الأندية الأدبية السعودية: أربعة مديرين خلال عامين.. أين يكمن الخطأ؟

خلافات داخلها تطيح بحسين بافقيه

من فعاليات النادي الأدبي في الرياض
TT

قدم حسين بافقيه استقالته من منصب مدير عام إدارة الأندية الأدبية بعد 100 يوم فقط من تسلمه هذا المنصب، واضعا الجميع أمام علامات استفهام كثيرة. هل جاءت استقالة حسين بافقيه ردا على ما حدث في نادي أبها الأدبي حين حكمت المحكمة الإدارية ببطلان انتخابات النادي التي نظمت قبل سنتين، وحل مجلس الإدارة؟ لكن قبل أن يتولى بافقيه المنصب، هل كان وضع الأندية مريحا؟ الجميع يعرف أن عددا غير قليل من الأندية شهد مشاحنات ومساجلات، وحلت بعض مجالس الإدارات، واستقال آخرون، وأحيلت قضايا المخاصمة للمحاكم، وشملت نادي الشرقية الأدبي، ونادي الأحساء الأدبي، وأخيرا نادي أبها الأدبي.. ولم تسلم أندية أخرى من عقبات إدارية، ومشاحنات بين الأعضاء.

هناك من يرى أن «لعنة» الأندية طالت بافقيه، كما طالت مسؤولين سبقوه في هذا المنصب، إلا أن هناك من يرى أن الأندية الأدبية الـ16 التي تتوزع في السعودية تعيش أزمة حقيقية، ولم تنجح الانتخابات التي خاضتها وتكوين مجالس إدارات منتخبة، وجمعيات عمومية ممثلة لجمهور المثقفين، والسعي لإقرار لائحة للأندية يشارك المثقفون في صياغتها، في عبور حالة الشلل التي تعاني منها الأندية.. فالمشكلة ليست بالضرورة مرتبطة بالرئاسة والوزارة بقدر ما هي مشتركة.

بافقيه، قال في خطاب الاستقالة لوزير الثقافة والإعلام: «أتقدم إلى معاليكم بأن تعفيني من عملي، مكتفيا بالمدة التي أمضيتها، بعد أن لمست أن أجواء العمل لا تساعد على المضي في ما كنت أرجوه وآمله، محتفظا بحقي في التحفظ على أداء القطاع الثقافي بالوزارة».. فما حقيقة الأمر؟

* الوزارة: بيئة العمل مستقرة

* في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ذكر الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية أن بيئة العمل في الوزارة مستقرة ويسير العمل فيها وفق الخطط المعدة، وبالتالي ليس هناك مجال للارتجال أو الاجتهادات المستعجلة.

ولفت إلى أن الاستقالات التي شهدتها الوزارة أخيرا، أمور ترتبط بالشأن الخاص لدى المستقيل، في إشارة إلى استقالة حسين بافقيه.

وقال الحجيلان إن «أي مبادرة مقدمة تخضع للدراسة المعمقة للتداول والتشاور حتى يؤخذ فيها قرار، كما أن الشأن الثقافي يتطلب العناية والهدوء، ولذلك فإنه في الغالب تأخذ البرامج الثقافية وضعها الطبيعي، من حيث الدراسة والاستقصاء والتجاوب مع مختلف أطياف المجتمع».

وعن رأيه في مستقبل الأندية الأدبية في ظل الإشكالات التي أدت ببعض مجالس الإدارات إلى حلها كنادي أبها على سبيل المثال، أوضح الحجيلان أن «الأندية الأدبية تعمل من خلال مجالس إدارة تضم مجموعة من الزملاء والزميلات وهي تنفذ البرامج والأنشطة المخطط لها وتلقى المساعدة من الوزارة، ولذا من المتوقع منها أن تقدم الإنتاج والعمل الذي يتواكب مع طموحات ورغبات أعضاء الجمعيات العمومية والجمهور».

