احتفاء في لندن بالشاعر الإيراني شاهين نجفي

ثلاث فتاوى أهدرت دمه

الشاعر الإيراني شاهين نجفي
TT

تم اقتيادي خلف ستارة حمراء تفتح على قبو مزدحم أسفل المقهى الشعري في كوفنت غاردن، ضم حشدا متميزا من شعراء إيرانيين ومترجمين عراقيين وكتاب كوبيين وموسيقيين بولنديين، وعدد آخرين من المبدعين الذين اجتمعوا في لقاء حميمي نظمته «حبر الكتاب المنفيين»، وهو اتحاد يجمع الكتاب الذين فروا من الأنظمة القمعية والبلدان التي مزقتها الحروب، ويعيشون الآن في المنفى.

أدارت الأمسية الدكتورة جنيفر لانغر والشاعرة الإيرانية زيبا كارباسي وقد خصصت للاحتفاء بالشاعر والموسيقي وكاتب الأغاني والناشط الاجتماعي، شاهين نجفي، الذي يقيم حاليا في ألمانيا والذي أصدر ثلاثة من آيات الله في إيران فتاوى بحقه منذ مايو (أيار) الماضي وحتى الآن يهدرون فيها دمه بعد طرحه أغنية فسروها بأنها تمثل إهانة للإمام العاشر لدى الشيعة.

افتتح الأمسية الاحتفائية أنوتشي شيرمان وتبعه بارت وولفي، ثم لانغر، وليندا بلاك وجين دوران، وزيبا كاباسي، وأخيرا أسطورة الشعر الإيراني إيرج جنتي عطائي، والذين عبروا عن دعمهم لحرية التعبير بقراءة مقاطع مختارة من أعمالهم.

وعقب انتهاء أنوشي شيرمان من قراءة قصيدته اعتلى المنصة بارت وولف، وهو شاعر منفي من زيمبابوي، امتازت قصائده بصورها الأفريقية واستلهامها للطبيعة، ووقوفها في مواجهة «الاستبداد» و«الظلم». وولف أيضا كاتب مسرحي ذائع الصيت انتشرت أعماله بشكل واسع، في دول جنوب الصحراء الكبرى وكان يدير ورش المسرح في دول مثل زامبيا وناميبيا والمملكة المتحدة. وترك بلده في عام 2003 بعد مشوار طويل في الإعلام شمل الصحافة والتلفزيون والراديو والسينما والمسرح. وكانت مسرحياته تعرض في لندن وأدنبره ودول في جنوب أفريقيا.

تبعته الدكتورة جنيفر لانغر مديرة مؤسسة «حبر الكتاب المنفيين»، التي أبدت إعجابها بشجاعة شاهين نجفي عبر قراءة قصائده، مثل «في كازبلانكا»، و«فتاة من نار» إلى جانب عدد من القصائد الأخرى.

أما ليندا بلاك، التي فازت هذا العام بجائزة نيو رايتنغ فنشرز بوتري، فقد أظهرت شغفها بالحرية عبر استكشافها لحرية التراكيب اللغوية في أحدث قصائدها النثرية «تحية إلى هانز كريستيان أندرسون».

وتبعتها جين ديوران، التي ولدت عام 1944 التي تميل في أغلب أعمالها إلى اجترار الماضي والحديث عن المنفى. ولدت ديوران في كوبا، ونشأت في الولايات المتحدة وتشيلي، لأم أميركية وأب إسباني التقيا بعد هروب والدها من نظام فرانكو العنصري. وقد حارب والدها في صفوف الجيش الجمهوري، وقد سيطرت هذه التجربة التي يصعب نسيانها على مجموعتها الثانية، التي جاءت تحت عنوان «من غياهب الحرب الأهلية الإسبانية». وفي عام 1995 منحت جائزة فورورد لأفضل مجموعة شعرية أولى. وفي 2005 فازت بجائزة بوك سويتي ريكومنديشن، وجائزة كوستال، وجائزة كولموندلي. وقد وصفت الشاعرة البريطانية سارة ماغوير قصائد جين ديوران، في أحد أعداد مجلة «بوتري ريفيو» بـ«رحلات استكشافية»، فقصائدها مليئة بالتأملات المادية والميتافيزيقية التي تشكل تجربة تحولية.

أما المحتفى به شاهين نجفي، فقد ولد عام 1980 في بندر أنزلي بإيران. وبدأ حياته الموسيقية المهنية في إيران قبل الهجرة إلى ألمانيا عام 2005. ويعتبره النقاد والخبراء واحدا من رموز الأغنية الحديثة في إيران. تدور أغاني نجفي في معظمها حول قضايا مثل الثيوقراطية، والفقر، والتمييز على أساس الجنس، والرقابة، وعمالة الأطفال، والإعدام، وإدمان المخدرات. ويسعى لاستخدام العناصر الشعرية والأدبية والفلسفية والسياسية في موسيقاه.

