يوسف عز الدين.. نمط أكاديمي أصيل

رحيل رئيس المجمع العراقي سابقا

د. يوسف عز الدين
TT

يحز في نفسي أن أتناول القلم لأرثي صديقا عزيزا علي قضيت معه سنوات من أسعد سنوات حياتنا في لندن، وفرقنا الزمن والعمل وجمعنا من يوم لآخر حتى وضعت الشيخوخة والمرض حدا لهذه العلاقة. وفجأة أسمع من الصحب أن الدكتور يوسف عز الدين فارق الحياة في ويلز ببريطانيا عن عمر تجاوز التسعين عاما.

بعدما استثمر هذا الأديب والشاعر العراقي كل هذه السنوات الطويلة خير استثمار. بدأ بدراسة الأدب العربي، ثم أصبح معلما وأستاذا للغة والأدب في بغداد، ثم في المملكة العربية السعودية. وشغل مناصب مهمة في هذه الميادين، رئيسا للمجمع العلمي العراقي، وعضوا في أكثر المجامع العربية، بمصر وسوريا.. إلخ. ويظهر أن بريطانيا التي أنجز فيها، في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية من جامعة لندن، درجة الدكتوراه في الأدب العربي، ظلت تستأثر مشاعره، فاستقر فيها بعد التقاعد وقضى فيها أواخر حياته مع زوجته وأولاده. وفي هذا العمر المديد أنجز الكثير من الأعمال، فنشر ما يزيد على الثلاثين كتابا، كان منها أطروحته «الشعر العراقي الحديث». وتضمنت أعماله بعض الروايات والمجموعات القصصية وعدة دواوين شعرية، منها «في ضمير الزمن»، و«ألحان»، و«همسات حب مطوية» ثم «رجع الصدى» (1994). وتميز شعره بالروح الوجدانية والهيام بالحسن والجمال.. ذهب لمراجعة طبيبة حسناء ووجدها لا تنفك عن التدخين، خلافا لسنة الأطباء، فقال فيها:

* «انفثي من فمك العذب عطورا - واملئي الدنيا أريجا وزهورا

* ليس ما تنفث غيما قاتما - إنما تنفث للكون عبيرا

* تاهت الأنفاس من غبطتها - بفم يرسلها عذبا نميرا

* أي هم ليت شعري ساءها - فكوت سيجارة الحزن زفيرا

* ما الذي أوقعها في شجن- فانتحت تزجي دخانا وسعيرا

* ليتني سيجارة في فمها - أنتشي من شفة الحسن سرورا»..

كثيرا ما سمعته يتشكى من عزوف الجمهور العربي عن شعره وتجاهله لأعماله. فكما رأينا، كان شاعرا محافظا في أفكاره وأسلوبه، ولم ينسجم مع ثورة الشعر الحديث ولا استجاب لها أو انخرط في صفوفها. ظل متمسكا بقالب القصيدة العمودية. وبابتعاده عن الشؤون السياسية أيضا، نأى عن جل التطلعات السياسية والأفكار الآيديولوجية التي اجتاحت عصره وبلده. وبوقوفه على التل، تجاهله من كانوا في الوادي يخوضون معارك المصير العربي. لقد كان النمط الأصيل للمفكر الأكاديمي.