«أوكي».. أكثر كلمة مشتركة في لغات العالم

كتبت للمرة الأولى في صحيفة «بوسطن مورنينغ نيوز» عام 1839 وتختصر فلسفة أميركية كاملة

TT

الذي يبحث عن كلمة «أوكي» أو «أو. كي» في موقع «أميركان لنغويستك سوسايتي» («الجمعية الأميركية للغويات»، ورئاستها في واشنطن العاصمة) يواجه الرفض الأتي: «الرجاء كتابة كلمة تتكون من ثلاثة أحرف على الأقل.» ونصيحة: «تأكد من أن الكلمة صحيحة». وفي الموقع نفسه، يوجد خياران للخروج من الموقع: «نو» (لا) و«أوكي» (نعم).

غير أن ألان ميتكالف، أستاذ اللغة الإنجليزية في كلية ماكميري (ولاية إلينوي)، كتب كتابا كاملا عن الكلمة: «أوكي: القصة المستحيلة لأعظم كلمة أميركية»، وهو من مؤسسي وقادة «أميركان ديالكتيك سوسايتي» (جمعية اللغة الأميركية الدارجة).

عكس الجمعية الرئيسة، تعترف هذه الجمعية الفرعية بكلمة «أوكي» ووصفتها بأنها «أكثر كلمة تقال، أو تكتب، على سطح الكرة الأرضية»، وأكثر تداولا من كلمة «ماما» أو «ما»، أول كلمة يقولها الطفل. وأكثر تداولا من كلمة «كولا» (بيبسي كولا، كوكا كولا، داييت كولا، إلخ..)

* أصل أفريقي أم لاتيني؟

* يعتقد كثير من الناس أن أصل كلمة «أوكي» هو حرفا «أو» و«كي»، الحرفان الأولان من الكلمتين الإنجليزيتين «أوول كوريكت» (كل شيء صحيح). لكن، قالت دراسات جديدة إن أصل الكلمة ربما حتى ليس إنجليزيا.. ربما أفريقي، أو من لغة الهنود الحمر.

توجد في قاموس أميركي للغة الهنود الحمر (لغة غير مكتوبة) كلمة «أوكيه» يرددها الهندي الأحمر في نهاية كلام شخص آخر، ويعني أنه يوافق على ما قال الشخص الآخر.

غير أن الرحالة البريطاني جوزيف سميث، الذي تجول في الولايات المتحدة بعد سنوات قليلة من استقلالها (سنة 1767) كتب كتابا (سنة 1784) قال فيه إنه شاهد، في ولاية نورث كارولينا، زنجيا من الرقيق يرجو سيده الأبيض ألا يعاقبه، ويصيح مرددا: «كي ماسا» (نعم يا سيدي). وفي وقت لاحق، قال علماء لغات، منهم الأميركي جوزيف هالاوي، مؤلف قاموس «الأصول الأفريقية في اللغة الإنجليزية الأميركية» (عام 1993) إن أصل «كي» هو «واوكي» التي تعود إلى لغة قبيلة «وولف» في غرب أفريقيا، أكثر القبائل الأفريقية التي نقل أعضاؤها رقيقا إلى الدنيا الجديدة.

غير أن أكثر علماء اللغات قالوا إن أصل الكلمة لاتيني، وإنها موجودة في اللغة اليونانية: «أولا كولا» (كل شيء طيب). وفي اللغة الإنجليزية الآيرلندية: «أوك ياي» (أوه نعم).

وقال بعضهم إن مثقفين أميركيين في بوسطن (ولاية ماساجوستس) بدأوا، بعد استقلال أميركا (سنة 1767) عادة اختصار كلمات إنجليزية؛ منها: «إن جي» (الحرفان الأولان في «لست ذاهبا»). و«إس بي» (الحرفان الأولان في «بطاطس صغيرة»). و«أوكي» (الحرفان الأولان في «كل شيء صحيح»). ونشرت الكلمة أول مرة في صحيفة «بوسطن مورنينغ نيوز» في عام 1839، في تعليق قال: «إذا عاد رئيس لجنة المحاضرات الخيرية إلى بوسطن، نقول له «أوكي».

وفي الانتخابات الرئاسية سنة 1840، انتشر استعمال «أو كي»، الحرفين الأولين في «أولد كندرهوك»، لقب الرئيس مارتن فان دورن.

مع النقاش حول أصل الكلمة، يوجد نقاش حول طريقة كتابتها. وتختلف هذه من بلد إلى بلد:

في الولايات المتحدة: «أوكي»، و«أو كي»، و«أوكي دوكي»، و«كي كي»، «كي».

