انتخابات الأندية الأدبية.. نجحت العملية ومات المريض؟

بعض أعضائها يحنون لنظام التعيين

أعضاء جمعية عمومية في أحد الأندية الأدبية
TT

السجال حول التجربة الانتخابية في الأندية الأدبية بالسعودية، لا يزال على أشده، فهذه التجربة على حداثتها الزمنية أفرزت سجالا لا ينتهي داخل الكثير من الأندية، بل إن الخلافات التي أعقبتها شلت عمل عدد من الأندية، وأحدثت شرخا بين المثقفين، وتسببت في قطيعة بين الكثير منهم والإدارات المنتخبة.

أراد المثقفون الانتخابات طريقا لتكريس دورهم، وأرادتها وزارة الثقافة وسيلة لتخفيف المركزية وتحميل المثقفين مسؤولياتهم، لكن ما وقع أمر مختلف. فقد أفرزت التجارب الانتخابية واقعا ثقافيا جديدا يكرس الشللية والجهوية، ويشعل فتيل المشكلات والانقسامات بين أوساط المثقفين، التي وصلت في بعضها إلى قاعات المحاكم.

عدد من الأندية شهد مشاكل عاصفة بعد الانتخابات حلت بسببها مجالس الإدارات، واستقال آخرون، وراحت قضايا المخاصمة للمحاكم.. بين الأندية التي شهدت خلافات جراء الانتخابات: نادي الشرقية الأدبي، ونادي الأحساء الأدبي، ونادي أبها الأدبي.. ولم تسلم أندية أخرى من عقبات إدارية، ومشاحنات بين الأعضاء. وما زال نادي الشرقية الأدبي يواجه قضايا في المحاكم.

هذه المعضلات دفعت الرئيس السابق للأندية الأدبية حسين بافقيه، للاستقالة كما استقال قبله مسؤولون آخرون.

فهل كانت الانتخابات جرعة زائدة عن طاقة المثقفين.. أم أنها تجربة ما زالت في بدايتها وتحتاج إلى مزيد من الإنضاج والممارسة..؟ وهل البديل عن هذه المشكلات الناشئة العودة مجددا لحضن الوزارة الذي لم تفارقه مجالس الإدارات حتى بعد الانتخابات؟

* الزهراني: لا عودة للوراء

* في البدء، يقر الشاعر حسن الزهراني، رئيس نادي الباحة الأدبي، ببعض الأخطاء، التي واكبت تجربة الانتخابات، لكنها برأيه تبقى تجربة رائدة، ولا بد من دعمها لترسيخ ثقافة الانتخابات، وبمرور الأيام تبرأ من كل عيب أصابها في مرحلة من مراحلها الأولى، مؤكدا أن «لا أحد يحن لنظام التعيين مجددا بسبب فشل الانتخابات في تحقيق هدفها».

وقال الزهراني: «أستبعد العودة لتعيين مجالس إدارات الأندية الأدبية، ولا أرى أنها مجدية، كما لا أرى عودة هذه الثقافة الكلاسيكية في يوم من الأيام، وبالتالي لا عودة للوراء».

وأضاف: «بدأنا عبر الانتخابات السير على الطريق الصحيح، ولكن للأسف فإن المجتمع العربي بشكل عام مجتمع متعجل ويريد نجاح التجربة الأولى، ومن وجهة نظري فإن تجربة الانتخابات تحتاج إلى ثلاث أو أربع جولات على الأقل لتؤسس لانتخابات ناجحة ومبرأة من كل عيب بعد 12 عاما على الأقل من إطلاقها».

واعتبر الزهراني أن التجربة الأولى لانتخابات الأندية مع كل ما صاحبها من أخطاء، تؤسس لمرحلة انتخابية بعدها يجري فيها تلافي بعض الأخطاء. وأضاف: «من سبقنا في الممارسة الانتخابية لا بد أنه مر بمثل هذه المراحل، واستفاد من أخطائه السابقة في تصحيح أخطاء اليوم، وبالتالي لا بد من أن نكون عقلانيين ونتقبل التجارب بأخطائها والمغامرة، وللأسف البعض لا يريد أن يغامر بل يريد بقاء ما هو عليه دون تطوير وتجديد».

* جرابا: إنها الشللية

* الشاعر عيسى جرابا، الحائز أخيرا جائزة سوق عكاظ، يشارك في هذا الجدل بالقول إن تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية لم تقم على آليات واضحة ونزيهة، وبالتالي كانت النتائج غير واضحة ومرضية لكل الأطياف. وأضاف: «ما جرى بعد الانتخابات من أشكال التخبط والضياع والاحتقان الثقافي لم يسلم منه أي ناد، وكل ذلك دليل على الخطأ الكبير الذي قامت عليه الانتخابات، وما قام على باطل فهو باطل».

