«المنظمة العربية للترجمة»: 287 كتابا و120 ألف مصطلح علمي

الترجمة إلى العربية.. مؤسسات كثيرة وثمار هزيلة

TT

«غير صحيح على الإطلاق أن العرب لا يحبون قراءة الكتب الفكرية ويفضلون عليها قراءة الروايات، التي باتت الأكثر ترجمة إلى اللغة العربية في الوقت الراهن». هذا ما يؤكده الأمين العام لـ«المنظمة العربية للترجمة» الدكتور هيثم الناهي معتبرا أن «تجربة المنظمة الممتدة من ثماني سنوات، والتي أثمرت 287 كتابا مترجما في مجال الدراسات الفكرية والعلمية، تثبت أن المشكلة ليست في المزاج العام، وإنما في سوء إدارة الأمور».

ويشرح لنا الدكتور الناهي: «إن كتب المنظمة عليها إقبال كبير، من قبل القراء. وإذا كانت دور النشر التجارية تبيع 20% فنحن نبيع 80%».

ويتابع الدكتور الناهي: «في موضوع البيع نحن مقياسنا معارض الكتب. فإذا كانت دار نشر تجارية تبيع ألف نسخة من الكتاب الواحد، فنحن نبيع 15 ألف نسخة». ويرى الأمين العام للمنظمة العربية للترجمة أن «المشكلة الأساسية هي أن الكتاب المترجم جيدا مكلف، وتكلفته مرتفعة، وغير مدعوم في أحيان كثيرة، مما يجعل القارئ يتردد طويلا، قبل شراء بعض كتبنا رغم رغبته فيه، مما يجعلني أخفض الأسعار إلى 50% في بعض الأحيان».

لكن بسام شبارو صاحب «الدار العربية للعلوم» في بيروت، المعروفة بباعها الطويل في مجال الترجمة، يشرح لنا أن: «أولويات القارئ العربي تغيرت تكرارا، في السنوات الثلاثين الأخيرة. فقد كانت الكتب العلمية هي المطلوبة، ثم أصبح التركيز على الكتب المعلوماتية، الآن تغيرت الأمور وصار الطلب هو على الروايات».

لذلك يشرح شبارو «هناك نواح كثيرة نأخذها بعين الاعتبار حين نختار كتابا لترجمته. منها حاجة السوق، الإصدارات الجديدة في العالم، الرائج من بين هذه الإصدارات، وهل هو من النوع المطلوب في السوق العربية أم لا؟» ويضيف شبارو: «هناك كتب قد تجد رواجا كبيرا في الغرب وتباع منها ملايين النسخ، لكنها لا تعني القارئ العربي، وبالتالي لا نجد جدوى من ترجمتها».

يصر شبارو على أن داره وبعد خبرة طويلة، باتت تعرف كيف تنتقي الكتاب الذي يستحق الترجمة. مؤكدا أن القوانين العالمية ما عادت تسمح بترجمة لا تخضع لقوانين الملكية الفكرية والأدبية. وبالتالي فإن الموافقة من دار النشر الأجنبية يتم الحصول عليها، مسبقا، وتدفع الحقوق كما يتوجب. هذا مع العلم أن العرب لا يدفعون مبالغ مرقومة، نظرا لأن الدور الأجنبية باتت على علم بالحال المزرية للسوق العربية للكتاب، ولا تطالب بمبالغ غير منطقية، مما يشجع دور النشر على تفادي القرصنة.

من الصعب التحدث عن نهج واحد يحكم الترجمات إلى العربية، فثمة فرق بين مركز أكاديمي تابع لجامعة كما هو الحال في «الجامعة اليسوعية» أو دار نشر خاصة مثل «الدار العربية للعلوم» ومركز ثقافي مثل «مؤسسة الفكر العربي» أو «المنظمة العربية للترجمة». فلكل طريقته في اختيار الكتب وأولوياته وحساباته وأهدافه التي يرمي إليها، وميزانياته، وخلاصاته فيما يخص المعوقات أو الصعوبات. وبالتالي لا يمكن الكلام عن الترجمة ومشكلاتها في العالم العربي، بشكل عام، ما لم يكن هناك مسح لعدد كبير من هذه الهيئات والدور التي يعمل كل منها بمعزل عن الآخر، مع تعاون طفيف في بعض الأحيان قد يثمر أو لا يثمر.

