أي خطر يتهدد النص الأدبي بعد انتشار ظاهرة الأدب الرقمي؟

نقاد سعوديون يناقشون مفهوم «التكنوثقافي»

TT

من بين أوراق العمل التي ازدحم بها المؤتمر الرابع للأدباء السعوديين، الذي اختتم أمس (الجمعة) في المدينة المنورة، جاءت الأوراق التي تناولت دور التقنيات الجديدة كوسائل التواصل الاجتماعي في الإبداع الأدبي، وعلاقتها بالمبدعين. وكان لافتا ما أكده الناقد الدكتور عالي القرشي من أن التقنيات الحديثة جعلت «الكتابة في حال شراكة حقيقية بين الكاتب والقارئ»، معتبرا «النظرية النقدية الحديثة تتحدث عن النص المفتوح وقابليته لأن يستوعب حضور القارئ».

وناقش المؤتمر 35 ورقة عمل، لكن الاهتمام بوسائل التقنية الحديثة ودورها الثقافي، خاصة أنها باتت تسجل حضورا كبيرا في المملكة، كما أن انتشارها ساهم في تحويل جانب من الإنتاج الأدبي للنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما جاءت بعض النصوص لتتلاءم مع النشر عبر هذه الوسائل.

ناقش المؤتمر عناوين؛ بينها «النشر الأدبي في (تويتر)»، و«إنتاج النص الإبداعي وتلقيه عبر الـ(فيس بوك)»، و«المدونات وأثرها في إبداع أدب تفاعلي بين الكاتب والقارئ»، و«النص الرقمي بين الإنتاج والتلقي»، و«الذات والنص في الفضاء السيبراني»، و«اتجاهات الشعر السعودي على الـ(فيس بوك)»، و«الأدب التفاعلي الرقمي - رؤية عربية»، والسيرة الذاتية الرقمية التفاعلية، و«قصص الأطفال الإلكترونية»، و«الأدب التفاعلي بين إشكاليتي الورقية ونسف الأطر النقدية والفلسفية»، و«القصيدة والصورة الفوتوغرافية»، و«الرسوم والصور على الغلاف الأمامي للرواية السعودية». ومن العناوين الأخرى: «النقد السعودي المعاصر»، و«تمثيلات الآخر في الشعر السعودي»، و«الشعر والمهماز وتواصلية الحوار الاجتماعي مع الآخر»، و«ظلال التشكيل ومغامرة النص الجديد». وطرحت أيضا قضايا تتصل بالخطاب الأدبي في رسوم الكاريكاتير، والصحافة الإلكترونية المتخصصة والصحافة الإلكترونية الأدبية في المملكة العربية السعودية، وخطاب الإهداء في الأدب السعودي، والرسم على سطح النسيج السردي، وأثر الجوائز في الأدب إبداعا ونقدا.

في ورقته، أوضح الناقد الدكتور عالي القرشي التي جاءت بعنوان: «إنتاج النص الإبداعي وتلقيه عبر الـ«فيس بوك»، أن «تقنية الـ(فيس بوك) استقطبت الكثيرين من القراء والكتاب، وأصبحت تقيم عالما يشعر من يفارقه بأنه غير حاضر في عالم متفاعل، وكانت بما تهيئه من مساحة للنص قادرة على احتواء النصوص الإبداعية، والتفاعل معها».

ويرى القرشي أن «النظرية النقدية الحديثة تتحدث عن النص المفتوح وقابليته لأن يستوعب حضور القارئ، لكن ذلك ظل محافظا على استقلالية المكتوب عن إرادة القارئ، فالقارئ وحده يعيد وينتج النص المتكون أمامه. لكن مع تقنية الـ(فيس بوك)، أضحت الكتابة في حال شراكة حقيقية بين الكاتب والقارئ، فالحوار الحي، يحدث تعديلا في الرؤية ومسار النص».

ورأى القرشي أن النص أصبح عبر هذه التقنية «ليس مرتهنا لوسيلة توصيل محددة، فالنص المقروء يؤول إلى مسموع، وإلى مشاهد في الآن نفسه، لذا أصبح النص في أساس تكوينه يستدعي حيوية في التوافق مع هذه الوسائل، فالإيقاع الصوتي، والإيقاع البصري أصبحا من مستلزمات تحرير النص».

