الطغاة ليسوا سعداء

فاضل السلطاني

فاضل السلطاني
TT

شيء مفرح أن يُطبع من كتاب باللغة العربية 43 ألف نسخة. الكتاب هو «السعادة» لنيكولاس وايت، الذي نشره «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» الكويتي، بترجمة جيدة لسعيد توفيق. وعلينا أن ننتظر إذا كانت نسخ الكتاب ستنفد، إذ لم يمض على صدوره سوى شهر واحد. ولكننا نتوقع أن تنفد سريعا، وربما يعاد طبعه مرات عدة، وربما بسبب عنوانه المغري؛ فالناس لم تعد تبحث سوى عن شيء واحد: السعادة. بعدما شبعت شقاء وقهرا.

ولكن لا شيء هناك في الكتاب مما يمكن أن يقودنا إلى السعادة، أو يضع لنا إشارات على طريقها الطويل، المتعرج، المتشابك، للوصول إليها، ولو بعد ألف حياة. بل لم يقدم لنا الكتاب حتى تعريفا لها. أو بالأحرى قدم لنا عشرات التعريفات التي يعارض بعضها بعضا، حتى شوش علينا فهمنا البسيط للسعادة. أو ربما هذا هو الغرض من الكتاب.. إنه لا يمكن أن يوجد تعريف أو مفهوم محدد للسعادة؟ يبدو أن الأمر كذلك. ولكي يتوصل إلى هذه النتيجة، كان لا بد للمؤلف نيكولاس وايت أن يقدم لنا، أولا، تاريخ السعادة، أو مفهوم السعادة تاريخيا، من الفلاسفة الثلاثة العظماء؛ سقراط، وتلميذه أفلاطون، خاصة في جمهوريته الفاضلة، وخاصة محاورته الشهيرة مع جورجياس السفسطائي اليوناني، وصولا إلى أرسطو، تلميذ أفلاطون، الذي عارضه فيما بعد في مفهومه للسعادة، معتبرا إياها «السعي وراء غاية دائمة، وهذه الغاية تتمثل في أفضل صورها في تحقق التميز العقلي النظري من خلال التفكير البشري». وبذلك، حصر هذا المفهوم بالفلاسفة فقط، حارما منها البشر العاديين. ثم نصل إلى العصر اللاحق، مع أوغسطين والأكويني وليبنتس وإسبينوزا، الذين أضفوا على السعادة طابعا دينيا مستمدا من مفهوم الكمال الإلهي، وكمال العالم الذي خلقه الله.

وقبل أن نصل إلى العصر الحديث، يعرض لنا المؤلف آراء الرواقيين والأبيقوريين الذين نظروا إلى السعادة على أنها «العيش على وفاق مع الطبيعة». ولم يفعل ديكارت وهربرت سبنسر ولوك وشافتيسري أكثر من إعادة الأفكار القديمة حول السعادة، أو استخدام عناصر جوهرية منها.

وحديثا، لم يفعل فرويد، على سبيل المثال، شيئا سوى القول: «ما الذي يطلبه الناس من الحياة، ويودون تحقيقه فيها؟ إن الإجابة عن هذا السؤال جلية، بحيث يصعب الشك فيها. فالناس يكافحون من أجل سعادتهم. إنهم يريدون أن يكونوا سعداء، وأن يبقوا على هذا النحو»، من دون أن يقول لنا ما طبيعة هذه السعادة التي يريدها الناس، ويكافحون من أجلها؟ أهي الثروة، الحب، اللذة، الصحة، السلطة، فعل الخير، إشباع الرغبات؟ أم كلها جميعا، لأن السعادة ليست عنصرا واحدا؟

ويبدو عموما أن كل المفاهيم التي استعرضها الكتاب لعشرات الفلاسفة لم تتجاوز طروحات المعلم الأول: أفلاطون، الذي رأى، ببساطة، أن السعادة الحقيقية تكمن في التوفيق بين الرغبات، التي يجب أن لا تتعارض مع بعضها، والأهداف، وقد تكون هذه الأهداف قريبة أو بعيدة المدى. بمعنى آخر، تكمن السعادة في مدى انسجام الشخصية مع ذاتها. ومن هنا يستنتج أفلاطون أن الطاغية ليس سعيدا، فسجين البيت هذا، بلغة أفلاطون، أو سجين القصر، بلغتنا الحديثة، هو شخصية ممتلئة بحشد من المخاوف والشهوات، والشراهة والنهم. إن تعاسته تعود إلى كون رغباته يعوق بعضها بعضا. ولكن هل يعرف الطاغية هذه الحقيقة؟

ومع ذلك، يبدو أن الفلاسفة عموما، كما يستنتج نيكولاس وايت، سيئون، فنصائحهم فيما يتعلق بالكيفية التي تمكننا من أن نكون سعداء ليست بأفضل حال على الإطلاق، إن لم تكن أسوأ، من النصيحة التي يقدمها الإنسان العادي.