وتختلف صورة الكلمة في اللغات اللاتينية: في بولندا «أوكيج»، وفي النرويج «أوك»، وفي إسبانيا «أوكيس»، وفي السويد «أوكييج»، وفي فنلندا «أوكو»، وفي سلوفاكيا وجمهورية التشيك «أوكج»، وفي جنوب أفريقيا وسط البيض «أواي».

غير أن فرنسيين أكثر حرصا على لغتهم، يقولون «أوكي داكورد»، خليطا من إنجليزية وفرنسية. ويضيف فلبينيون كلمة فلبينية، ويقولون: «أوكي لانق».

* في آسيا

* وتنتشر الكلمة في اللغات غير اللاتينية أيضا، مثل: الصينية، والفيتنامية، والكورية، والهندية، والعربية. وتستعمل في أكثر الحالات بدلا من كلمات محلية تعنى «مقبول». لكن، لا توجد أحرف لها في اللغة الصينية الماندرية، ويستعملون حروفا صينية تنطق «كالااوهاكي». ويستعملها هنود بصورة يعتبرها البعض غير مؤدبة، في نهاية الجملة، وكأنها اختبار لذكاء الشخص.

لكن، في الولايات المتحدة، تختلف طريقة استعمال كلمة «أوكي». أكثر استعمال هو «مقبول» (مثل: مقبول هذا الكلام الذي قلته). وتستعمل أيضا بدلا من كلمة «نعم» (مثل: نعم، سأفعل هذا). و«معقول» (مثل: الفيلم الذي شاهدته ليس جيدا.. إنه معقول). ويمكن أن تكون «فعلا» (مثل: مدير المكتب وافق). و«سؤالا» (مثل: هل هذا مقبول؟). وللتحية (مثل: هل أنت بخير؟) وللسخرية (مثل: أي شيء تقول). وبدلا من «قف» (مثل: لا تتقدم أكثر). ولاسترعاء انتباه المستمع (مثل: هل أنت تتابعني؟ هل أنت تفهمني؟).

ودخلت «أوكي» لغة الإشارة: لمس السبابة بالإبهام. وتكوين شكل دائرة، حرف «أو» باللغة الإنجليزية (أول حروف «أو كي»).

ومع انتشار الإنترنت والتلفون الذكي، صار أميركيون يستعملون «كي» (حرف واحد) بدلا عن «أوكي»، خاصة في الرسائل التليفونية المكتوبة. وأيضا، صارت مواقع تفضلها في خانتي «لا» و«نعم».

* كلمات أخرى

* توجد كلمات إنجليزية أخرى مختصرة، لكنها لم تنتشر مثل «أوكي»، مثل: «بروف» (بروفسور)، و«ريف» (قسيس)، و«ستوب» (قف)، حتى كلمات مثل «مستر» و«مسز»، رغم انتشارها، فإنها لم تدخل لغات عالمية كثيرة. والسبب الرئيس هنا هو تفضيل هذه اللغات استعمال كلماتها، مثل «سيد» و«مونسيور» و«سنيور». وأيضا، لم تنتشر في لغات أخرى حروف مختصرة مثل «يو إن» (الأمم المتحدة) و«يو إس» (الولايات المتحدة).

لكن، طبعا، انتشرت كلمات مثل: «أكاديمي» و«أوتوموبيل» و«شوكوليت» و«ديكتاتور» و«هوسبيتال» و«هوتيل» و«مترو» و«مايكروسكوب» و«ساندويتش» و«بوليس» و«راديو» و«تيليفيجان» و«تليفون» و«تنس».

ومع عصر الترفيه الراقي، انتشرت كلمات مثل: «ساونا» و«كروز» و«كلوب». ومع عولمة الطعام الأميركي، انتشرت كلمات مثل: «بيتزا» و«هامبورغر» و«كوكا كولا» و«بيبسي كولا». ومع عصر الإنترنت، انتشرت كلمات مثل: «إنترنت» و«ياهو» و«غوغل» و«تويتر» و«فيس بوك» و«بلوغ».. إلخ.

لكن، قال مؤلف كتاب «أوكي: أعظم كلمة أميركية» إن «أوكي» هي الأولى في العالم، كتابة وقولا (ليس حسب وجودها في لغات أجنبية، ولكن حسب استعمالها). وقال: «إنها ردنا على شكسبير. فلسفة أميركية كاملة اختصرناها في حرفين. فيها تعاون، وتسامح، وتأدب، وتواصل، وانسجام في حياتنا اليومية. إنها مثل حرف في نوتة موسيقية تنسق علاقاتنا، وكأننا نرقص على أنغامها. شيء غريب؟ لا، شيء أميركي، شيء أوكي».

