الرواية العربية المترجمة في الغرب

الأميركيون يبحثون فيها عن أنفسهم والبريطانيون عن حكاية مثيرة والفرنسيون عن «جزائرهم»

TT

هنأت كاتبة فلسطينية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، أديبا عربيا على بلوغه عتبات العالمية والتربع على أحد عروشها الكبيرة في لندن. حصدت الكثير من «اللايكات»، لها ولـ«الأديب العالمي». المناسبة كانت جولة قام بها كانت لندن إحدى محطاتها، حيث أقيمت له أمسية، استمع له حضورها وناقشوه خلالها. حدث هذا أيضا، مع الشاعر مريد البرغوثي، صاحب «رأيت رام الله»، ومع خالد الخميسي، صاحب «تاكسي»، وعلاء الأسواني، بعد «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو»، وعدد آخر كبير من الروائيين والأدباء العرب ممن استضافتهم العاصمة البريطانية، وآخرهم محمد حسن علوان صاحب «القندس»، وجنى فواز الحسن صاحبة «أنا هي والأخريات»، وكلاهما وصلت روايته إلى القائمة القصير لبوكر العربية العام الحالي.

ولأنني متنقل بين عدد من الصالات والقاعات التي تستضيف كتابا وأدباء من مختلف الجنسيات، فقد طرحت علي تلك التهنئة سؤالا حول تلك الـ«عالمية». ذلك أن قراءة خبر عن ندوة ثقافية هنا، أو قراءة شعرية هناك في موقع للتواصل الاجتماعي، أو في صحيفة عربية عادية الانتشار والأهمية، أو مرموقة، من مواقع بعيدة عن جغرافيا هذه النشاطات الثقافية، غالبا ما ينقل صورة بانورامية لا تخلو من وهم يفترش مساحتها ويخفي التفاصيل، إذ يجري إسقاط زخم لندن السياسي والاجتماعي، ومكانتها الثقافية كمدينة كوزموبوليتية تحتضن قوميات عدة، وتتفاعل على أرضها ثقافات متنوعة بالضرورة، على ما يتطلع إليه كاتب ما، من نجاح يأخذه إلى مرتبة عالمية. والواقع يقول، إن ما نشهده، وما تحدثت عنه الصديقة، ليس سوى نافذة صغيرة يطل منها بعض البريطانيين، على نتاج مثقفين وكتاب وأدباء عرب مقيمين أو زائرين، مدفوعين بفضول، أو رغبة، للتعرف على ثقافتنا العربية، أو بعض أشكالها الإبداعية.

يطرح هذا علينا عددا من الأسئلة: هل حقا يقرأوننا في الغرب؟ من الذي يقرأ روايتنا العربية تحديدا؟ كم هو عددهم؟ ما نسبتهم إلى قراء الرواية اللاتينية مثلا، أو التركية، أو الأفغانية، أو الهندية؟ ثم ما الذي يقرأونه من نتاجنا الثقافي والإبداعي؟ ولماذا؟ وأخيرا، ماذا يشكلون ضمن خريطة عشاق هذا النوع الأدبي؟

نقلت هذه الأسئلة، لاحقا، إلى عدد من المعنيين بهذا الشأن مباشرة: الروائية اللبنانية البريطانية، حنان الشيخ، التي كانت تتابع شؤون إحدى رواياتها في فرنسا. والروائية والمحامية الفلسطينية البريطانية، سلمى الدباغ، صاحبة رواية «Out of It» (تصدر قريبا بالعربية بعنوان «خارج غزة»). والقاص والناقد المغربي، محمد المزديوي، المقيم في فرنسا. والبروفيسور إيليوت كولا، مدرس اللغة العربية في جامعة جورج تاون الأميركية، ومترجم لعدد من الروايات العربية إلى الإنجليزية. بعثت إليهم بالأسئلة وانتظرت.

