دور الحرية والحوار في تحقق الهوية

الهوية الثقافية للمسرح تتصدر جلسات المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي في الشارقة

TT

اختتمت أخيرا في الشارقة جلسات المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي في دورته السادسة التي عقدت في الشارقة بين 10 - 16 يناير (كانون الثاني) الحالي، والذي تضمن المحاور التالية: المسرح والهويات الثقافية. والريادة في تأليف النص المسرحي العربي. ونقد التجربة - همزة وصل: المسرح الإماراتي. وكذلك تجارب في التأليف والإخراج والتمثيل، والهياكل المسرحية.

والورقة التالية للمخرج المسرحي غنام غنام، والمسؤول الإعلامي في هذا المهرجان ترصد محورين من محاور الندوة الفكرية، وتركز على أهمية الحوار دور المسرح في تشكيل الهويات الثقافية.

يكتسب سؤال الهوية (القديم الجديد) أهمية في طرحه لناحية تعرض الهويات إلى التآكل والذوبان في العولمة التي يحتاج التفاعل الإيجابي فيها، وضوحا أعلى لمفهوم الهوية الخاصة. إن ثبات مفهوم الهوية الحضارية وتحرك مضمونها، يجعل من طرح السؤال فيها شأنا يزاد أهمية في ظروف تعصف فيها رياح التغيير.

كما يشكل التناسج الحضاري حالة من حالات إعادة الإنتاج لمحتوى الهوية في المسرح. وتبرز الحضارة حاضنا أساسيا لتشكل مفهوم الهوية التي لا ينتجها الأفراد، إنما هي نتاج حضارة جماعية.

ويقف الأفراد المبدعون في مقدمة عوامل التأثير في الهوية، إذ يمتلكون التأثير والتكثيف والعبور الزمكاني للتجاوز من خلالهم المعارف الإنسانية.

* الهوية والحوار

تتقدم الدراما الشعبية للمقدمة حين يطرح سؤال الهوية. التعصب العنصري والطائفي والكراهية تعمل ضد مفهوم الهوية وتشكل خطورة عليها.. ولتتشكل الهوية لا بد من الحوار، وللحوار لا بد من تحديد عقلاني، والعقلانية لا بد لها من فهم الذات من أجل فهم الآخر، وفهم الآخر لا بد له من احترام حقوقه، وهذا كله مدعاة للتعاون، وهذه كلها مجتمعة تأتيك بالمسرح ويأتيك المسرح بها.

إننا الآن وفي ظل الأوضاع المضطربة أحوج ما نكون إلى ثقافة الحوار. يشكل الحوار اللحظة الأنسب، والنقطة الأقرب للحسم فيما يختلف عليه، والارتقاء نحو سدة الحقيقة. والحقيقة تاريخ وجغرافيا وإنسان، والحقيقة من مظاهر الحضارة إذ تحترم، وهي التي يسعى إليها المسرح بكل جرأة.

يمكن للمسرح أن يكون المقياس والمسبار، لتحقق الهوية، فالمسرح استكناه واستبصار، استذكار واختبار، وهو القادر على أن يخترق ويجمع الأزمان، ويرحل في البلدان دون أن يبرح مكانه، وهو القادر على أن يصوغ شخصية الخطاب، إنه حوار.

الإنصات الجيد: فالإنصات باب من أبواب المعرفة الحقة، فبالإنصات إلى صوت الواقع المعاش، وقراءة الذات، ومعرفة الذات، سيدة المعارف، وبوابة لمعرفة الآخر.

كما يجب الاعتناء بالهويات كافة، وجودا وحماية، واقترابا، وتناسجا، نحو تحقيق هوية أشمل للإنسان. فكلما علت العين المبصرة المشهد، تضاءلت المسافة الفاصلة بين الكائنات بين بعضها حد التلاشي، والفاصلة بين الأماكن حد التماهي. بينما تتسع المسافة والهوة كلما انخفضت تلك العين، ويبلغ البون والبين أقصاه حين تصبح هذه العين عند نقطة الصفر، ومن هنا نجد المسرح كلي الرؤية، ممعنا في التفاصيل، مذهبه الحوار، دون اعتداء أو إلغاء أو إقصاء.