ودخلت «أوكي» الحرب ضد الإرهاب (التي أعلنتها الحكومة الأميركية بعد هجوم 11 سبتمبر/ أيلول سنة 2001). كتبت كتب، وصدر فيلم، عن سقوط طائرة «أميركيان يونايتد» في ذلك اليوم في ولاية بنسلفانيا. وهي الطائرة التي يعتقد أنها كانت متوجهة إلى واشنطن لتدمير البيت الأبيض أو مبنى الكونغرس. عندما تأكد للمسافرين (عبر اتصالات تلفونية مع أقرباء وأصدقاء) هدف الطائرة، صرخ المسافر تود بريمر: «أوكي، ليت أس رول» (أوكي، لنتحرك)، قاصدا الهجوم على غرفة قيادة الطائرة، والتغلب على الخاطفين. وبعد أن دخلوا الغرفة سقطت الطائرة نتيجة العراك الذي حصل بين المسافرين والخاطفين.

* وفي الأغاني

* تقول كلمات أغنية «سلفربيرد» للمغنيين فرانك سلفار وإيرفنغ كوهين (واحدة من أشهر الأغاني الأميركية): «في شارعنا متجر للفواكه. يديره مهاجر من اليونان. كل شيء ممتاز. لكن، لا يقدر اليوناني على الكلام الفصيح. تسأله عن أي شيء يقول: (أوكي).. يكررها حتى يكاد يقتلك بها».

وتقول كلمات أغنية «أوكي» لفرقة «بومهابي» الأميركية السويدية: «أوكي، أوكي، أوكي، أوكي، أوكي..» لا شيء غير تكرار الكلمة. وتقول كلمات أغنية «كل شيء» للمغنية الأميركية جوليانا هاتفيلد: «أوكي، أي شيء. أوكي، فعلتها أم لم أفعلها. أوكي، كذبت أم لم أكذب. أوكي، وافقت أم عارضت. أوكي، جئت أم ذهبت. أوكي، قلت أم لم أقل. أوكي، أي شيء».

* على لسان أوباما

* خلال انتخابات سنة 2008، وفي خطاب إلى أميركيين سود، استعمل أوباما كلمة «أوكي دوكي». رغم أن أصلها هو «أوكي»، ويستعملها أكثر البيض في الولايات الجنوبية. وصارت لها صلة بالعنصرية ضد السود. لكن، في سنة 2009، بعد أن صار رئيسا، وفي أول مؤتمر صحافي له، مع رئيس وزراء كندا، ستيفن هاربر، كان حذرا، وأعطى الإذن لأول صحافي أميركي ليسأله سؤالا، وقال: «أوكي، بن فيلار» (مراسل وكالة «أسوشييتد برس»).

وخلال سنوات مظاهرات الحقوق المدنية في ستينات القرن الماضي (بقيادة القس الأسود مارتن لوثر كينغ)، انتشرت عبارة «آي أم أوكي، يو آر أوكي» (أنا مرتاح، أنت مرتاح)، إشارة إلى أن الأسود يمكن أن يكون مساويا للأبيض. وكان عكسها يعنى أن الأبيض يقبل نفسه، لكنه لا يقبل الأسود.

وحسب كتاب «كلمات أميركية» الذي كتبه ديفيد تانز: «(أوكي) واحدة من أكثر عشر كلمات تستعملها المرأة الأميركية. لكن، أي امرأة تستعملها يجب أن تكون حذرة. إنها كلمة خطيرة جدا».

وبالنسبة للأجانب الذين يأتون للولايات المتحدة، فإن لكلمة «أوكي» أكثر من فهم:

أولا: لا يستعملونها كثيرا مثل «هاي» (أهلا. هذه أيضا كلمة أميركية مشهورة. لكنها لا تنتشر بنسبة عالية خارج أميركا لأن كل شعب يحيي بلغته، مثل «السلام عليكم»).

ثانيا: إنهم حذرون في استعمالها خوفا من أن تعني الخنوع أمام الأميركي، مثل خوفهم من استعمال كلمة «يس» (نعم) و«سير» (يا سيدي).

ثالثا: إنهم يتأثرون، خاصة المهاجرين من أفريقيا، بتاريخ الكلمة السلبي بالنسبة للسود. لأن «يس سير» (نعم يا سيدي) حساسة وسط السود، وتذكرهم بأيام تجارة الرقيق.

على أي حال، قال الكتاب إن سنوات كثيرة يمكن أن تمر على الأجنبي في أميركا حتى يستعمل «أوكي» كما يستعملها الأميركيون. وذلك لأنها «رمز الثقة بالنفس».