قالت حنان الشيخ، صاحبة الحكايتين الرائعتين «حكاية زهرة»، و«حكايتي شرح يطول»، وروايات أخرى، وكتابات للمسرح البريطاني، لـ«الشرق الأوسط» على الهاتف:

اهتمام الإنجليز بالرواية العربية يرتبط ببلد كاتبها أولا. فمصر، بلد عربي مهم بالنسبة للإنجليز المولعين بالحضارة المصرية القديمة. هذا الاهتمام يقربهم كثيرا من الكتاب المصريين مثلا. في مقدمة هؤلاء، نجيب محفوظ، وأهداف سويف وعلاء الأسواني، بعد روايته «عمارة يعقوبيان». إنهم مثل كثيرين، ويشعرون، بشيء من «التواطؤ»، بأن مصر «أم الدنيا» وأهم بلد عربي. لذا لا أعتقد أن الإنجليز يهتمون بلبنان والرواية الصادرة فيه أو الآتية منه، ولا بسوريا ولا بشمال أفريقيا عامة. وأعتقد أن فلسطين تأتي في المرتبة الثانية من اهتمام الإنجليز بالرواية العربية، حين اهتموا بالمجريات السياسية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبدأ الاهتمام بالأدب الفلسطيني يتزايد، بعد الزيارات التي قام بها كل من إميل حبيبي، ود. إدوارد سعيد إلى لندن، وحضور سعيد الأكاديمي والثقافي الواسع في العالم ومنه بريطانيا، وتعرّف الإنجليز على وجهة النظر الفلسطينية.

أما بالنسبة لي، فأنا كروائية، اسم قديم يصعب تجاهله. فأنا أكتب هنا وأنشر منذ سنوات طويلة. وتوسعت دائرة معارفي وقرائي، بسبب كتابتي أيضا، للمسرح الذي يحظى بنسبة عالية من الرواد تاريخيا.

الإنجليز لا يهتمون بقضايا العرب عموما. لكنهم يهتمون بالرواية التي تقف خلفها حكاية مثيرة يرغبون في الاطلاع عليها. حصل هذا بشكل واضح مع رواية الليبي، هشام مطر، «أرض الرجال»، حيث قصة اختفاء والده في مصر في ظروف غامضة. وفي بعض ما كتبته نساء سعوديات. كذلك لقي كتابي «حكايتي شرح يطول» رواجا كبيرا، إذ تقف خلفها جميعا قصة درامية. مع ذلك أقول، لو كتب هندي دراما مشابهة عن أمه (إشارة إلى كتابها «حكايتي شرح يطول»)، لحقق رواجا أكبر مما حققت بالتأكيد.

إجمالا، لا تجد الكتب العربية المترجمة رواجا كبيرا هنا، إضافة إلى أن الناشر البريطاني يهتم بالجودة، ولا يتعاقد مع كاتب، أيا كان، لا يضمن كتابه تحقيق ربح معقول، إنه لا يحب الخسارة أبدا.

لهذا فالرواية العربية غير مقروءة هنا. لكن رواية أهداف سويف «خارطة الحب»، كانت «بِست سيلر» (الأكثر مبيعا)، لما تثيره مصر من مشاعر لدى الإنجليزي عموما. ذات يوم التقيت محررا أدبيا في إحدى الصحف البريطانية الكبرى. قدمت له نفسي ككاتبة. استغرب قائلا: «لم أكن أعرف أن النساء العربيات يكتبن». وحين قدمت له أحد كتبي وعليه صورتي، طلبت منه مازحة، التحقق من أن الصورة التي يراها على غلاف الكتاب هي صورتي، وأنني المؤلفة فعلا.

إجابة سلمى الدباغ عن الأسئلة الثلاثة التي طرحناها كتابة، جاءت كما يلي:

إذا وسّعنا تعريف مصطلح «رواية عربية»، بحيث يشمل الكتّاب من أصل عربي ممن يكتبون بلغات أخرى، وهؤلاء الذين يكتبون باللغة العربية، فسأقول إن قاعدة قراء هذه الروايات، في الغرب، ما تزال مقيدة بما يمكن تعريفه على نطاق واسع، بالقراء «ذوي الاهتمامات الأجنبية»، ينعكس هذا، في الطريقة التي يتم من خلالها تسويق تلك الروايات والترويج لها.

تقدم الروايات عموما، بوصفها كتبا تفتح نافذة على الواقع الراهن، أي تصوير الحقائق اليومية لعوالم أجنبية. لقد سمعت أيضا عن روايات تجري أحداثها في مناطق نزاع في العالم العربي، تعد من «روايات حقوق الإنسان». ما يزال العالم العربي بالنسبة للغرب، منطقة معادية، ومن المتوقع أن يجري حصار الأصوات الآتية منه وتكبيلها. من جانبي، لا أشعر بالارتياح لمثل هذه التصنيفات التي ما تزال تستخدم في وصف أعمال كتاب باكستانيين، وبدرجة أقل، هنود أو ينحدرون من أميركا الجنوبية، فهي تربط الأدب بالصحافة أو تقارير حقوق الإنسان إلى درجة كبيرة.

