محمد المر: الحكومة ترعى الأنشطة الثقافية لكنها لا تحتكرها

«دبي قادمة» تظاهرة ثقافية تنظم في إطار التحضير لفعاليات «معرض إكسبو العالمي 2020»

د. محمد المر
TT

الدكتور محمد أحمد المر هو أول أديب إماراتي جرى انتخابه رئيسا لـ«المجلس الوطني الاتحادي» عام 2011. شغل عدة مناصب مهمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فكان رئيس مجلس دبي الثقافي من عام 2004 إلى عام 2008 وعضوا في «الجائزة العالمية للرواية» عام 2009، كما شغل عدة مناصب؛ منها رئاسة تحرير «البيان» و«الخليج تايمز» بالإنجليزية. وهو حاليا نائب «هيئة دبي للثقافة والفنون» وعضو في الهيئة الاستشارية لجائزة زايد للكتاب.

لديه 13 مجموعة قصصية مستوحاة من البيئة الخليجية؛ منها: «فيضان قلب»، و«حب من نوع آخر»، و«قرة العين»، وكتاب بعنوان «كلام الناس»، وهو دراسة عن لهجة الإمارات. حائز جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب عام 2006 عن فئة الآداب. التقيناه على هامش فعاليات معرض «دبي قادمة» الذي نظم في معهد العالم العربي بباريس في إطار حملة الدفاع عن ترشيح دبي لاستضافة المعرض الدولي «إكسبو» لعام 2020. وكان هذا الحوار:

* «دبي قادمة»، تظاهرة ثقافية تنظم في إطار التحضير لفعاليات معرض «إكسبو» العالمي 2020 الذي قدمت فيه «دبي» ترشيحها، كيف تصفون التحديات التي يجسدها هذا الموعد؟

- تحديات عظيمة، لكننا جاهزون لهذا الموعد، ولدينا من الإمكانات ما يجعلنا نتفاءل. فالإمارات رغم كونها دولة فتية فإنها نجحت في ظرف عقد من الزمن في الوصول لبناء أحدث المرافق الحيوية التي تنافس بها أعظم الدول. اكتسبنا خبرة في تنظيم المعارض الفنية والثقافية الكبيرة: «مهرجان دبي السينمائي»، «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، «معرض دبي الفني»، «بينالي الشارقة»، «معرض الكتاب»، «معرض الطفل».. إلخ. لدينا شركتا «طيران الإمارات» و«الاتحاد» المعروفتان بمستوى خدماتهما الجيد، ولدينا موقع جغرافي متميز واستقرار سياسي، وهي كلها عوامل ستساعدنا بإذن الله على الحصول على شرف تنظيم هذه التظاهرة العالمية.

* فعاليات المعرض نظمت في باريس بمشاركة شخصيات فرنسية كوزير الثقافة السابق جاك لانغ وفنانين كالمصور المعروف ماتن بيكا، ما سر التعاون الذي يجمع البلدين في المجال الثقافي؟

- فرنسا، وعاصمتها باريس، وجهة رائدة في مجال الفن والثقافة بمتاحفها ومسارحها ومكتباتها ومعالمها الرائعة، وبما أننا في الإمارات العربية نهتم بتنمية قطاعنا الثقافي فقد عملنا طبيعيا على تكثيف تعاوننا مع فرنسا والاستفادة من خبرة كوادرها ومواهبها عبر مشاريع تربوية علمية مشتركة كمشروع «سوربون أبوظبي» و«المعهد الفرنسي»، ومشاريع ثقافية فنية كمشروع «لوفر الرمال»، ومشاريع أخرى كثيرة، وما سهل الأمور أكثر أن العلاقات السياسية بين البلدين إيجابية، بل ومتميزة أيضا منذ أربع عقود، كما أن وجودنا هنا في فرنسا يأتي في إطار الدعم الذي تقدمه فرنسا لملف دولة الإمارات لاستضافة «معرض إكسبو الدولي 2020» وخطوة قوية لدعوة أكبر عدد من الأصوات لدعم ترشح دبي.

* تشهد دبي انتعاشا ثقافيا واقتصاديا متميزا تحت شعار «الانفتاح على العالم»، ماذا يمثل هذا التحدي بالنسبة لكم؟ هل هو الإعلان عن هوية جديدة لدبي؟

- دبي مدينة منفتحة على العالم وعلى ثقافة الآخر وعلى كل ما يفيد البشرية من تطور في جميع المجالات، ولذا فهي نموذج منفرد في المنطقة كلها. هناك أكثر من 200 جنسية مختلفة تعمل ويتعايش بعضها مع بعض بسلام، وهي ثمرة قناعاتنا بما يجب أن تكون عليه مجتمعاتنا الحالية: متسامحة ومحترمة لمبدأ التنوع الثقافي.

* بعد سنوات من تأسيس «هيئة دبي للثقافة والفنون»، هل لكم أن تحدثونا عن إنجازاتها؟

- منذ تأسيسها عام 2008 برعاية سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اهتمت «هيئة الثقافة والفنون» بدعم الحركة الفنية والثقافية وتشجيع الفنانين والمبدعين، وخاصة الشباب منهم دون تمييز، وانطلاقا من قناعتنا بأن دعم القطاع الثقافي يمثل محورا أساسيا في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها دبي ودولة الإمارات العربية.

