فهد المصبح: لم يكتب أحد بعد رواية تحدث الفرق

يرى أن القصة أم الفنون الأدبية وهي تسبق الشعر

فهد المصبح (تصوير: يوسف الدبيس)
TT

منذ نحو ربع قرن، والقاص السعودي فهد المصبح يقف حارسا على بوابة السرد. يثبت أقدامه في فضاء القصة القصيرة التي يعتبرها «أم الفنون الأدبية»، حتى هجرته المتأخرة لعالم الرواية جاءت امتدادا لمرحلة الحكاية الأكثر تفصيلا، والبوح المثخن بالتفاصيل، حين عجزت القصة مساحة وفضاء عن استيعابها.

أصدر المصبح نحو تسع مجموعات قصصية، ومنذ نحو ربع قرن وهو مشتغل بالقصة القصيرة، قبل أن يكتشف عالم الرواية، التي اتجه إليها في عام 2008 عندما أصدر روايته الأولى «الأوصياء»، بعد سبع مجموعات قصصية هي: «صاحب السيارة البرتقالية» عام 1988، «للدموع لغة أخرى» عام 1994، «الآنسة أولين»، «السيول الجافة» عام 2001، «رداء الذاكرة» عام 2002، «الزجاج وحروف النافذة» عام 2004، «المعلقة» عام 2007.

هذا الشغف بالقصة، ليس وليد الصدفة. فهو يعدها حجر الزاوية في المنتجات الأدبية، حيث يقول فهد المصبح، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، عن رؤيته لمكانة القصة في قائمة المنتجات الأدبية، بالقول: إن القصة تشكل أسا قويا وأساسيا في القائمة الأدبية، وهي تسبق الشعر عكس ما تعتقد الغالبية، فمثلا نحن نقول قصة هذه القصيدة أو اللوحة أو المسرحية أو الأغنية ولكننا لا نقول قصة هذه القصة لأن القصة هي الأساس الأول، والحياة قصة قبل كل شيء.

ويضيف: «إن القصة تكفي - بلا شك - عما سواها، لكن هذا يأتي حسب قدرات الشخص نفسه وما وهبه الله».

عبد الله النصر، الذي قدم قراءة لأعمال المصبح في نادي الأحساء الأدبي، الشهر الماضي، يرى أن نصوص المصبح «معبرة تحكي عن حال من تمكنت منهم ضغوطات الحياة والفقر، وترصد زمنا منسيا أو يكاد يطويه النسيان لأناس بسطاء بذاكرة شفاهية وعميقة تصور حالات البؤس التي يعيشها الإنسان في المجتمع المحلي والعربي بنحو عام».

يضيف المصبح: «من خلال اطلاعي على أغلب أعماله، يراهن دائما على الفن القصصي باعتباره هاجسا إنسانيا نبيلا يحقق معادلة المتعة والفائدة معا. وقد تكاملت في عمله شروط الدهشة والجنون وإرباك القارئ ليكون جزءا من العمل. قصص فهد المصبح القصيرة التي لا تتعدى أحيانا خمسة عشر سطرا، تعيد تصوير الحياة، وإنتاج واقعها المعاش، باحتواء أحداثه، وأمكنته الشاملة على تفاصيله الصغيرة».

الناقد المصري عبد الله السمطي، بعد أن قدم دراسة نقدية لمجموعة فهد المصبح «رداء الذاكرة» في كتابه «نسيج الإبداع: دراسات في الخطاب الأدبي السعودي الجديد»، (دار المفردات، 2003). لاحظ أن «هناك أمرين بارزين لدى المصبح الأول وقوعه في التداعي السردي، والاستطراد غير المطلوب أحيانا في نص قصصي حديث (..) ويخلط المصبح أحيانا بين مستويات اللغة العامية واللغة الفصحى دون إيضاح ذلك، أو تبيينه كأسلوب لكتابة القاص». لكنه يضيف: «مع ذلك، فإن فهد المصبح يقدم نمطا من القصة يحتاج إلى كثير من التأمل، والبحث عن الغرابة اليومية الكامنة في درامية الحياة، وهو حين يسرد إنما يخبئ خلف سرداته عوالم مكثفة تحتاج للكثير من التأويل، والكثير من الهجس بما تحويه النصوص، والقلق من الجهد لمتابعة التلقي الشفيف للنصوص ودلالاتها السردية الوريفة».

