صادق الفراجي: أشعر بأنني لست حرا

معرضه الشخصي الأول في لندن لا يقتفي ترف الرسم ولا معنى الجمال

صادق الفراجي
TT

في معرضه الشخصي الأول بالعاصمة البريطانية، والمدرج ضمن التجربة الثانية لمسعى غاليري «أيام» لتقديم الأصوات التشكيلية العربية بعد افتتاحه في لندن، قدم الفنان العراقي صادق كويش الفراجي (1960) بعضا من توصلاته التشكيلية الجديدة ولغاية 28 الحالي. من عنوانه المقلق «أنا أشعر بأنني لست حرا»، يفتح الفنان باب أسئلته على مفردات كبيرة تطال معنى الحرية ومشكلة الوجود والقدر الإنساني وعبثية الحياة وعقم الانتظار. وأسئلة من هذا العيار بدت، في واحدة من وجوهها، لا تقتفي ترف الرسم ولا تبتغي البحث عن معنى الجمال، بل يمكن إدراجها ضمن محاولات لجدل ونقاش دائمين مع النفس والعالم في آن. ذلك أن جل هذه الأعمال، 13 عملا فنيا نفذت بطريقة الطبع عبر استعمال الحبر الصيني والهندي على ورق ومن ثم على القماش وبأحجام متقاربة، تدور حول الأسئلة أعلاه، وغايتها إشراك الزائر في نقاش حيوي وآني وتحريضه على البحث عن أجوبة شخصية. اقتراح دعوة لتأمل هذه التكوينات المتقشفة، المعزولة، المكسورة والحزينة والمكررة لنفسها والمجللة بالسواد، ومتابعة ما تخفيه تفاصيلها. وبعيدا عن رمزية العناوين وشبحية الأشكال ونفور حركاتها وانحناءاتها، فإن أعماله «جسم مرتفع» و«شرنقة» و«مراحل اكتساب المعرفة» و«أستطيع الطيران مرة واحدة» و«أبجدية الجسم»، تشي بثمة عطب ما في هذه التكوينات بفعل ثقل أو وطأة يتخيلها المتلقي. في المقابل، نجد في تركيبه الفيديوي «غودو الذي سيأتي البارحة» (12 دقيقة)، ومثله «سيزيف يخرج في مظاهرة» (10 دقائق)، لغة أقرب إلى لغة المراثي. ففي الأول، يستعير الفنان من مسرحية «في انتظار غودو» للكاتب المسرحي الآيرلندي محنة شخصياته وهم؛ فلاديمير وأستراغون وتزيجتهم للوقت في نقاشات عقيمة على أمل ظهور ثالثهم المخلص غودو. ومثلما قلب العنوان، وشكك في جدوى الانتظار باعتباره كذبة كمينة، فإن مونولوغه الداخلي أحال شخصيات عمله التركيبي إلى ظلال تسبح في وهم وجودها وعلى إيقاع صفير رياح عاتية. إذ إن «غودو لن يأتي، وإن حضر فسوف أستطيع التحليق كونه صنوا لحرية أفتقدها»، كما يقول الفنان في بيانه المرافق لهذا العمل. في حين يؤثث عمله الثاني بعدد كبير من التكوينات المتوحدة وينثرها على سطح شاشة كبيرة. بنيما تأخذ حركاتها أشكالا متعددة، وعلى أصوات شعار يردده المتظاهرون وبالكاد تستجمع كلماته. فالأصوات المبحوحة والمرددة لشعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، يأخذ على يد الفنان معنى آخر، معنى الرثاء الذي يستعير من أسطورة سيزيف معناها والقائل؛ عليك أن تتعذب، أن تحمل همك وثقل وجودك على ظهرك دائما، وعلى هذا الطريق الوعر لا بد أن تسير... وكأن به يقول إن مشكلة العذاب الإنساني أكثر تعقيدا، لا تحلها مظاهرة أو قرار سياسي. أو بلغة المعري، حالات الزمان عليك شتى، وحالك واحد في كل حال. إذن، ما الحل؟ هل في السفر وطي صفحة الأوضاع الضاغطة، أو كما يسميها الفنان «الثالوث الكيفي»، وهي التقاليد، والمجتمع وديكتاتور، لحين انجلاء غمة الحال؟ وكم من الفخاخ تنتظرك في منفاك السعيد والبعيد؟ يقول الفراجي: «إن هذه الأعمال تتعلق بمسألة الوجود، وما تستدعيه هذه القضية من مآزق»، في حواره مع «الشرق الأوسط». «وهذا يستحضر في الوقت ذاته مواجهة مباشرة مع النفس عبر طرح أسئلة، لماذا أنا موجود أصلا؟»، ويكمل: «يبدو هذا السؤال بدهي وبسيط، لكنه يطرح نفسه علي بإلحاح. فأن تعي وجودك يستدعي هذا عددا من القضايا من بينها الحرية، التي هي في حقيقتها وهما. ذلك أن أغلب خياراتنا الحياتية هي في حقيقتها مدفوعة بعوامل بعيدة عن خياراتنا الشخصية. أما حول عملي الفيديوي (غودو سيأتي البارحة)، فقد أعدت قراءة النص الأصلي، وافترضت أن غودو موجود أصلا. لكنك لا يمكن أن تطاله. تمني النفس بالإمساك به ويهرب من بين أصابعك. غودو هو أنا كما أود أن أكون. وستجد في أعمالي سؤال الوجود يكرر نفسه. فالنظر إلى الأشياء وتأملها لا يخلو من متعة الدهشة بوجودها. وبالعودة إلى سؤالك عن أن أغلب الأشخاص في أعمالي تبدو منحنية، أقول لربما، بفعل الهم الذي تحمله أو ثقل المعرفة، أو يمكنك مقاربتها وقراءتها من دون مسبقات. ما حرضني على استعمال التركيب الفيديوي هو في حقيقته اللجوء إلى حلول ومن دون الارتهان إلى وسيط تعبيري واحد. المهم في هذا المجال إيصال الفكرة أولا وأخيرا».