* نقد التجربة: المسرح الإماراتي

المحور الثاني للندوة الفكرية لمهرجان هذا العام، كان: نقد التجربة - همزة وصل: المسرح الإماراتي، حيث لا يجد المتتبع للمشهد المسرحي في دولة الإمارات العربية المتحدة، صعوبة في قراءة تفاصيل هذا المشهد، الذي تميزه، من بينها:

توفر الحركة الثقافية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص على وجود الاهتمام الرسمي، المتمثل بوجود هيئات وطنية للثقافة.

وتوفر الحركة المسرحية على هياكل مسرحية رسمية، وغير رسمية تتمثل بالجمعيات والفرق المحترفة. ففي كل إمارة هيئة أو دائرة للثقافة بينما يصل عدد الجمعيات والفرق المسرحية إلى 18 فرقة.

وتوافر الحركة المسرحية على هياكل تعنى بالمسرح لكل الفئات العمرية، الطفل، المدرسي، الجامعي، الشباب، الكشفي، وهذا يجعل المسرح في متناول الإنسان الإماراتي في كل المراحل، وانعقاد تسعة مهرجانات سنويا للمسرح، طفل، مدرسي، جامعي، شباب، محترفون، كشفي، قصيرة، مونودراما، إضافة إلى مهرجان الشارقة الخليجي الذي سينطلق هذا العام.

توافر المسرح في الإمارات على فرصة سانحة تتمثل بوجود رجل مسرح على سدة الحكم والقرار، الأمر الذي وفر مناخا حيويا للانطلاق وللصعود والانتشار. يسجل لهذه التجارب الهيكلية استفادتها من التنوع الاجتماعي المتوفر في الدولة.

ويسجل على التجارب التي تم تناولها سواء شخصية أو هيكلية عيب موسميتها، أي أن ضمانة عملها هو استمرار المواسم، فيما لا تشكل هي الضمانة والدافع لاستمرار المواسم، وهذه نقطة يجب الالتفات إليها.

ويسجل أيضا على هذه التجارب والهياكل انبتاتها البيني، فهي تعمل في مكان واحد وزمن واحد، دون التنسيق فيما بينها، وغيابه يجعل النتيجة تتحوصل في حيزها، ولا تجد مصدرها بالآخر السابق ولا امتدادها بالآخر التالي، إلا بالقدر الذي تحققه الجهود الفردية.

ويمكن لهذه التجارب والهياكل الاستفادة الأعلى من التنوع الثقافي المتوفر في بنية المجتمع في الدولة، والتي شكلت حاضنة هامة للبشر من كل جنسيات العالم، ومثلما حملوا معهم طعامهم ومفردات كلامهم وموسيقاهم، وصار لذلك مطاعم ومدارس، أن يتم التخطيط للإدماج والتناسج، بشكل لا يعتدي على الهوية الوطنية، على أن لا يكون الحرص عليها دافعا للانعزال.

إن التجارب الفردية والهيكلية بحاجة إلى التدوين والتوثيق، كما هي بحاجة أعلى للنقد، ويمكن اعتبار هذه الندوة خطوة أولى، تتبعها مواعيد مستمرة تحت العنوان ذاته، لاستكمال نقد التجربة - همزة وصل.

إن السعي لإنجاز استراتيجية المسرح الإماراتي، بشراكة تامة بين القطاعين الأهلي والرسمي، يكتسب أهمية خاصة، إذ يأمل منها وفيها أن تنقل المسرح إلى مستوى متقدم من الهيكلة والتنظيم والإنتاج والترويج، حيث تنتفي إمكانية الانعكاس والانتكاس، وضمن التعامل مع المسرح بصفته مكونا أساسيا من مكونات الهوية الوطنية.