* السرد والتراث

* ومن يقرأ قصص المصبح، يجد إيغالا في توظيف التراث والانحياز للمكان، فهو يقول إن أغلب قصصه التي كتبها بشفافية تامة، مصدرها «جدتي، ملهمتي الأولى، في صوغ حكاياتي الكثيرة، خاصة في مجموعتي ما قبل الأخيرة (رداء الذاكرة)، والتي سيطرت عليها بشكل يكاد يكون شبه كامل».

وبشأن توظيف التراث في أعماله القصصية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «توظيف التراث يأتي عفويا غير متكلف، حتى يكون جميلا غير محشور حشرا في العمل ولا يبدو كالورم أو الزائدة».

ولكن ماذا بشأن ارتباط القصة بالأحداث الراهنة؟، يقول المصبح: «لا أنصح أو أحبذ الكتابة عن أحداث معينة مباشرة في حينها لأنها ستكون رد فعل لا أكثر».

أما في الرواية، فله بالإضافة إلى «الأوصياء»، الصادرة عن دار «الانتشار العربي» والواقعة في 181 صفحة، ثلاث روايات أخرى (تحت الطبع) هي: «النهام» «المدلـك»، «عزبة الحساوية». يقول القاص محمد البشير عن رواية «الأوصياء» إنها «تجسد الحارة المحلية في بعدها الزماني والمكاني. فهي زمانيا تتحدث بداية عن الفترة التي يطلق عليها في الأحساء والخليج بـ(سنة الرحمة) بداية القرن الماضي، وتمتد أحداث الرواية حتى الستينات الميلادية. وأما البعد المكاني فهو محصور بالأحساء، خصوصا من خلال ما نقرأه من عادات وتقاليد وبيئة». ويضيف: «إنها رواية حكتها سعفات النخيل حين توشوش في أذن السامر، فالنخلة التي كرعت من عرق (شبيب) حين تشبث بها محموما بعد الخطيئة. هي ذاتها من روت حكايته حين صعد إليها متتلمذا على يد عيسى زوج منور. لقد أبصرنا في رواية المصبح عددا هائلا من الكلمات التي كتبت على جذوع النخيل، وتذكرنا عصرا لم نعشه إلا من خلال ذاكرة الحكواتية، ولأن الحكاية تغيب ما لم توثقها الأوراق، فها نحن أمام سفر يحفظ طرفا من حكاية لم تكتمل، ولأن المصبح ثري برصيد قصصي قدره سبعة مجاميع قصصية ورواية يتيمة، وعبر قفزة نوعية ما بين أول مجموعة قصصية (صاحب السيارة البرتقالية) وآخرها (المعلقة)، فتفاؤلنا يحدونا إلى ترقب روايات مقبلة».

يتحدث فهد المصبح عن اتجاهه الجديد نحو كتابة الرواية، فيقول: «قضيت عمرا في كتابة القصة القصيرة، التي عدها أم الفنون الأدبية. لكن عالم الرواية يمنحني فضاء أكثر رحابة، ومساحة أوسع للبوح. فالرواية تعطيني إمكانية لسرد أوسع، كما أنها تسمح بالاستطراد، والاستعادة (فلاش باك).

يتوقف عند سيل الروايات السعودية، ويرى أن أحدا لم يكتب بعد الرواية التي تحدث الفرق: «هناك تجارب محلية ناضجة، ومعها عشرات التجارب الجديدة التي تقترب من العمل الروائي، لكن التجربة الروائية المحلية ما زالت في طورها الأول».

وإذا كانت رواية «الأوصياء» تحكي قصة الأحساء، فإن رواية «النهام» تقترب أكثر من رواية سيرة مدينة الدمام، فهي تتناول الحياة الاجتماعية في هذه المدينة الساحلية التي شهدت في السبعينات والثمانينات تحولا اقتصاديا هائلا سمح بقدوم مئات الآلاف من السعوديين إليها.

يقول المصبح: «رواية (النهام) تتناول قصة نشوء الدمام وتكون الحارات القديمة، التي تحتضن إحدى الشقق فيها أربعة من الشباب يمثلون التحولات التي مرت بهذه المنطقة، والرواية تعبق بنكهة البحر ونكهة الأحياء القديمة». زمان هذه الرواية هو بداية الثمانينات الميلادية، وهي تختلف عن «الأوصياء»، بتعدد الشخوص والأبطال، ومن بين موضوعاتها نشوء أجهزة الرقابة الدينية.

وتعد رواية «عزبة الحساوية» امتدادا لرواية «النهام»، بخلاف رواية «المدلـك» التي تقترب أكثر من فن الفانتازيا.