وفي تعليقه على استقالة حسين بافقيه من إدارة الأندية الأدبية، أوضح أن «الأخ حسين بافقيه طلب الإعفاء من تكليفه بإدارة الأندية الأدبية ولكن لم يستقل من العمل الوظيفي وهو باق في الوزارة لأداء العمل المناط به في مجال آخر»، مؤكدا أن الوكالة تستفيد من خبرة وكفاءة بافقيه، في مجال الاستشارة الثقافية والتعاون لخدمة الثقافة وتطوير العمل في هذا المجال.

الزهراني: بافقيه اصطدم بالواقع

أما الشاعر حسن الزهراني رئيس النادي الأدبي بالباحة، فتحدث لنا عن مشكلات الأندية المزمنة من زاوية مختلفة. فهو يرى أنها لا تكمن داخل أروقة النادي، بقدر ما هي مستفحلة في جهاز الوزارة نفسه. يقول: «مر على تولي منصب مدير الأندية أربعة مديرين، منهم عبد الله الأفندي، الذي تم استبدال به عبد الله الكناني، قبل أن يقال من قبل الوزير، ويستبدل به الدكتور عبد العزيز السبيل، ثم حسين بافقيه».

وبشأن استقالة بافقيه، يحتمل الزهراني أن تكون حيثياتها مرتبطة بما حدث في نادي أبها الأدبي، «عندما علم بافقيه أن هناك إشكالات وخفايا كثيرة، وخاصة أنه كان يعتقد أن الحكم الذي صدر بشأن التزوير حكم نهائي. وعندما لم يتم تنفيذه من قبل الوزارة احتج على هذا الوضع».

وأضاف رئيس نادي الباحة الأدبي أنه «ربما كانت لحسين بافقيه بعض الطموحات الكبيرة مبنية على أشياء لم يدركها من واقع الأندية الأدبية، من خلال ما تمر بها من أزمة بفعل متطلبات مرحلة التغيير التي تمر بها، ولذلك اصطدم بما يدور خلافا لما توقع، ففضل أن يخرج من هذا المكان حتى لا يتهم بالتقصير، علما أنه يظل رقما أدبيا لا يمكن تجاوزه وعرفناه أديبا ومثقفا منذ أمد بعيد».

وعن المدير الجديد للأندية الأدبية الأمير سعود بن محمد بن عبد الله بن مساعد آل سعود، قال الزهراني إن «الأمير سعود يتملك من الحصافة الإدارية والأفق الثقافي، مما يمكنه أن يعبر بالأندية لبر الأمان، بالإضافة إلى التصاقه بالمثقفين على مختلف أطيافهم»، معتبرا أنه خيار موفق في هذه المرحلة.

لكن، هل كانت عملية الانتخاب مبكرة على هذه الأندية؟ يقول الزهراني: «من الطبيعي أن يشوب عملية الانتخابات الكثير من الأخطاء في مراحلها الأولى، في ظل تعجل الحكم عليها، وفي وجود بعض التفسيرات لشكل العلاقة بين المسؤول والوزارة، ذلك لأن الوضع الثقافي في البلاد يحتاج لدعم كبير، وبالتالي يقف المسؤول في الوزارة وفي الأندية أمام حيرة المتطلبات الكثيرة». لكن الزهراني يستدرك بالقول إن العملية الانتخابية في الأندية لم يحدث فيها خلل بالحجم الذي ينسف نتائجها في نهاية الأمر، معتبرا أنها كانت منطقية وقريبة من توقعات الكثيرين، مع إقراره بحدوث تجاوزات في بعض الأندية، لكنه يرى في الوقت نفسه أن هناك بونا شاسعا بين دعم الوزارة للثقافة وبين دعمها للجهات الأخرى، ضاربا مثلا بالإعانة التي تقدم للأندية الأدبية منذ 25 عاما ولم تتغير، في حين تضاعفت بشكل كبير الميزانيات المرصودة للأجهزة الحكومية خلال الفترة نفسها.

لكن الأندية تلقت دعما هائلا من خادم الحرمين الشريفين، بمعدل 10 ملايين ريال لكل ناد. وأحدث هذا الدعم نقلة نوعية في عمل هذه الأندية، كما يضيف الزهراني.