لا يمكن لناقد أدبي كفء، أن ينظر إلى أدب غابرييل غارسيا ماركيز أو ماريو فارغاس يوسا بهذه الطريقة. ربما كان المرور عبر مرحلة من «الواقعية السحرية»، حيث تنمو أجنحة للشخصيات وتطير نحو السقف، هو الطريقة التي رسّخ أدب أميركا الجنوبية، من خلالها، ذاته كصنف روائي.

وبوصفي كاتبة فلسطينية إنجليزية، أكتب باللغة الإنجليزية، ولست ملمة باللغة العربية بشكل واسع، أحاول مقاومة فكرة أن أضع نفسي في قالب حينما يتعلق الأمر بكتابتي. تدور أحداث روايتي «خارج غزة» Out of it، في غزة ولندن والخليج، غير أنها تركز على مواضيع مثل الوعي السياسي والمشاركة السياسية. إن كل شخصياتي واقعة تحت وطأة ضغوط تدفعها للقيام بعمل هادف لأجل قضيتها، بصرف النظر عما إذا كانت لديها الرغبة في ذلك، أو كانت غير متيقنة من ماهية ذلك العمل. إنه سياق فلسطيني، لكن الموضوع لا ينحصر في فلسطين. لقد التقيت نشطاء من أوروبا وأميركا الجنوبية وباكستان، يمكن أن يندرجوا ضمن هذا النوع من الحاجة للمشاركة في تغيير اجتماعي. يوجد عدد من الكتاب من أصول ليست أنجلو سكسونية، ممن يكتبون باللغة الإنجليزية، صعوبة في الانفصال عن وطأة أسمائهم الأجنبية. فهم يشعرون بأن الجمهور يتوقع منهم الكتابة عن إرثهم الثقافي. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الاستثناءات. على سبيل المثال، يعد كازو إشيغورو، كاتبا بريطانيا حتى النخاع، يكتب عن رؤساء الخدم والمنازل الفخمة، لكن ربما لو كان موضوع بحثه هو محاربي الساموراي والطيارين الانتحاريين اليابانيين (الكاميكاز)، لاعتبرناه كاتبا يابانيا حتى النخاع. لقد تمكن من إقامة مساحة لنفسه وبنى قاعدة قراء تتجاوز حدود وطنه الأصلي. وتركز الكاتبة المسرحية الفرنسية، ياسمينا رضا (ذات الأصل اليهودي الإيراني المجري)، على مخاوف ترتبط بالطبقة الوسطى الغربية، في مجالات الفن وعلم النفس والصداقات والزنى وتربية الأطفال في باريس. لا أستطيع تذكّر كاتب واحد من أصل عربي حقق هذا. من الروايات التي حققت نجاحا تجاريا، على سبيل المثال، وحظيت بثناء النقاد، روايتا «عين الشمس» لإلياس خوري و«خارطة الحب» لأهداف سويف، و«في بلد الرجال» لهشام مطر، وتدور أحداثها كلها في أماكن عربية، وشخصياتها جميعها عربية. ويبدو إحداث اختراق وكسب قراء جدد وحيز روائي جديد بالنسبة للكتاب العرب، أمرا صعبا، قياسا بمن يكتبون بإحدى اللغات الأوروبية من أقليات عرقية، غير أن لا سبب يحول دون تغيير هذا الوضع.

الكاتب والناقد المغربي، محمد المزديوي قال:

هل الرواية العربية - مكتوبة بالفرنسية أم مترجمة - مقروءة في فرنسا؟ سؤال مهم. لكن قبل أن نجيب، علينا أن نحدد مفهوم المقروئية في فرنسا. ففي هذا البلد، كل كاتب تجاوزت مبيعات روايته عشرة آلاف نسخة، يعتبر في دائرة المحظوظين. وعدد الروائيين الذين يفوقون هذا الرقم كُثُر بطبيعة الحال. ويوجد روائيون عرب من بينهم. لكن السؤال يتضمن سؤالين آخرين، يتعلق الأول بالكتابة مباشرة بالفرنسية، والثاني، بالأعمال المترجمة. هنا يتشعب الموضوع. ففي الشق الأول، نجد فروقا وتنويعات كثيرة، إذ نجد كتاب الجيل الثاني والثالث من الهجرة، هم فرنسيون رغم أصولهم العربية، وتُعتبر نصوصُهم فرنسية شأنها شأن الفرنسيين الآخرين، ونجد كتابا فرانكوفونيين ينحدرون من دول عربية، من دول المغرب العربي ومن لبنان ومصر وحتى من المملكة العربية السعودية. وهؤلاء غالبا ما يجدون رواياتهم تُعرض على رفوف غير رفوف الأدب الفرنسي، باعتبارها فرانكوفونية، وهو ما يعني نوعا من النفور أو التمييز السلبي. ثم نصل إلى الشق الآخر من السؤال، وهو الرواية المكتوبة باللغة العربية والمترجمة إلى الفرنسية، وهو ما يدخل في خانة الأدب العالمي المترجم.

