عبد الله بن عثيمين: الثورة الجزائرية صنعت مني شاعرا

قصائدي في المرأة لم أنشرها وهذه حكاية قصيدة «لا تظلموه»

د. عبد الله بن عثيمين
TT

يبدو الدكتور عبد الله بن صالح بن عثيمين، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية، نشطا وفاعلا في الكثير من المؤتمرات والندوات الفكرية والأدبية العربية، وهو يظهر نشاطا كبيرا في التواصل مع مختلف الأجيال الأدبية التي يلتقيها، لكّن لهذا المؤرخ وجها أدبيا يتمثل في كونه شاعرا رقيق الحاشية يضع نفسه مع نزار قباني في مربع واحد.

«الشرق الأوسط» التقت بالدكتور عبد الله بن صالح بن عثيمين، في الرياض وأجرت معه الحوار التالي:

* كيف جمعت بين الأدب والشعر والتاريخ؟

- إنني أفهم أن الشعر فرع من فروع الأدب، لا أنه فن منفصل عنه حتى يكون لعطفه على الأدب محل مناسب، أما العلاقة بين الشعر والتاريخ فالذي أفهمه أيضا؛ أن التاريخ فرع من فروع المعرفة وتخصص قائم بذاته، والشعر موهبة قد توجد لدى المؤرخ ولدى غيره من المتخصصين في فروع أخرى من المعرفة كالطب والفيزياء والرياضيات وغيرها، فمن المعلوم أن عددا من الأطباء – مثلا – كانوا شعراء كإبراهيم ناجي وعلي محمود طه، ولأن الشعر موهبة وليس تخصصا فإني متخصص في دراسة التاريخ، والذي يقول عني إني «مؤرخ» لم يجانبه الصواب، أما وصفي بـ«الشاعر» فأمر يختلف فيه اعتمادا على نظرة القارئ إلى ما كتبته في هذا المجال.

* أي قضية تلتزم بها في شعرك؟

- قضايا أمتنا التي حركت مشاعري كثيرة ولكن أعظمها قضية فلسطين التي ملخصها أخذ أرض من أهلها – بعد ارتكاب مجازر ضدهم – وإحلال آخرين محلهم.

* تميل إلى الواقعية في شعرك.. ما السرّ في ذلك؟

- الذين يكتبون الشعر أو يقولونه تختلف نظراتهم، أما أنا فما أكتبه أو أقوله مما يسمى شعرا لم أقصد به إلا التعبير عن مشاعري تجاه واقع أعيشه وأتعايش معه وبخاصة واقع أمتنا عربية أو مسلمة.

* هل ولى زمن الشعر الرمزي؟

- لست من المتابعين للحركة الأدبية، التي من وجوهها الشعر رمزيا أو غير رمزي، على أني أجد نفسي مرتاحا للشعر المكتوب بلغة يفهمها القراء، بل ربما اختلفوا حول مدلولاتها، وأنا مع الشاعر الكبير نزار قباني، الذي وصف ما هو مكتوب بلغة لا يفهمها إلا تلك الندرة، قائلا: إنهم يكتبون بلغة هيروغليفية، فالشعر في نظري لا بد أن تكون له رسالة، وما لم تكن الرسالة واضحة اللغة للجميع، فإنها قاصرة عن تلبية ما هو مرجو ومطلوب.

* عاصرت مؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز عام 1955 إلى أي مدى أثرت فيك أجواء النكبة الفلسطينية في أدائك الشعري؟

- كان من أعظم ما حرّك مشاعري، وجعلني أدوّن ما دوّنت من شعر، هو انطلاق الثورة الجزائرية المجيدة ضد المستعمر الفرنسي عام 1954. الذي حدث قبل مؤتمر عدم الانحياز في باندونغ بعام، وحينذاك كنت في السنة الثانية من المتوسطة في المعهد العلمي، وسبب تحريك تلك المشاعر أن انطلاق الثورة بعث الأمل في نفوس الجيل الذي أنتمي إليه، وبخاصة أن ذلك أتى بعد ستة أعوام من نكبة فلسطين وقيام دولة الصهاينة على أرضها الحبيبة، وتشريد الكثيرين من أهلها نتيجة قيام تلك الدولة والمجازر التي واكبتها، ومن أدلّة انبعاث ذلك الأمل في النفوس أن كتائب الفداء الفلسطينية انطلقت من غزة عام 1955 ضد الصهاينة المحتلين.