* لماذا هذا الاهتمام الكبير بالقطاع الثقافي؟

- نحن مقتنعون بأن درجة تقدم وتحضر الشعوب تقاس أيضا بتطور قطاعها الثقافي، لكن هذا لا يعني أبدا أن الحكومة تحتكر الثقافة، بل إنها تترك المجال مفتوحا أمام المجتمع المدني والأفراد للمساهمة بدورهم في بناء الصرح والأمثلة كثيرة: كـ«مؤسسة سلطان العويس الثقافية» التي تمنح جوائز للمبدعين العرب في مجال الشعر والأدب والمسرح كل سنتين، و«مؤسسة جمعة الماجد للثقافة والتراث» من إنشاء رجل أعمال ناجح وأحد رجال الثقافة والعمل الخيري وهي تحوي أكثر من 5000 ألف مجلد وتعتبر مركزا مهما لكل الباحثين عن مخطوطة نادرة، حيث إنها مجهزة بقاعدة معلوماتية هي الأكبر في المنطقة.

* كيف تنسجم الخصوصية المحلية مع الانفتاح الثقافي الذي تشهده دبي؟ ألا تخشون أمام هذا الكم الهائل من التنوع الثقافي من طمس الثقافة المحلية الإماراتية؟

- التنوع الثقافي لا يتعارض مع الثقافة المحلية بل يكملها ويثريها، وفنانونا خاصة الشباب منهم يحصلون على رعاية ودعم خاص. انظروا حولكم سترون الكم الهائل من اللوحات والأعمال الفنية المستوحاة من واقع المجتمع الإماراتي، أما الإشكاليات الأخرى فهي مشتركة بين كل الفنانين الذين هم بشر قبل أي شيء. فالفن يتعدى حدود الوطن: قضايا التلوث، المجاعة، الحروب.. هي تعنينا كلنا والمبدعون في الإمارات كغيرهم يجمعون بين المحلية والعالمية.

* أخيرا، جرى الإعلان عن مشروع «خور دبي الثقافي» كأحد روافد التنمية الثقافية. إلى أين وصل المشروع؟ وما المغزى منه؟

- مشروع «خور دبي الثقافي» سيضم مباني مصممة بطراز معماري محلي، سيجري بناء عدة مسارح وغاليريهات فنية ومتاحف ووحدات سكنية للفنانين ومراس للسفن والقوارب. وهو يتم تحت إشراف «هيئة الثقافة والفنون» وبرعاية من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ويهدف في مجمله إلى الحفاظ على التراث والإرث الثقافي لشعب الإمارات ككل والتأسيس لبيئة حضارية وثقافية تتبنى وترعى الطاقات الفكرية والفنية والإبداعية التي تسهم في حماية قيمنا وتراثنا، وفي نفس الوقت الوصول إلى تحقيق مزيج حضاري متجانس. المشروع الآن قيد التنفيذ وقد جرى الانتهاء من الإجراءات الإدارية التي أخذت وقتا طويلا، إضافة إلى طبوغرافيا المكان، وقد حرصت «بلدية دبي» على إرساء قواعد صارمة للحفاظ على الطابع التراثي لهذه المنطقة والسهر على عدم مس المباني القديمة أو المس بالهوية المعمارية لهذه المنطقة. هذه الإجراءات في حد ذاتها معقدة وطويلة، للأسف لم نكتسب بعد في مجتمعاتنا المهنية اللازمة لتفعيل الإجراءات الإدارية.

* نسمع في الإعلام الغربي عن منافسة بين أبوظبي ودبي لمن تكون الأكثر إشعاعا، حيث قيل مثلا إن مشروع «خور دبي» هو رد على مشروع «السعيديات»، فأين الحقيقة؟

- ما يوجد بين أبوظبي ودبي والإمارات الأخرى هو تكامل حقيقي وليس منافسة. الدليل، أن إطلاق كل مشروع يجري بالتنسيق وبمراعاة المشاريع الأخرى حتى يأخذ كل واحد حظه من النجاح. أعطيك مثالا بسيطا: معرض الكتاب في أبوظبي ينظم في شهر أبريل (نيسان)، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بالشارقة، أما في دبي ففي شهر مارس (آذار) وهكذا حتى تأخذ كل تظاهرة حقها.

* المشاريع الكثيرة التي تحضر لها الإمارات ستمنحها مكانة خاصة بوصفها واجهة جديدة للفن والثقافة إقليميا ودوليا، ماذا تردون على من يعتبرها استثمارية بحتة؟

- المبدعون كغيرهم محتاجون للإمكانات المادية للاستمرار في نشاطهم، وما يجب التركيز عليه هو أن دبي أصبحت نافذة للفن العربي وهذا في ظرف سنوات قليلة. فمنذ ثماني سنوات من تنظيم أول مزاد فني لـ«كريستيز» في مدينة دبي، أشياء كثيرة تغيرت: كثير من الفنانين العرب والأتراك والباكستانيين والإيرانيين أصبحت لهم واجهة وسوق يبيعون فيها أعمالهم ويعرفهم من خلالها العالم، في الوقت الذي كانت فيه المؤسسات الغربية مغلقة في وجوههم. هذه الظاهرة أنعشت السوق الفنية وخلقت ديناميكية جديدة لعبت فيها دبي دور الرابط بين الحركة الفنية العربية والآسيوية الجديدة وباقي دول العالم.