«الطفرة الروائية» هل انحسرت؟

انخفاض سقف الحرية وعدم التفرغ تحديات ماثلة أمام كتابها

جانب من معرض الرياض الدولي 2013
TT

الرواية السعودية تتراجع، لكن تراجعها لا يثير القلق. فقد كان صعودها - برأي النقاد – مجرد «فقاعة»، وكان لا بد لها أن تعود لواقعها الطبيعي. وبلغة الأرقام، فإن الرواية السعودية التي تصدرت المشهد الثقافي السعودي، منذ عام 2001، تراجعت كثيرا، وانخفض عدد الإنتاج الروائي في السعودية إلى النصف تقريبا في عام 2012 مقارنة بالعام الذي سبقه، من 100 رواية عام 2011 إلى 66 رواية فقط عام 2012. لكن حال الرواية السعودية لا يختلف كثيرا عن حال الرواية العربية، التي هي الأخرى في تراجع.

* الرواية العربية بخير

الروائي الكويتي طالب الرفاعي يبدي رأيه حول هذا الموضوع بقوله: «لا أدري من صاحب القول: عهد الرواية انتهى؟ لكن بنظرة بسيطة لساحة النشر والقراءة والجوائز العربية، يتجلى بشكل واضح لا لبس فيه عدم صحة هذه المقولة، إذ إن دور النشر العربية ما عادت تقبل إلا بنشر الرواية، في حين تراجع نشر مجاميع القصة القصيرة ودواوين الشعر. إن نظرة بسيطة على مبيعات دور النشر العربية في مختلف معارض الكتب تؤكد سيادة الرواية، ولا أظن أن جنسا أدبيا يحظى بتشجيع واهتمام الجوائز العربية وحتى العالمية والترجمة كما هي الرواية».

وأضاف الرفاعي: «الإنتاج الروائي العربي، وفي جميع الأقطار العربية، يعد كما كبيرا، فهو الموجة العالية، وربما تصور البعض سهولة كتابة الرواية وسارع إلى ركوب الموجة، خاصة أن هناك عنصرين متوافرين يدفعان لهذه الكتابة. الأول، ارتباط الرواية بالسيرة الذاتية، والثاني، كمية القهر والحرمان والقمع التي يعانيها المواطن العربي، وبالتالي يجد في الكتابة الروائية تنفيسا لهمه ومحاولة لإعادة التوازن لحياته».

لذا، والحديث للرفاعي، فإن «هذا الكم الكبير من الروايات العربية، بالنظر إليه بعين النقد، لا يحقق أغلبه الشروط الفنية المطلوبة في جنس الرواية، لا على مستوى الشكل ولا المضمون ولا حتى على مستوى سلامة اللغة العربية المكتوب بها، خاصة أن جنس الرواية قفز، خلال العقدين الأخيرين، قفزات كبيرة عالميا على مستوى الشكل والمضمون»، مشيرا إلى أنه يمكن للراصد أن يرى بوضوح الكم الكبير لإصدارات الرواية، الذي تدفع به دور النشر العربية المعروفة وغير المعروفة، من دون أي اعتبار للسوية الإبداعية لجنس الرواية.

إن الرواية العربية، بالنسبة إليه، لامست حاجة الملتقي، مبينا أن الكثير من الروايات العربية، وبشهادة وكتابات النقاد العرب المعروفين، غاصت في هم الإنسان العربي ووجعه والضيق اليومي الذي يعيش وعشقه للحرية، ولامست لحظة حياته المضطربة، وقدمت له عزاء في أن يقوى على مواجهة واقعه التعس. ومع ذلك، يعتقد الرفاعي أن هناك تحديات كثيرة تواجه الإبداع الروائي، ويتمثل أولها في انخفاض سقف الحرية في الدول العربية، وبالتالي يصبح الكاتب مقيدا بألف رقابة ورقابة، ومهددا برزقه، وربما حياته لو هو تجرأ وقفز على أحد موانع هذه الرقابة.

أما التحدي الثاني الذي يواجه الكاتب الروائي العربي، فهو محاولته الجادة لقراءة المشهد الروائي العالمي، وكتابة رواية جديدة ومتجددة تليق براهن الشعوب العربية والمنعطف الذي تعيشه في ثوراتها السلمية والمأزق الذي آلت إليه. وأضاف إلى ذلك أن الكاتب الروائي العربي ما زال غير متفرغ، وهو مضطر إلى النهوض بعبء عيشه وأسرته، إضافة إلى أنه ينهض بجميع تبعات الكتابة الروائية، فهو يكتب ويتصل بالناشر ويتابع عملية الطباعة، ومتى ما صدرت روايته عليه أن يعمل على إيصالها للصفحات الثقافية والنقاد، كما أن نسبة كبيرة من كتاب الرواية العرب، كما يضيف، يدفعون مبالغ مالية، قلت أو كثرت، مقابل طباعة رواياتهم، وبما يعد مسا بكرامة الكاتب.