في الحقيقة إذا ما أخذنا هذه الأنواع مجتمعة وبحثنا عن حجم القراءة، نكتشف فعلا، أنها تعاني من إشكالية، مع أنه يوجد روائيون عرب ناجحون في فرنسا، تُباع كتبهم بكثرة، نذكر منهم: الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، ونجيب محفوظ، وعلاء الأسواني وغيرهم. نحن هنا أمام مثالين لكاتبين يكتبان بالفرنسية مباشرة، وآخرين يكتبان باللغة العربية وتُرجما إلى الفرنسية، حاز الأولان على جائزة الغونكور، أهم جوائز فرنسا الأدبية، وكان لها دور حاسم في ارتفاع مبيعات رواياتهما وإعادة اكتشاف القارئ الفرنسي والفرنكوفوني لجميع مؤلفاتهما، في حين أن جائزة نوبل للأدب هي التي شجعت القارئ الفرنسي على اكتشاف عملاق الرواية العربية نجيب محفوظ. ويبقى مثال علاء الأسواني فريدا، حيث استطاع هذا الكاتب «الشعبي» أن يغزو السوق الفرنسية، واستثمر بنجاح كبير الفيلم الذي اقتُبس من روايته «عمارة يعقوبيان» وعُرضَ في فرنسا. ولعل الطرافة تكمن في أن الأسواني تغلب على مواطنه الذي كتب باللغة الفرنسية وغادرنا قبل فترة وجيزة، بعد أنْ عَمَّرَ، وهو ألبير قصيري.

هؤلاء الأربعة، ليسوا وحدهم من يمثل الأدب العربي، بصيغة أو بأخرى، ففي الآونة الأخيرة، ظهر نوع من «الطفرة» الجزائرية في فرنسا، مثّلَها، من بين كثيرين، ياسمينة خضرا وبوعلام صنصال. وتحظى روايات صنصال وخضرا بشعبية كبيرة في فرنسا، وتمّ اقتباس فيلمين على الأقل من أعمال الأخير، «الاعتداء» و«سنونوات كابل».

من يقرأ هذه الروايات؟ من هو جمهور هذه النصوص العربية/الفرنسية؟ ما الذي يستهوي القارئ الفرنسي؟ إضافة إلى السؤال الذي يطرحه الروائي العربي، ضمنا، على اعتبار أن الرواية، في الغرب، أصبحت سلعة كغيرها: ما التوابل التي يتوجب تضمينها في الرواية حتى تحقق النجاح؟ لعلها أسئلة متداخلة. وهل هو الفضول (المعرفي)؟

القارئ الفرنسي ليس كتلة واحدة متراصة، وطبيعة الرواية تحدد القارئ. ولعل روايات الطاهر بن جلون، ذات النزوع الفولكلوري، تستهوي القارئ الشعبي، كما أن النظرة العربية والعالمة التي يقدمها أمين معلوف عن الشرق، العربي والآسيوي، تستهوي قُراء آخرين، في حين أنّ روايات المغربيين «رشيد أو» و«عبد الله الطايع» التي تتناول المثلية الجنسية، تستهوي جُمهورا معيّنا لا يريد الانفصال عن رؤيته للشرق، باعتباره مصدرا للفتنة والحريم والمحرمات والأشياء المسكوت عنها.

السياسة حاضرة بقوة في نصوص ياسمينة خضرا (محمد مولسهول، اسمه الحقيقي، في حين أن الأول هو اسم زوجته، يامينة خضرا)، فهو الذي كتب عن الصراع العربي الإسرائيلي وعن كابل وغيرها. ومن المؤكد أن الروائي، الذي تعرف رواياته أرقاما كبيرة في عدد المبيعات، سيستفيد من هذا الجدل الدائر حول المخرج زياد الدويري، الذي اقتبس فيلما من روايته «الاعتداء» وحول تُهَم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومنع عرض الفيلم في لبنان، بسبب تصويره للفيلم في إسرائيل خلال 11 شهرا. «رب ضارة نافعة!»، خصوصا أن موضوع التطبيع لا يمس الروائي خضرا بصفة مباشرة.

