علي بافقيه: حداثتنا الشعرية ما زالت قشرية

شاعر فضاؤه الحرية ويفضل أن يموت هائما

علي بافقيه
TT

يتمتع الشاعر السعودي علي بافقيه بلغة شعرية غاية في العمق والتأثير، ومنذ مدة ليست بالقصيرة يعبر عن تجربة ناضجة وسجل علامة فارقة في تجربة الشعر السعودي الحديث، وعلى الرغم من ابتعاده عن الإعلام، فإن قصائده ومجموعاته الشعرية تسجل حضورا وتأثيرا بالغا.

بافقيه أصدر مجموعتين شعريتين بفاصل زمني كبير؛ الأولى تحت عنوان «جلال الأشجار» (1993)، والثانية تحت عنوان «رقيات»، التي طبعها النادي الأدبي في الرياض، ووزعها المركز الثقافي العربي في عام 2007.

على الرغم من أنه بدأ شاعرا عموديا، يحاول بافقيه، عبر قصائده، اكتشاف جوهر قصيدة التفعيلة، واستحضار مدى الدهشة التي يقدمها النص وشوارده وتجلياته. ويعتقد بافقيه أن الحداثة في الشعر عند السعوديين خاصة والعرب عامة «قشرية»، وتفتقد للبنى الاجتماعية.

ولد الشاعر علي بافقيه عام 1954 في قيدون جنوب اليمن، وعمل مهندسا مدنيا في المؤسسة العامة للكهرباء بالرياض، بعد أن أكمل دراسته بمدارس الفلاح بمكة المكرمة, ودرس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران, قبل أن يحصل على بعثة من المؤسسة العامة للكهرباء؛ إذ حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من معهد «دينتو ورث» في بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية.

نشر بواكير قصائده في السبعينات من القرن الماضي، وكانت بداية شعره تأخذ الشكل العمودي، ثم ما لبث أن تبنى قصيدة التفعيلة، وظهر تأثره بالحداثة الشعرية يتمظهر في مجموعتيه. برأي بافقيه، فقد كان من حظ قصيدة التفعيلة الدور الذي لعبه محمد العلي وعبد الله نور. هذا الدور مثّل «دور (الجواهرجي) في فرز ما هو شعر وما هو عبث». بينما بدأ ظهور قصيدة النثر أوائل ثمانينات القرن الماضي، مع بروز قصائد محمد عبيد الحربي، ومحمد الدميني.

في بداياته، تأثر بافقيه بالشعر العربي القديم، والمهجري، وخاصة شعر جبران خليل جبران، قبل أن ينصرف نحو الاهتمام بالشعر المعاصر العالمي والعربي. ولفتت تجربته الشعرية أنظار عدد من النقاد والكتّاب والأدباء، حيث كتب عنه الراحل الدكتور غازي القصيبي في «المجلة العربية» عام 1993، وكتب عنه حلمي سالم في «اليوم» عام 1993, وكتب عنه جار الله الحميد في «البلاد» عام 1994، بينما كتب عنه أمجد ريّان في «الجيل» عام 1991, وكتب عنه نوري الجراح في «الحياة» عام 1993.

يمتزج في قصائد بافقيه الذاتي والاجتماعي والإنساني، وثمة ملمح واضح نحو ميله تجاه الأنثى، وهو يتحرك في فضاء واسع ويقول: فضائي الحرية بمعناها الواسع، التي تجعلني منفتحا على الحياة والطبيعة والإنسان.

استفاد بافقيه من البيئة التي عاش فيها، ولذلك فإن قصيدته مشبعة بمفردات البادية، إلى جانب الثراء الباذخ الذي تمنحه المدينة وصخبها وتشابكات عناصرها، فقاموس بافقيه ثري بثراء البيئات الواسعة والمتنوعة التي عاش واختلط فيها واستفاد من ملامحها اللغوية.

ومع استلهامه للتراث المتنوع، ثمة مسحة صوفية في بعض قصائده، إلى جانب استحضار الأساطير التي تعطي للنص فضاء جديدا، كما يمكن ملاحظة مفردات البداوة وأهازيج المدينة التي تعبر عن نفسها في نصوصه.

وعلى الرغم من أن القصيدة الجديدة بدأت في السعودية أوائل السبعينات من القرن الماضي، حين ظهرت قصائد تفعيلة بلغة شعرية جديدة، إلا أن بافقيه يعتقد أنه لم يعد هناك من ينشغل بفرز ما هو ثرثرة عما هو تجليات وإشراقات شعرية، مع بقاء قصيدة النثر على الهامش، فإن الساحة ضيقة لا تتحمل ركض المتفردين والمختلفين.

ومع ابتعاده عن الأضواء وصخب الحضور الاحتفالي في الأندية الأدبية، فإنه لا يزال يحلم بمستقبل طموح يتماهى مع تطلعات الساحة الثقافية، مطالبا الأندية الأدبية بالتجديد الإداري والتجديد الثقافي، وهذه الأندية لن تفلح دون الإصغاء للنقد (بل عليها المطالبة به وتكريسه بدلا من الانتقام من الصوت النقدي).

من شعر بافقيه

أشجار أوراق الحلاج: بيروت 1982

(1)

طالعا من وجع الخلوة

مخلوعا من الجثة

منزوعا من الأصواف

مبتلا بماء الخلق والألوان

أندقّ على الساحة

ظهر المسجد الأول نصفَ الليل

هذا رُطب الصبح إذن مفتاح هذا الكون

هذا البلح القاني مخاض الطلع

والغزو رمادي

في البصرة أسواق وفلاحون

في الأرض هواء ناضج

في زاوية البصرة شهبندر

ترتجّ الشقيف الآن تحت القصف

هذا جسدي لا زال جرحا أخضر

والشجر الشاهد في ظاهر بغداد يغذي برتق