وعقب طرحه أغنية «آي نقي!» (يا نقي!)، أصدر آية الله العظمى لطف الله صافي جلبايجاني، رجل دين شيعي في مدينة قم، فتوى بالإعدام ضد نجفي بتهمة الردة. وأصدر آية الله العظمى ناصر مكارم شيرازي، «مرجع تقليد» بالنسبة للعديد من المسلمين الشيعة، فتوى يتهم فيها نجفي بالردة. ومنذ 15 مايو 2012، انضم أكثر من 800 شخص في إيران إلى حملة على «فيس بوك» تدعو إلى إعدام نجفي، قائلين إنهم على استعداد لاغتياله إذا لزم الأمر.

وربما كان نجفي الموسيقي الإيراني الأكثر إثارة للجدل فقد كانت أغانيه تتناول قضايا مثل الحرية، وحقوق المرأة، وقدسية العذرية، والفساد الحكومي، والاغتصاب في السجون، وحكم الملالي. وفي ذات المضمار الذي جعله هدفا لعدد من الفتاوى، طرح نجفي أغنيته التي يدعو فيها، ويتحسر على ما يرى من مشاكل المجتمع الإيراني من «الرجال الماجنين»، و«العقوبات»، وغياب الاختيار لدى المرأة، ليتحدى المحرمات واحدة بعد الأخرى.

جدير بالذكر أن الموسيقيين تعرضوا منذ قيام الثورة في إيران عام 1979، بشكل متواصل، للملاحقات والسجن. لكن في بدايات عام 2000، حدثت انفراجة بسيطة في ظل رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي، غير أن موسيقى الراب، على وجه الخصوص، ظلت محظورة.

وبلغت الأمسية ذروتها في النصف الثاني عندما اعتلى أسطورة الشعر الغنائي الإيراني المنصة، قائلا: «هناك الكثير من كتاب الشعر الغنائي الذين كانوا يتعرضون للتحقيق معهم بسبب أشعارهم. قد لا أتفق بالضرورة مع ما كتبوه ولكني على استعداد للتضحية بحياتي في سبيل حرية التعبير».

وفي صوت جياش بلغته الأم، قرأ أحدث أعماله الشعرية، التي لم تترجم للإنجليزية لأنه كان قد كتبها للتو. وتبع ذلك ترجمات إنجليزية لأعماله السابقة. كانت الرسالة واضحة وقوية. أما المشارك الإيراني الآخر فهو إيرج جنتي عطائي، وهو كاتب مسرحي وشاعر وشاعر غنائي يعيش في المنفى. وهو الأكثر شهرة بسبب شعره الغنائي الحاسم، وخاصة قصيدته «إبياند داريوش». وقد نال جائزة أفضل كاتب في إيران عندما كان في سن الرابعة والعشرين من العمر فقط، لكن رفض تسلمها بسبب موقفه من حكومته.

اختتمت الأمسية بقراءة جميلة للشاعرة زيبا كارباسي التي ولدت في تبريز، شمال غربي إيران. ومنذ أن غادرت إيران في منتصف الثمانينات وهي تعيش في لندن. وقد نشرت ثمانية دواوين شعرية بالفارسية وديوانين باللغة الإنجليزية والإيطالية وينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها الشاعرة الفارسية الأكثر غزارة في إنتاجها الشعري بين جيلها. فغزارة وثورية شعرها الغنائي تحققان كثافة وتوازنا يندر وجوده في الشعر المعاصر. وقد فازت العام الماضي بجائزة غولدن أبل الشعرية في أذربيجان. وقد نشرت قصائدها بعدة لغات في أوروبا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونشرت ترجمات ستيفن واتش لشعرها في دوريات مثل مجلة الشعر وترجمة الشعر الحديث.

غادرت المكان وأنا أحمل بداخلي الكثير من التساؤلات حول إمكانية قيام نهضة فنية وموسيقية وسينمائية جديدة في عهد روحاني، كما كان الحال في عهد خاتمي، ولكن أيضا بإحساس متنام بالفخر الذي نحظى به هنا في لندن كي نتمكن من استضافة وحضور مثل هذه التجمعات الحميمة للمثقفين والفنانين في المنفى من مختلف أرجاء العالم.

يعقد اجتماع «حبر الكتاب المنفيين»، في يوم الاثنين الأول من كل شهر وينظم عروضا مسرحية، وعروضا أدبية وفعاليات حية، إلى جانب ورش العمل في الكتابة الإبداعية بالاشتراك مع ولصالح الكتاب واللاجئين الذين يعيشون في لندن، والمملكة المتحدة، وأوروبا.

وموقعهم الإلكتروني هو:

www. exiledwriters.co.uk