وإذا كانت الجزائر ما تزال تمثل عقدة بالنسبة للفرنسيين، الذين لم يكونوا يتصورون، في غالبيتهم، خلال فترة من التاريخ، أنهم سيغادرون هذا البلد العربي المسلم، فإنها لا تزال تشكل موضوع إلهام ومادة للروايات الفرنسية التي تتطرق لمختلف أوجه العلاقة بين فرنسا والجزائر.

أما إليوت كولا، فأجاب من زاويته «الأميركية»، طارحا سؤالا فوق الأسئلة المطروحة: ما الذي يبحث عنه القراء الأميركيون في الروايات العربية؟

أولا، ينبغي لفت الانتباه إلى أن النسبة الأكبر من الأميركيين لا يقرأون الروايات العربية، وأن الجمهور الأميركي لا يبالي بأي أدب غير مكتوب باللغة الإنجليزية. وأن نحو 2 في المائة من الروايات التي تنشر في الولايات المتحدة هي روايات مترجمة من لغات أخرى. وأن 2 في المائة من هذه النسبة الصغيرة تأتي من اللغة العربية، ما يعني أن كل عشرة آلاف كتاب منشور باللغة الإنجليزية، يقابلها نحو أربعة كتب مترجمة من العربية. وعلى عكس الكثير من الكتابات الأدبية باللغات الأخرى، مثل الإسبانية أو الفرنسية أو العربية - التي يكون للأعمال المترجمة منها، تأثير كبير من حيث الإحساس والأسلوب، فإن الأميركيين لا يقرأون إلا لأنفسهم. ومن هذا المنطلق، يمكننا القول إن الأميركيين هم في حقيقة الأمر شعب استثنائي، وهذا لا يدعو للتفاخر والتباهي.

لكن هذا لا يعني أن الأميركيين غير مطلعين عما يحدث في باقي أنحاء العالم بصورة دائمة، إلا أنهم عندما يريدون قراءة أدب عن منطقة ما، فإنهم يفضلون ما يكتبه الأميركيون أنفسهم. وهناك عشرات الأعمال الروائية عن الاحتلال الأميركي للعراق، لكتاب أميركيين لديهم معرفة ضئيلة أو معدومة عن لغة أو العراق، أو ثقافته أو تاريخه. في وقت لا يتوفر من أعمال الكتاب العراقيين المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، سوى القليل الذي يعد على أصابع اليد الواحدة.

ولا يهتم بقراءة الروايات المترجمة من العربية سوى عدد صغير للغاية من الأميركيين، وهناك نوعان من الروايات العربية يبحث القارئ الأميركي عن قراءتهما؛ النوع الأول هو «الذات الغربية» والثاني هو «الآخر العربي».

ويمكننا أن نصف النوع الأول، بأنه «حبل نرجسي من المصالح»، وأنا أشير هنا إلى القراء الأميركيين الذين يواصلون البحث عن نوع معين من الروايات من العالم العربي، وهي الروايات التي تقدم صورة الأميركيين (أو الغربيين أو اليهود أو الإسرائيليين)، أي الروايات التي تعكس «صورتنا»، أو الروايات التي تدور حول تجربة الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، أو الروايات التي تتناول وجود الأميركيين أو الغربيين عموما في العالم العربي. وهذه الروايات تثير دائما، اهتمام الكثير من القراء الأميركيين البيض، لأنها تسمح لنا بالاطلاع على رؤية العرب لنا (أو للناس الذين نتصور أنهم مثلنا). قراءة هذه الروايات يجعلنا نتخيل أننا نتنصت على محادثات عنا. إن أي روائي عربي لديه معرفة مقبولة عن الجمهور الأميركي الأبيض، يعرف أن وجود الشخصيات الأميركية أو الأوروبية أو الإسرائيلية في أي رواية، سوف يستهوي هذه الشريحة النرجسية من القراء.

وثمة اهتمام آخر بالرواية العربية، ناتج عن الرغبة في الحصول على معلومات حول طريقة حياة العرب، ومعرفة ما يحبون وكيف يشعرون. ويمكننا أن نطلق على هذا النوع من الروايات «حبل إثنوغرافيا المصالح»، لأنه لا ينظر إليها كأعمال أدبية، ولكن كأعمال تستند إلى الواقع، تساعد الأميركيين البيض على فهم الثقافة العربية.