القحطاني: الرواية في أوج عزها

ويتفق الناقد الدكتور سلطان القحطاني مع الرفاعي بقوله إن عهد الرواية لم ينته، وإنها لا تزال في أوج عزها، بصرف النظر عن الجودة من عدمها، باعتبار أن الفنون لا تموت وإن أصيبت بشيء من الكسل والتراخي.

ويدلل على ذلك بتصاعد نمو المبيعات والطبعات المتوالية للرواية الواحدة والتداول المستمر للقراءة. أما من ناحية النوعية، فإن طبيعة «الطفرة» الروائية، تحتم وجود الغث والسمين، غير أن «البقاء للأصلح في كل فن وعلم».

ويضيف القحطاني: «لم يعد المتلقي سلبيا، بل أصبح يقرأ وينقد. وهناك بالطبع رواية تقرأها مرة واحدة للاطلاع، وهناك رواية تقرأها وتستفيد مما فيها من الكم الثقافي واللغة الروائية الراقية».

وعلى صعيد التحديات أمام الرواية، فهو يعتقد أنها ماثلة في كل عصر وأوان، فهناك دائما من يريد أن يتسلق على أكتاف الروائيين ليكتسب شهرة فقط، لكن العمل الجيد يثبت نفسه، مهما تكالبت عليه الشفاه.

* خضري: حياتنا رواية

ويقول الروائي خالد خضري: «لست مع من يقول إن عصر الرواية انتهى، فحياتنا رواية، لا يمكن لها أن تنتهي، والرواية كجنس أدبي، هي في نظري التاريخ غير الرسمي لأي شعب من الشعوب، وهي قادرة على أن تكشف حقائق كثيرة، وتفتح نوافذ مغلقة، وتتناول جوانب مسكوتا عنها، لا يستطيع أي باحث أو مؤرخ أن يتطرق إليها».

ويضيف الخضري: «من المهم جدا، أن يعمل المؤرخون على الاستفادة من الرواية في رصدهم التاريخي، وأثناء كتابتهم، وبالذات إذا أرادوا أن يتناولوا جوانب اجتماعية، ويركزوا على الطبقات الوسطى والمعدمة في المجتمعات، إلى جانب أهمية دراستها أي الرواية، من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس، الذين برأيه سيفيدون كثيرا بالتعرف على خفايا المجتمع على حقيقته عبر الروايات المكتوبة»، مشيرا إلى أن الكتاب السعوديين قدموا أعمالا تستحق أن تدرس بجدارة.

وعودة إلى السؤال: هل انتهى عهد الرواية؟ يرى خضري ضرورة تقسيم الأمر إلى قسمين: الأول، فيما يخص الإنتاج الروائي، والثاني، فيما يخص القارئ، أما فيما يخص الإنتاج الروائي فإن عصره لم ينته بل إنه ازدهر، وانتشر، مستشهدا على ذلك بالأرقام الكبيرة من الإصدارات التي تصدر كل عام بعد عام 2002 في السعودية.

ومثل لذلك بما وصفه بالاتجاه بشكل كبير من قبل عدد من كتاب السرد، والشعراء، وكتاب آخرين من خارج الميدان الإبداعي الذين قدموا أعمالا روائية، الأمر الذي يجعل ليس من الإنصاف عمل مجال للمقارنة بين الكم الهائل من الإنتاج الروائي وغيره من الإصدارات، بالذات في مجال القصة القصيرة والشعر.

أما فيما يخص القارئ، يعتقد خضري أن طبيعة القارئ في هذا الزمن، قارئ نخبوي، لا يمكن أن يقاس بقراء زمن مضى لأن وسائل المعرفة والحصول على المعلومة، ووسائل الترفيه أيضا تعددت، إذا ما اعتبر أنه من أهداف قراءة الرواية إزجاء الوقت، مشيرا إلى حزمة من التحديات التي تواجه الرواية ومستقبلها، على رأسها القارئ ذاته، وكتابة العمل، ويأتي بعد ذلك النشر، بالإضافة إلى دور النشر التي واجه معها عدد من الكتاب الكثير من مواقف الاستغلال.

وتقول الروائية غصباء سعد الحربي، صاحبة رواية «شغف شرقي»: «من وجهة نظري، لم ينته عهد الرواية، هو أو غيره من الفنون الأدبية الأخرى، ففي كل وقت هناك مريدون لكل نوع من الفن». أما فيما يتعلق بإنتاج الرواية، فقالت: «في الآونة الأخيرة، شهدنا ميلاد عدد كبير من الروائيين والروائيات من الشباب، متناولين قضايا عصرية واجتماعية مهمة تلامس حياة المجتمع بشكل مباشر، فضلا عن الإنتاج الناضج لعدد كبير من قدامى الروائيين والروائيات، وهو ما ساهم في التواصل بين الأجيال».