كينيزي مراد: كتابي» عبق أرضنا» تعرض لهجوم وسائل الاعلام المتحيّزة لاسرائيل

حفيدة السلطان مراد الخامس تكتب بالفرنسية وسيرتها الأميرية ترجمت إلى ثلاثين لغة

كينيزي مراد
TT

الروائية الفرنسية، كينيزي مراد، هي ابنة الأميرة التركية سلمى، ابنة السلطانة خديجة أحد أعضاء الأسرة الحاكمة في تركيا خلال العهد العثماني، حفيدة السلطان مراد الخامس ووالدها أمير وهو راجا دولة بادالبور في الهند. فقدت كينيزي والدتها بعد وقت قصير من ولادتها، فتربت في بيئة كاثوليكية فرنسية سويسرية. لكنها لم تعرف أنها حفيدة السلطان مراد، وأن والدها مهراجا هندي، وأنها مسلمة إلا عن طريق الصدفة، بعد أن أصبحت في العشرين من العمر، فبدأت رحلة البحث التي قادتها إلى كتابة سيرتها الذاتية عبر رواية حازت نجاحا كبيرا عبر ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة. تنتمي كينيزي إلى جذور تركية وهندية، وهو ما يجعل أدبها أكثر ثراء، تعيش حياتها عبر نسيج روائي، ساحر، في المزج بين السيرة الذاتية والتاريخ والحياة، وقد ترجمت رواياتها إلى أكثر من ثلاثين لغة، وتبوأت أفضل المبيعات. هنا حوار معها خاص بـ«الشرق الأوسط»:

* ثمة فاصل زمني كبير بين روايتيك «من طرف الأميرة العثمانية» 1987 و«حدائق بادالبور» 1998، لماذا هذا التباعد في زمن التأليف؟

- أمضيت نحو أربع سنوات في كتابة روايتي الأولى، وعامين من التوثيق وجمع المعلومات. كنت بحاجة إلى زمن طويل للكتابة، حرصا مني على إكمال صنعة الكتابة، والتدقيق في التفاصيل الصغيرة. وربما التباعد الزمني بين صدور روايتي الأولى والثانية، يعود إلى أن الرواية بالنسبة لي هي عملية بحث عميق ومتواصل. وفي كل مرة يحدث الانقطاع في كتابة الرواية، يؤخر ذلك من إنجاز العمل الإبداعي لأن ذلك من شأنه أن يحدث نوعا من الخلل.

* رواياتك تعتمد على سيرتك الذاتية كما هو واضح من قراءة أعمالك؟

- سؤال معقول. دعني أقل لك إنني ذات مرة تناولت قصة أمير تتاري، وهو السلطان غالييف، من أجل أن أقدم رؤية عنه، وقمت بجمع الوثائق طيلة عامين، وسافرت إلى تتارستان مرات كثيرة، ولكنني تخليت عن هذا العمل الروائي في اللحظة الأخيرة، وأدركت فيما بعد أنني لا أستطيع الكتابة عن أي موضوع آخر دون الانتهاء من تناول تاريخي الشخصي. ولم يكن الاختيار سهلا، إذ كنت أتخيّل أن كتابة السيرة الذاتية تتطلب أن يصل الكاتب إلى الثمانين من العمر حتى يتمكن من عمل ذلك. ويمكنني القول إن البحث عن الهوية والجذور والأصول قادني إلى كتابة سيرتي الذاتية بطريقتي الخاصة، الرواية الأولى تطغى عليها التاريخ، والرواية الثانية تتميز بروح أكثر عالمية وكونية. الكتابة عن عالم أعرفه جيدا، وهو جزء لا يتجرأ عن تاريخي الشخصي له مذاق خاص، لأنني عندما انتهيت من كآبة هاتين الروايتين، شعرت بأنني أفرغ كل شيء من أعماقي على الورق.