ويسعى الأميركيون لانتقاء الروايات العربية على أمل أن يجدوا فيها أنفسهم أو الجانب الآخر من شخصيتهم. وبطبيعة الحال، سيشعرون دائما بنوع من خيبة الأمل، وهذا، من وجهة نظري، هو الغائب الأكبر في الأدب العربي المترجم، حيث يجري التركيز على الخيال والعداء، بدلا من التفاهم. ولا يتم قراءة الروايات العربية باللغة الإنجليزية باعتبارها أدبا، ولكن كشيء آخر، ربما هي المعلومات التي تتضمنها. ويبحث الكتاب الأميركيون المغامرون عن الخيال الأوروبي واللاتيني لمعرفة أسلوب المادة الأدبية، وهذا هو السبب الذي يجعلهم لا يلتفتون إلى الروايات العربية مطلقا.

هل يتغير هذا الوضع؟ في الحقيقة، أنا غير متفائل بقدرة الجمهور الأميركي على التغير. ويمكن أن أعزي الجزء الأكبر من هذه المشكلة إلى العزلة التي يعاني منها القراء في هذا البلد، والتحيزات العميقة التي تشكل استقبالنا المتخلف للروايات المترجمة بشكل عام، والرواية العربية بوجه خاص. وفي ضوء ذلك، يصعب رؤية القراء الأميركيين «يتواصلون» مع الروايات العربية بطرق أكثر عمقا.

لكن ثمة جانب آخر لمشكلة تواصل القراء الأميركيين مع الروايات العربية، لكنها مشكلة قابلة للحل، وتتعلق بالثقافات المختلفة لعملية التحرير في الولايات المتحدة وفي العالم العربي. تنشر الروايات في الولايات المتحدة، بهدف تحقيق ربح للناشر. وتكون هذه الرواية بمثابة استثمار لفريق يعمل مع الكاتب بهدف تسويق الرواية. وعادة ما تمر الرواية بعدد من مراحل التحرير والمراجعة وإعادة الصياغة والتحسين. ويستغرق هذا أشهر عدة، وفي بعض الأحيان يستغرق سنوات. وهناك عدد كبير من الأشخاص - محررون وناشرون ووكلاء - يعملون مع الكاتب، من أجل تحسين الرواية بقدر المستطاع كمنتج تجاري. وعندما يتم نشر الرواية، يتم الترويج لها بعدة طرق - قيام الكاتب بقراءة أجزاء من الرواية، والقيام بجولات ترويجية، علاوة على الترويج للرواية عبر وسائل الإعلام - حتى يضمن الكاتب نجاح الرواية. وقد علمنا نقاد الأدب الماركسي، أن الرواية كانت أول شكل فني يقوم بتطوير شكل السلعة الصناعية بهدف تحقيق ربح - ومن المفيد أن نتذكر ذلك. وكان الهدف من عملية إنتاج الرواية في الولايات المتحدة وفي أوروبا، هو سد الفجوة بين الرواية وبين قرائها، وبين السلع واستهلاكها.

هذه العملية لم تحدث في العالم العربي. وفي حقبة سابقة، كان هناك عملية أكثر كثافة في تحرير الأدب، كما كان هناك استثمار خاص أكبر في عملية إنتاج الرواية. واليوم، بات السواد الأعظم من الروايات ينشر ذاتيا، بمعنى أن الكاتب يقدم عملا لا يشهد سوى تدخل تحريري طفيف للغاية، ويقتصر عمل بعض المحررين في كثير من الأحيان على التدقيق في الأخطاء الإملائية والنحوية، ولكن لا يوجد أي مساعدة لمساعدة القراء على التواصل مع النص. وبهذا المعنى، فإن الروائي العربي يعمل في وضع مختلف تماما عنه في الولايات المتحدة وفي بريطانيا. وعندما أعطيت رواية عربية رائعة لبعض الطلبة وبعض زملائي، قالوا لي: «إنها رواية جيدة، ولكنها كانت ستكون رائعة لو تم تحريرها». ومن الصعب مجادلتهم في هذه النقطة - وهو ما يوضح الاختلاف الكبير بين الرواية الإنجليزية والرواية العربية - علاوة على عدم وجود مترجم، بغض النظر عن مهارته، قادر على سد هذه الفجوة وهذا الاختلاف. ولو كان هناك محرر أدبي بالمعنى المفهوم في العالم العربي، لشهدت الرواية العربية نهضة كبيرة، ولرأينا تغييرا كبيرا في تواصل الجمهور الأميركي مع الرواية العربية.