كيف ترى صورتها بأقلام ذكورية؟

المرأة أبرز الغائبات عن مناقشة قضيتها

TT

في كتابه «السعودية سيرة دولة ومجتمع.. قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية»، يصف الكاتب السعودي عبد العزيز الخضر ردود الفعل المتأخرة حول مشاركة المرأة في الحياة العامة، وحول تعليم المرأة، بأنها جاءت أقل عنفوانا من تلك التي ظهرت على السطح قديما.

فالحديث «الجديد» عن المرأة وقضيتها في المجتمع لم يسلم من الأغراض الشخصية والفكرية، على خلاف الماضي الذي اتسم في معظمه بالتلقائية والعفوية. يقول الخضر: «بعض النقاشات المبكرة أكثر فائدة للذهنية الثقافية والاجتماعية لأنها تتفاعل مع المتغيرات من دون أجندة مسبقة ومصالح حزبية صنعتها المعارك النفعية»، مضيفا كان «المجتمع يمارس محافظته بقدر من العفوية في المدن والقرى».

الغريب أن الحديث عن المرأة، سلبا أو إيجابا، وتقييم دورها ومشاركتها في الحياة العامة، لا يظهر إلا على ألسن الرجال، وبأقلامهم، فالمرأة الغائب الأكبر عن الحديث عن قضيتها. ثمة غياب شبه مطلق للمرأة في معظم الجدل الذي يظهر على السطح كل حين بين الجماعات والتيارات المختلفة التي تتقاذف قضية المرأة، وكلٌ يجر النار إلى فرصه، حتى المنتج الثقافي للمرأة من شعر ونثر ورواية يتم تناوله في دراسات يضعها الرجال، وسط غياب للمرأة أيضا.

القاصة والكتابة، شريفة الشملان لا ترى أن القضية مرتبطة بالمكون الجنسي للمنتج الثقافي، بقدر تعلقه بالحرية وعلو مكانتها. الشملان ترى أن الجانب التاريخي لبروز دور الرجل ساهم في تصديه عموما للشأن العام. تقول: ترتبط حرية المرأة بحرية الرجل، ذلك لحاجة الرجل الحر لامرأة حرة. وتضيف: «بسبب التصاق المرأة – تاريخيا - بالأرض لشغلها في فلاحتها وزراعتها، وتولي الرجل منذ القدم مهمة الصيد التي فتحت الباب أمامه صوب الحركة والتنقل، مما خلق له أجواء أكثر حرية، اتجها عقبها نحو التعلم وكان نصيبه من ذلك أكبر من النساء».

وبحسب القاصة الشملان فالرجل شريك وليس غريما. تقول: «لدينا حاجة كبيرة لمساندة الرجل وبالأخص في ظل وجود مواجهة مع رجال آخرين أخذوا على عاتقهم استغلال المرأة لمصالحهم متخذين الدين كذريعة لهضم حقوقها وأهمها حقها في التعليم».

على الجانب الآخر، ثمة نساء يبدين قسوة تجاه المرأة، على النحو الذي دفع بعضهم للقول: «إن عدو المرأة الأول هي المرأة نفسها»، تبرز هذه العداوة أحيانا في تضييق الفرص المتاحة للمرأة، والتعبير بأفكار تزدري المرأة وتعيد إنتاج الحالة الذكورية في المجتمع، هذه الحالة التي لا تعدم وجود كاتبات نساء ينظرن لها، وليس فقط رجال يتصدون لهذه المهمة.

من جانبه، يصف الناقد الدكتور حسن النعمي العداوة النسوية لبني جنسها بالموقف «المستريب»، ويقول: «هناك موقف مستريب من قبل بعض الناشطات وخاصة من ذوي التوجه الديني من موقف بعض المطالبين بحقوق المرأة»، فهنّ يرين هذه الدعوة مجرد اتجاه نحو «التغريب»، معتبرا أن هذا الموقف لا يمكن أن يكون عقلانيا في ظل تهميش المرأة.

وبرأي النعمي، فإن المرأة «تحتاج إلى بلورة تصورها عن مستقبلها وبناء ثقتها بإمكاناتها لتتحول من انتظار هبة التغيير إلى صنع التغيير لنفسها وبلدها» مؤكدا قدرتها على ذلك.

يرى كذلك، ضرورة مساندة الرجل للمرأة في المجتمعات ذات النزعة الذكورية، لأن الصورة النمطية التي تشكلت فيها المرأة أصبحت عبئا عليها وتحد من وظائفها الاجتماعية والمهنية، مستشهدا بمعركة تعليم المرأة والتي اعتبرها التغيير الأول ونقلها من دورها التقليدي الذي كان ملائما لبيتها إلى بيئة مدنية متجددة أهم أدواتها التعليم والتي انقسمت فيها القوى الاجتماعية الذكورية بين مؤيد ومعارض.

والحقيقة بالنسبة للناقد حسن النعمي أن المرأة بالسعودية ما زالت غائبة عن المطالبة الفاعلة بتغيير واقعها من حيث الوظائف، ومن حيث ممارسة حقوقها التجارية وسلامة إجراءات التقاضي بالنسبة لها، والحرية في تقرير مصيرها في كثير من القضايا كقيادة السيارة، معتبرا تلك أمثلة للقضايا التي يخوضها الرجل بالنيابة عنها، قائلا: «هل يأتي ذلك لضعفها، أم لعدم تمكينها؟! ففي الحالتين؛ الضعف، وعدم التمكين، دلالة على عدم قدرة المرأة على قيادة التغيير وبلورته بمنطق القانون».

أما الدكتورة سناء الثقفي، أستاذة بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئيسة قسم الدراسات الإسلامية سابقا بكلية التربية للبنات، فرفضت اتهام المرأة بالفشل في بحث قضاياها والسعي خلف نيل حقوقها، وقالت: إن المنهج السماوي موجه لكلا الجنسين الرجل والمرأة، وقالت: «لا يمكن حجر الرجال عن الحديث بشأن حقوق المرأة لاتصال عالمها بواقعه باعتبارها أما وزوجة وابنة وكذلك الرجل بالنسبة للمرأة الذي قد يكون أبا وزوجا وابنا».

في كتابه «السعودية سيرة دولة ومجتمع» يشير عبد العزيز الخضر إلى أن مشروع المرأة السعودية من خلال الأدبيات المطروحة سواء أكان عبر وسائل الإعلام أو الخطب والمنابر «لا يزال بحاجة إلى رؤى وخبرات قادرة على تحديد أين الخطأ والصواب في تجربة المرأة لدينا من خلال الشعور بالمسؤولية التاريخية بعيدا عن موضة التنوير وفقاعاتها الحالية وتزايد المتصلحين منهم أو رؤية دينية تقليدية متضخمة لا تريد أن تفكر بمشكلات الحضارة بقدر من الواقعية التي تمثل الإسلام».