* في روايتك «حديقة بادالبور» ركزت على شخصية «زهر» التي همشها الاستعمار البريطاني، ما الذي دفعك إلى اختيار هذه الشخصية؟

- تروي «زهر» قصة حياتها الإنسانية والمثيرة، فهي ابنة واحدة من العائلة العثمانية الحاكمة من الأم التي سقطت وانهارت على يد الثورة الأتاتوركية، وعاشت الأم حياتها في فرنسا، ومن ثم تزوجت من أمير هندي مسلم صاحب إقطاعية بادالبور وذلك للحفاظ على النسل الملكي والعيش بحياة كريمة ملوكية. إلا أنها مع مرور الوقت لم تتحمل العيش في الهند المتخلفة مقارنة بأوروبا وفرنسا، وهي المرأة المتحررة من التقاليد، فقررت الهرب والعودة إلى فرنسا وذلك قبل الغزو النازي عليها. وأثناء هروبها كانت حاملا بزهر، صاحبة الرواية. ماتت الأم بعد سنتين من ولادتها، وأخفت الأم حقيقة والدها أمير راجا الهندي. وهكذا عاشت حياتها لا تعلم من هو أبوها، منتقلة من بيت إلى بيت، ومن عائلة إلى عائلة. وعاشت فترة برعاية الدير المسيحي الذي بذل جهده لإخفاء حقيقة أبيها المسلم الذي كان يبحث عنها، حتى قررت الرحيل إلى الهند لملاقاة أبيها الذي كانت تنتظر حنانه منذ وقت طويل.

* شخصية «زهر» إذن هي شخصيتك أنت، حيث تروين وقائع سيرتك الذاتية، بكل حذافيرها؟

- هذا صحيح.. إنها شخصية المرأة، بطلة الانتفاضة في هذا البلد، من المجندات الهنديات اللاتي خدمن في الجيش البريطاني. البريطانيون كتبوا وجهة نظرهم، ولكنهم لم يتطرقوا إلى شخصية زهر، فلم يرغبوا في الكتابة عن امرأة أذاقتهم الفشل على مدى عامين. وتوفيت هذه الشخصية النسائية البطولية على أرض المعركة، وألهبت مخيلة الناس. وزهر امرأة مسلمة، حيث كانت النظرة إلى المسلمين سيئة، وخاصة بعد الانقسام بين الهند وباكستان حيث كانوا ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم الطابور الخامس المناصر لباكستان، لذلك فإن إلقاء الضوء على بطلة مسلمة يثير تساؤلات إشكالية.

* الممتع في روايتك أن الهندوس والمسلمين يناضلون جنبا إلى جنب؟

- هناك انسجام في المعتقدات في شمال الهند بين الهندوس والمسلمين، وخاصة في مدينة لوكناو، المدينة التي وحدت بين الطرفين، ومنحت المدينة أسلوب حياة جديدا سواء في العمران أو الرسم أو الموسيقى أو الشعر، ثقافة تسبح في نهر الغانج الشهير المقدس من قبل الهنود، وكذلك في نهر جومنا، الذي يقدسه المسلمون.

لهذا السبب أردت أن أروي هذه القصة، وأسرد حياة إسلام آخر، والإيمان بأن جميع الأديان السماوية تقول الشيء ذاته، ولكن بطرق مختلفة، وفي تفاهمها تقدم أعمالا رائعة. أما البريطانيون فقد قاموا باتباع سياسة «فرّق تسّد» أي تعميق الخلافات بين الطرفين من أجل فرض هيمنتهم، حتى إن نائب الملك ذهب إلى حد الكتابة إلى الحكومة بنشر كتب تاريخية، موجهة إلى المدارس، تلقي فيها الضوء على المجازر المقترفة من قبل الهنود والمسلمين. ورأيت بعيني هذه الوثائق، أي اتباع سياسة إعلامية، غرضها تشويه تاريخ الشعوب.

