«ابن السروي وذاكرة القرى»

ميرزا الخويلدي

TT

قبيل رحيله المرّ في السابع من مايو (أيار) 2000 أتيح للروائي والأديب السعودي عبد العزيز مشري، أن ينعم بوفاء أصدقائه (أصدقاء الإبداع) الذين عكفوا على تجميع بعض شتاته الأدبي في كتاب حمل اسم «ابن السروي وذاكرة القرى»، وهو أول مجلد يضم الأعمال الكاملة للأديب الراحل ويحتوي على مجموعاته القصصية، وقراءات نقدية وشهادات لعدد من الأدباء السعوديين والعرب، بالإضافة لمقابلة مع الأديب الراحل وعدد من رسوماته.

رحل مشري مخلفا تراثا ضخما من الأعمال الإبداعية، فصاحب «ريح الكادي» و«جاردينيا تتنفس من النافذة»، خلّف عددا من الأعمال بعد موته لم ينشرها، بينها روايته الأخيرة «المغزول»، ومجموعته الشعرية «ترنيمة»، وتكفل أصدقاؤه، وخاصة الشاعر علي الدميني، بنشرهما.

ولد مشري في قرية «محضرة» بمنطقة الباحة جنوب السعودية في عام 1953، وعمل في بداية العشرينات من عمره في الصحافة السعودية، وشارك عام 1975 في تحرير ملحق «المربد» في جريدة «اليوم» بالدمام، وعلى الرغم من الوهن والضعف والمرض، أصدر عددا من الدراسات الأدبية، كان أولها «المنتخب من أدب العرب»، في حين كان أول أعماله القصصية «موت على الماء»، وقدم كذلك «أسفار ابن السروي» و«زهور تبحث عن آنية»، ورواية «الحصون»، و«جاردينيا تتثاءب من النافذة»، ورواية «الغيوم ومنابت الشجر». وصدرت له «باقة من أدب العرب»، وهي عبارة عن مختارات تأسيسية من نصوص التراث العربي، كما صدر له «مكاشفات السيف والوردة»، وهو كتاب يضم سيرته الإبداعية والثقافية.

وقد كان محظوظا بأصدقائه، الذين حفظوا تراثه الفكري والأدبي، لكن عشرات المبدعين السعوديين الذين رحلوا مخلفين تراثا أدبيا وفكريا مهما بحاجة إلى مؤسسة حاضنة تتولى حفظ تراثهم وإعادة طباعته وتقديمه مجددا للجمهور. ومسؤولية كهذه يُنتظر أن تنهض بها وزارة الثقافة، في حين يتعين على الأندية الأدبية أن تتفقد المبدعين في مناطقها لتقدم إصداراتهم الشعرية والروائية والقصصية، وكذلك الإصدارات الصوتية.

لم يعد يسيرا الحصول على أعمال مطبوعة للشاعر حمزة شحاتة، فضلا عن الدراسات التي تناولت سيرته، ومثلها أيضا كتب الراحل عبد الله عبد الجبار (شيخ النقاد) الذي ترك مؤلفات قيمة بينها كتابه الشهير «التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية»، الذي أصدره سنة 1959 في القاهرة. وكتاب «قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي». ومجموعاته القصصية والمسرحية.

كذلك الحال بالنسبة لرواية «التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري، التي تعتبر أول عمل روائي في المملكة (1930)، ومثلها رواية «ثمن التضحية» لحامد الدمنهوري التي صدرت 1959، وكثير من الروايات والمجموعات الشعرية والدراسات النقدية والكتب الفكرية والمقالات والرحلات والتحقيقات التي تركها مبدعون سجلوا حضورا متميزا في خارطة الإبداع.

في 8 مارس (آذار) الماضي توفي الروائي والقاص إبراهيم الناصر الحميدان أحد رواد الرواية السعودية، وأحد أهم رموزها منذ كتب في مطلع الستينات روايته الشهيرة «ثقب في رداء الليل»، التي تعتبر نقلة تجديدية للرواية. وعلى مدى 50 عاما من حياته، ترك عشرات المؤلفات، بعضها حظي بطباعة محدودة التداول، ومن حق هذا الروائي أن يحظى بعناية من مؤسسات وزارة الثقافة لحفظ تراثه وإعادة طباعته.

يمثل التراث الفكري والأدبي الذي خلفه هؤلاء الرواد وغيرهم، جزءًا مهما من ذاكرتنا ووعينا، ونحن لا نسدي لهم جميلا بحفظ تراثهم.