وبرأي جرابا، فإن تعيين أو انتخاب أعضاء إدارات الأندية الأدبية «كلاهما يفضي إلى تكليف مجموعة بعمل ما يتقاربون فيه ويغلبون المصلحة العامة لإنجاحه، أو هكذا يفترض، وفي كل مجتمع رجال وطنيون من أهل الثقافة لا تخطئهم العين، لكن أخطأتهم الشللية والمصالح الضيقة والأنا المتجذرة في دواخل المثقفين بكل عيوبها، مما أفرز واقعا سيئا يبرهن على ضيق أخلاق الرجال، وما دام هناك شللية مهيمنة واضحة، فكلتا الوسيلتين ستفشل لا محالة».

ويعتقد جرابا أن المطلوب من أجل إجراء عملية تصحيحية وإنجاح تجربة الانتخابات، اتباع آلية محددة تعزز مبادئ النزاهة والمصداقية والوضوح، باعتبارها كفيلة بتصحيح تجربة الانتخابات، بجانب إعداد لائحة نظامية وليست تنظيمية لقفل باب الخروقات والتجاوزات من قبل ضعاف النفوس، على حد تعبيره.

* أكرم: ترسيخ الفئوية

* أما الشاعر فيصل أكرم، فقال: «حال الانتخابات في الأندية الأدبية تجسدها مقولة «نجحت العملية وتوفي المريض»، وأعني أن الانتخابات نجحت كون أنها جاءت بمن صوتت له الأغلبية، ولكن كانت النتيجة فوز عدد ممن ليست لهم علاقة ألبتة بالأدب والإبداع لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك لا تستبعد إن وجدت بينهم مأذون أنكحة شرعي على سبيل المثال».

وأضاف أن غالبية الذين فازوا بأصوات الانتخابات تدخلت في فوزهم عوامل بعضها يعود للشلليات أو العلاقات الشخصية، مبينا أنه حتى الذين جاءوا إليها من الجامعات لم يكونوا وثيقي الصلة بالإنتاج الأدبي والإبداعي.

ولفت أكرم إلى أن الانتخابات، تتجلى سوءتها في أنها رسخت للقبلية والجهوية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في عرقلة الرسالة السامية التي أجريت من أجلها الانتخابات، مما نجم عنه مشاكل ظهرت في أكثر من ناد أدبي فور فرز الأصوات وتكوين المكاتب ومجلس الإدارة.

وقال: «الأديب الحقيقي في العادة تجده بعيدا عن المؤسسات الثقافية.. وأصبحت الأندية الأدبية تمثل مكانا مناسبا فقط للبراعم من المبدعين والموهوبين وأصحاب الخواطر، غير أنها لا تضيف شيئا للمبدع الناضج الحقيقي».

أما الانتخابات، فإنها، برأي أكرم، لا تمثل أي إضافة للنادي الأدبي، فـ«النادي ليس المكان المناسب حتى الآن لإدارة وصناعة الإبداع، وما يصرف فيها من مال يذهب للأسفار للمشاركات التي لا تحتكم لأي معايير، والنتيجة ضياع أموال الدولة بلا معيار محكم»، مشددا على أن الأندية في غنى عن العملية الانتخابية برمتها، مطالبا بالاكتفاء بمسألة التعيين لإداريين أكفاء.

* الوافي: نظرية لم تتم

* ويرى الشاعر إبراهيم الوافي أن تجربة انتخابات الأندية الأدبية، لم تستطع تحقيق نظرية الانتخاب الحقيقية التي تفترض وضوح البرامج والخطط وجدولتها زمنيا من قبل فريق عمل كامل، متوافق في رؤاه وخططه ومتفق عليها.

وقال: «التجربة الانتخابية لم تقنع الآخرين من بقية أعضاء الجمعية العمومية بها، وخاصة في البرامج والخطط، التي في ضوئها ينتخبون الأعضاء ويحاسبونهم عليها، وبالتالي لا تعد الشللية هنا عائقا، وعليه نحن بحاجة لفريق عمل متكامل لا يتعارض ولا يتصادم، بل يأخذ زمنه وفق خطة مقنعة وواضحة لا يحيد عنها ولا يتصادم معها».

ولفت إلى أن هذه الآلية تحديدا، ستفتح الأبواب لكل التيارات والتوجهات لتأخذ زمنها وفرصتها، ومن ثم تحاسب على ما جرى الانتخاب بموجبه، مؤكدا في الوقت نفسه أن طريقة التعيين القديمة «لا يمكن أن يحن إليها أحد من المثقفين حينما ينشدون المدنية والتصالح في الاختلاف».

وأضاف الوافي: «إن أزمة الفشل في التجربة، تأتي بسب عدم وضوح البرامج والخطط من جهة ووجود أعضاء مختلفين في توجهاتهم وآرائهم داخل مجلس الإدارة الواحد، وهذا هو التفسير الواضح لفشل تجربة الانتخاب في كثير من الأندية الأدبية كما أظن».