* هل تتصورين أن ثقافتك المتعددة التي تمتد جذورها إلى التركية والهندية والفرنسية، تساعدك على الكتابة بشكل مختلف؟

- بالتأكيد، الثقافات المتعددة التي أنتمي إليها، هي كنز لا ينضّب بالنسبة لي، أنهل منه كتاباتي، ومما لا شك فيه أن هذه الثقافات المتعددة جعلتني أفهم الاختلافات بروح موضوعية.

* متى اكتشفت هويتك وجذورك؟

- كنت غاضبة ضد فرنسا لأنها حاولت أن تخفي هويتي الحقيقية. فقد جعلوني بعيدة عن جذوري، وقد ربوني كمسيحية، لكي أبتعد عن أبي، الذي كان مسلما، بل كذبوا علي، وفرضوا على هذه الأميرة الصغيرة الابتعاد عن أبيها المسلم، وعندما تلاشت مرحلة الغضب، بدأت أعبّر عن ذاتي وجذوري. وثقافتي المتعددة، فعثرت على عائلتي.

* هناك مزج في روايتك بين التاريخ والسيرة الذاتية؟

- هذا صحيح. وخاصة في شخصية زهر، نحن نكتب عادة بجزء من ذواتنا، إذا الكتابة لا تخرج من الأعماق، لا يمكن أن تكون حقيقية.

* هل اكتشفت ذاتك وهويتك في كل رواية تكتبينها؟

- الكتابة بالنسبة لي عملية بحث عن الجذور التي قادتني إلى الهند، حيث حاولت أن أعيش زمنا آخر. لكنني رحلت عن الهند لأني شعرت بأنني غربية التربية، وعندما أعدت الصلة بتاريخي التركي، وعشت في تركيا، أدركت أن عائق اللغة لا يتيح لي استمرار العيش في تركيا، لذلك عدت إلى فرنسا. أعتقد أن بلدي هو قبل كل شيء اللغة. والهوية ليست لا البلد، ولا الدين، ولا حتى العائلة، بل مشاركة الآخرين القيم الجوهرية والإيمان بها. أما العنصرية التي تنخر المجتمعات الغربية فهي تنبع من جهل بثقافة الآخر.

* بعد كتابة سيرتك الذاتية في روايتين ضخمتين، الأولى عن تركيا والثانية عن الهند، انتقلت منهما إلى الكتابة عن الانتفاضة الفلسطينية، وعلى الرغم من أنك تخليت عن الصحافة، خضت غمارها من جديد؟

- لسنوات طويلة، وأنا أتابع ملف القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط، كصحافية في مجلة «نوفيل أوبزرفاتور» دون أن أبعد عن رؤيتي العين الروائية، الملازمة لي طيلة عملي. ولعل ما يواجهه المرء من رؤية ما يحدث في فلسطين هو الشعور بالذنب والعجز عن فعل شيء ما لهذه القضية. كنت أعي أبعاد هذه المغامرة الأدبية. لدي شعور أن الواجب الأخلاقي يحتم علي الكتابة عن هذه القضية الإنسانية. لذلك فضلت الذهاب إلى فلسطين، ومقابلة الناس، وأخذ آرائهم مباشرة. وعلى أعقاب تلك الزيارة، ألفت كتابي «عبق أرضنا» وهو كتاب يجمع بين جوهر الكاتب وروح الصحافة. فهو كتاب يعطي الناس حرية التعبير عن أمنياتهم، وخاصة الشعب الفلسطيني. وأعتقد أن الكتاب قدم رؤية موضوعية عما يحدث، ولو كانت إسرائيل تحترم الحلول الدولية لما كانت معاناة الشعب الفلسطيني بهذا الحجم من العذاب. وكما تعلم، فقد واجه هذا الكتاب رقابة صارمة من قبل وسائل الإعلام لمتحيزة لإسرائيل، وطاله المنع والمقاطعة.