فالتعاون بين «المنظمة العربية للترجمة» وبعض المؤسسات الأخرى المعنية بالترجمة لم يدم طويلا، بسبب اختلاف في الاستراتيجيات والأهداف، بحسب الأمين العام للمنظمة العربية للترجمة، الذي يشرح قائلا: «نحن نهتم بالدراسات والكتب الفكرية وثمة من يميل أكثر إلى الاهتمام بالروايات والقصص. تعاونا في السابق ولا نزال نتعاون مع جهات كثيرة كويتية وإماراتية وكذلك اليونسكو لكن التعاون الأكبر والأكثر جدية وجدناه مع (مدينة الملك عبد العزيز) في السعودية، فنحن نتفق معهم في العناية باختيار الكتب، وتوزيعها، وقد تحملوا تكاليف كبيرة من أجل توفير كتب ورقية بالمجان، كما وضع الكتب بالمجان أيضا على الموقع الإلكتروني».

وإذا كانت المنظمة تعمل لاختيار الكتب من خلال ثماني لجان متخصصة، تضم أساتذة جامعيين ومفكرين تبعا للاختصاص، وقد اختطت لنفسها نهجا خاصا في اختيار المترجمين، كما أنها تعمد لمراجعة الترجمة وتوثيقها وفهرستها ثلاث مرات لكل كتاب، فإن هذه الإمكانيات لا تتاح لدور النشر العربية التي لا تزال في غالبيتها عائلية وذات إمكانيات محدودة. وهنا يفتخر الدكتور الناهي بأن المنظمة ترجمت كتابا عن التكنولوجيا الزراعية لمدينة الملك عبد العزيز، مؤلفه أستاذ في جامعة كولومبيا، لتكتشف بعد الترجمة والمراجعة أن كثيرا من المعادلات الرياضية في الكتاب كانت خاطئة في النسخة الأصل، ولا بد من العمل عليها من جديد لتصحيحها. وهو ما استدعى مخاطبة الجامعة الأميركية وتنبيهها إلى وجود أخطاء جمة.

بالنسبة لـ«الدار العربية للعلوم» فإن المشكلة الأساسية التي تواجهها اليوم، كمؤسسة معنية بالترجمة، هي القرصنة.

ويشرح بسام شبارو: «الغرب خرج من النشر الورقي إلى الرقمي، أما نحن فالرقمي عندنا سرق قبل أن يبصر النور. فنحن حين نترجم كتابا وننشره ونتكلف لإصداره سرعان ما نجده على الإنترنت بالمجان. السارقون أكلوا حقوق المترجمين والناشرين. وبالتالي لم يعد من معنى لأن ننتقل إلى النشر الإلكتروني، ما دام قد وجد وسرق سلفا. غوغل - على سبيل المثال - تستخدم (فلترات) حين يتعلق الأمر بكتاب إنجليزي مقرصن على الإنترنت لتحجبه خوفا من القوانين التي تطالها، لكنها تترك الأمور على غاربها فيما يتعلق بالكتاب العربي، لأنه لا حسيب ولا رقيب». ويضيف شبارو: «لنأخذ مثلا رواية شفرة دافنشي بالإنجليزية. لن نجد منها على (غوغل) عند البحث أكثر من نسختين أو ثلاثة باللغة الإنجليزية، فيما لو كتبنا اسم الكتاب بالعربية - ونحن من ترجمنا هذه الرواية - فسنعثر على مئات النسخ منها».

الشكوى ليست ذاتها عند «المنظمة العربية للترجمة»، فالدكتور هيثم الناهي يعتبر أن من بين المشكلات الأساسية، أن الجهات المعنية بالترجمة، لا تهتم بعمل مسح لمعرفة ما تحتاجه المكتبة العربية، وما الذي يمكن أن يغني القراء. كما أن هذه المؤسسات في غالبيتها ليس همها التنمية الفكرية والعلمية». ويعتبر الناهي «أن الدول العربية على استعداد لدفع ميزانية كبيرة لحفل راقص مثلا، لكنها ليست مستعدة لاستثمار ولو مبالغ صغيرة في مجال الترجمة. كما أن الكتاب الذي يترجم يجب أن يكون سعره في متناول كل الطبقات، وهذا ما ليس بحاصل اليوم».

وحين نقول له إن مؤسسات عربية كثيرة باتت حاليا معنية بالترجمة، وإن مشاريع كثيرة ولدت، في السنوات الأخيرة، رصدت لها الميزانيات في السنوات الأخيرة، يجيب الناهي: «هذا صحيح، لكن في كل مشروع هناك التجار والمفكرون. وهذه المؤسسات لم تعتمد على الأشخاص المهمومين بالثقافة والتنمية، وبالتالي بقي الثمر قليلا. نحن في المنظمة رفعنا عدد إصداراتنا من 14 كتابا في السنة إلى 50 كتابا والإقبال عليها ممتاز، مما يدل على أن القارئ يبحث عن المفيد والجذاب، وأصبح لدينا بفعل سنوات العمل 120 ألف مصطلح علمي مترجم في شتى المجالات».