ومن حيث تداخل غايات النص، أوضح القرشي أن «لكل كاتب نص غاياته عبر وسيلة القراءة، وعبر تقنية الكتاب والمجلة والصحيفة، فالمبدع يكتب نصه لقرائه، لكن مع هذا التفاعل الحيوي في الكتابة عبر الـ(فيس بوك) أصبح هناك تداخل في الغايات، فالحاجات الملحة للمتحاورين تفرض حضورها؛ فيتلبس النص الإبداعي شيئا من هذه الحاجات تجعل الإقناع، ووضوح اللغة، وقصر النص ذات ضرورة ملحة في الحضور أثناء إنتاج النص».

* الذات والنص في الفضاء

أما ورقة الناقد محمد العباس، فحملت عنوان (الذات والنص في الفضاء السيبراني)، وقدم خلالها رؤية تشخيصية لواقع المغردين في السعودية ومدى إدراكهم السلوك الاتصالي بالمعنى الذي عناه «نوربيرت فاينر» لمستوجبات «الفضاء السيبراني». وتشير معظم الدراسات والإحصاءات، كما يضيف العباس، إلى أن السعودية تأتي في مقدمة الدول التي تتعامل مع المواقع الاجتماعية، والتي تمثل الامتداد أو التطبيق العملي لآخر مبتكرات التقنية والاتصال، فقد دخلت قائمة المدن العشر في «تويتر» للعام الماضي.

ووفق العباس، فإن ذلك يعطي مؤشرات تثير التساؤل حول امتلاك المغردين للوعي الاتصالي بمقوماته النفسية والمعرفية والفنية: «حيث شكل (تويتر)، بسهولة التواصل الاجتماعي فيه، فرصة لتقليص المسافة ما بين مفهومي الكاتب والمثقف، وبذلك سمح لجميع الفئات والشرائح من الجنسين، وعلى اختلاف مشاربهم ومستويات وعيهم، بالحضور والتفاعل والتأثير أيضا في الحيز العمومي الذي كان حكرا لفئة أو جماعة».

وأشار العباس إلى أن السعودية تسهم في التدوين بما يعادل ثلاثة ملايين مستخدم، معتبرا أن ذلك يمثل رقما كبيرا جدا يعكس الإمكانات التقنية المتوافرة للفرد بالقدر الذي يولد التساؤلات حول قدرة هذا الحشد على الإسهام في الموقع بثالوث (الخبر والمعلومة والمعرفة) التي من المفترض أن يتم استظهارها كنص إلكتروني. بمعنى أن التدافع نحو هذا الموقع التفاعلي يفجر السؤال عن حقيقة تلك الحداثة التكنولوجية المعبر عنها باللهاث وراء كل ما هو تقني، من آخر الطرازات والمبتكرات، ومدى تعالق كل ذلك الطابور الطويل من المغردين، بنظرية الموجة الثالثة التي قال بها إلفين توفلر، المؤسسة على مزدوجة (الاتصال والمعلومة).

ويضيف العباس: «في المقابل، يطرح هذا الفعل التكنوثقافي مسألة الخطر الذي يتهدد النص الأدبي في السعودية بمعناه المعتاد المرتبط بوسائل الطباعة التقليدية، كما يستشرف إمكانية ظهور الأدب الرقمي، المحتم بوجود وسائل الملتيميديا وتماديه. سواء على مستوى آليات إنتاج النص المنبثق من وعي وحساسية المبدع، أو توفير البيئة المساندة كالمكتبة التفاعلية مثلا، أو ما يمكن أن يبشر به الوعي النقدي في هذا الصدد، وصولا إلى ما ينبغي أن تضطلع به الجامعات من إقرار مناهج وجماليات النص التكنوأدبي».

وتسلط ورقة العباس الضوء «على تحول (تويتر) من فضاء للتوافق والتفاعل إلى جدار للفصل الطائفي والفئوي والعنصري والقبلي، من خلال قراءة تحليلية لجذور اللاعقلانية الضاربة في العمق الثقافي، وانخفاض منسوب الديمقراطية عند المغردين بصفتهم مثقفين، وعدم تأكيد أهمية الدوافع الليبرالية، حيث تشكل هذه الأبعاد وغيرها ركائز الحضور والاستيعاب لعلم الاتصال العام من ناحية، ولجدلية إنتاج النص المتأتي من تلك الفضاءات الصادمة تقنيا، كما انكشفت حقيقة الوعي بها من خلال هذا الموقع التفاعلي التشاركي».