دورها في تسطيح الأفكار ولكن سرعان ما تأقلم معها الجميع وأصبح لكل فئات المجتمع مشاركة في هذه الشبكات وفق قوانينها الخاصة وهو ما أطلق عليه ثقافة الاختصار.

ويؤكد بدوي دور الهواتف الذكية في تبني ثقافة الاختصار الرقمية، لذلك يرى بدوي بأن برنامج «كييك» والذي يمنح وقتا مختصرا لا يتعدى 36 ثانية كافٍ جدا ليعبر الشخص عن أفكاره بطريقة قد تكون أعمق من تغريدة بـ140 حرفا وذلك لتأثير الصورة، التي تعدل أحيانا ألف كلمة. مشيرا إلى أن ما وضع له (كييك) عبر مفهوم (MicroVlog) يتحدث عن مشاركة الأفراد العاديين لأفكارهم بين أصدقائهم كنوع من الاتصال المباشر.

وأضاف المبرمج بدوي بأن «كييك» سبب كثيرا من البلبلة لاختراقه خصوصية المجتمع إلا أنه أكد بأن إبداع الشباب السعودي قادر على استغلال التقنية بشكل إيجابي وتطويعها بطرق جيدة يُستفاد منها كما حدث مع نجوم الـ«يوتيوب» سابقا.

أمام ذلك، يبرز حجم الانتقاد للأعمال المنفلتة التي يلجأ لها الشباب بكاميرات التصوير الرقمية وتحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي دون مراعاة لقيود أو حدود أخلاقية، هذه المخاوف يجري أحيانا تضخيمها أمام أي تجاوز يقوم به شاب من الشباب، وسط تغافل عن مئات الآلاف من المقاطع المحملة التي تتضمن محتويات مفيدة أو محايدة.

ويعلل الباحث الاجتماعي الدكتور نايف الفراج تدني بعض نوعية المواد المصورة للشباب السعودي على اختلافها بما يسميه «الكبت الاجتماعي» و«محاولة التنفيس وتفريغ الطاقات والمشاعر» وبالتالي يلجأ بعض المستخدمين للبحث عن الإثارة والتشويق من خلال تلك المواقع، مبينا أن الشباب يسعى بالنهاية للتواصل مع الآخرين وتزويدهم بآخر أخبارهم ويومياتهم الخاصة بالصوت والصورة إلا أن البعض يحاول خلع قيود المجتمع ومتجاوزا مرحلة الحياء ليصل مرحلة الإسفاف إدراكا منه بأن شخصيته الافتراضية مجهولة غالبا ولن يصله أو يتعرف عليه أحد.