* ما هو رأيك بما يحصل في العالم العربي؟

- أقول لك بكل صراحة إن ما يحصل في العالم العربي وخاصة في العراق وسوريا وفلسطين مخجل للغاية، والعالم العربي يتزعزع يوما بعد آخر لصالح القوى المعادية له، وهو أمر مؤسف للغاية لأنه يمتلك طاقات لا حدود لها.

* ما رأيك في الرواية العربية؟

- إنني أرى الرواية العربية تتقدم في خريطة الإبداع العربي، بفضل تطور المجتمعات العربية، وازدياد وعيها، فلم تظهر الرواية الغربية إلا عندما مرّت المجتمعات الغربية بالمراحل الانتقالية الحاسمة في تاريخها. يمكنني أن أذكر بعض الكتّاب الروائيين أمثال: نجيب محفوظ، والطاهر بن جلون، وأمين معلوف، وكاتب ياسين، وآخرين، كما أنني واثقة من أن هناك روايات عربية كبيرة لم تجد طريقها إلى الترجمة بعد. وفي الشعر العربي لا يمكن إهمال قامتين شعريتين هما: محمود درويش وأدونيس.

* سيرة

* تعرفت على الكاتبة كينيزي مراد في صالون الكتاب في باريس إثر صدور روايتها الأولى، ولكن الظروف لم تسنح بتحقيق رغبتي في محاورتها في عام 1987، وشاءت الصدف أن تزور معرض الكتاب في أبوظبي هذا العام، لأحقق هذه الرغبة القديمة بعد أن أصدرت الكثير من الروايات والكتب.

* درست كينيزي علم النفس وعلم الاجتماع في السوربون أثناء رحلاتها الطويلة إلى الهند وباكستان. وفي عامها العشرين قادها بحثها عن أصولها لاكتشاف الإسلام من خلال نصوص كبار المتصوفين في الإسلام.. عملت كصحافية مستقلة منذ عام 1965 حتى عام 1970 عندما التقت هيكتور غالارد الذي قدم لها عملاً في مجلة «نوفيل اوبسرفاتور». وفي العام 1983 تركت الصحافة وكرست نفسها للكتابة.

* أعمالها الروائية والأدبية

* «صدرت روايتها الأولى «من طرف الأميرة الميتة» أو «حياة أميرة عثمانية في المنفى» عام 1987 ، حيث تروي من خلالها قصة عائلتها، التي بدأت عام 1918 حيث تغلبت الدول الغربية على الدولة العثمانية، وتحولت تركيا إلى حكم جمعية «تركيا الفتاة» وعلى رأسها مصطفى كمال. وكيف عاشت الأميرة سلمى «والدة كينيزي» في المنفى في لبنان والهند وفرنسا مع سجل حافل بالأحداث عن انتهاء السلطنة واستيلاء الغرب على أراضيها واستعمارها التي شهدتها الأميرة وعانتها. ثم تابعت كينيزي عملها في الصحافة بشكل متقطع حتى عام 1990 ثم نشرت عام 1998 روايتها الثانية «حديقة بادالبور» التي تسرد فيها قصة حياتها من خلال سيرة حياة شخصية، وهي «الابنة «البيولوجية» لأمير راجا بادالبور المسلم، سليلة الثقافة الأوروبية، التي تبحث عن أصولها في الهند العلمانية في مظهرها والعنصرية في جوهرها.

عام 1994 نشرت كتابها «الحياة في اسطنبول» الذي تتحدث فيه عن تاريخ هذه المدينة التي كانت عاصمة الأباطرة الرومان، والطغاة البيزنطيين والسلاطين العثمانيين. تكشف في كتابها هذا عن نمط الحياة الفريد في المدينة، وتحث القارئ على اكتشاف طبيعة منازلها وقصورها الفخمة الواقعة على الشواطئ الأوروبية والآسيوية من البوسفور.أما كتابها «عبق أرضنا أصوات من فلسطين ومن إسرائيل» 2003، فهو حصيلة مقابلاتها مع رجال ونساء وأطفال فلسطينيين وإسرائيليين، يعبرون عن مأساة الاحتلال.