* توصف بأنك شاعر ملتزم بالقضايا القومية.. هل ما زلت قوميا؟

- ما زلت ملتزما بقضايا أمتنا العربية، وأكاد أجزم أن كل عربي مخلص لأمته سيظل مؤمنا بتلك القضايا، لأن مصير الأمة واحد، فلا بد أن تكون مشاعر الجميع المخلصة موحّدة تجاه هذا المصير المشترك الواحد، ومفهومي للقومية العربية أنها انتماء لا يتناقض مع انتمائي العقدي بأني مسلم مؤمن بإسلامه الذي يعتز به ويحمد الله أن هداه إليه.

* هل كتبت شعرا في المرأة؟

- لقد كتبت عددا غير قليل من القصائد التي تتناول المرأة، سواء باللغة العربية الفصحى أو باللهجة الدارجة التي يسمى ما يقال بها من شعر (الشعر النبطي)، لكني لم أنشر من تلك القصائد إلا النادر النادر، على أني أرى أن قضية المرأة قضية اجتماعية لا تنفرد بها وحدها، فالمرأة والرجل هما عماد مجتمع يشترك فيه الطرفان اشتراكا لا يمكن فصل جزء منه عن الآخر، والذين يريدون أن يفصلوا قضيتها عن قضايا المجتمع ككل ليسوا في نظري ممن يحالفهم التوفيق.

* هناك من يرى أنك شاعر متمرد ثوري وقصيدتك (لا تظلموه) دليلهم على ذلك. ما قصة هذه القصيدة؟

- أولا من لا يقف ضد الظلم فهو ليس مخلصا لأمته ووطنه، وأما قصيدة «لا تظلموه»، فهي مسألة هامشية لأنها خاصة بي، وقصتها أنني كنت منتسبا إلى المعهد السعودي في مكة، وحين أديت الشهادة الثانوية كنت الأول في قائمة المنتسبين، والثاني ضمن المنتسبين والمنتظمين، وكنت آمل، وقد حصلت على ما حصلت عليه من تقدم في نتيجة الامتحان، أن أبتعث للدراسة الجامعية في الخارج، وبخاصة مصر، التي كانت حينذاك أمنية كثيرين من أبناء جيلي أن يدرسوا فيها، لكني حرمت من الابتعاث إليها، فأحسست أني ظلمت وكتبت تلك القصيدة.

* كنت معجبا بطه حسين عميد الأدب العربي.. ما سرّ هذا الإعجاب؟

- نعم كنت معجبا بطه حسين، سواء في أسلوبه الأخّاذ أو في كثير من طروحاته الأدبية، ولو يكن فصلي من جامعة الملك سعود بسبب ذلك الإعجاب، بل لأنني كتبت مقالة ونشرتها في صحيفة «اليمامة» انتقدت فيها طريقة بعض مدرّسينا في السنة الأولى من الجامعة.

* ابتعثت إلى جامعة أدنبره في أسكوتلندا، وأشرف على دراستك المستشرق البريطاني مونتغمري وات ثم (مستر وولش).. هل تأثرت بطرحهما وهل كانا منصفين في كتاباتهما عن الإسلام؟

- كان المشرف الرئيس على دراستي المستشرق مونتغمري وات وإلى جانبه السيد وولش المتخصص في اللغة التركية أو العثمانية، وليس لوولش كتابات تذكر عن الإسلام، أما البروفسور وات فقد كتب أكثر من عشرة كتب عن الإسلام والحضارة الإسلامية، ومن أشهر كتبه ثلاثة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي (محمد في مكة) و(محمد في المدينة) و(ومحمد نبيّا ورجل دولة)، وهو في كتاباته أقرب إلى الإنصاف من كثير من المستشرقين.

* إلى أي مدى تهتم بفروع الأدب الأخرى من مسرح ورواية وقصة؟

- لا أهتم كثيرا بفروع الأدب غير الشعر، بل إن متابعتي لما يكتب من شعر أيضا، ليست قوية أو منتظمة، وحين كنت أدرس في بريطانيا قرأت عددا من الروايات مثل رواية (لمن تدق الأجراس؟) للكاتب الأميركي أرنست همنغواي.