منى الحاج: نعاني من كثرة الشعراء وقلة الشعر

الشاعرة السودانية: «الجنادرية» مهرجان ثقافي وفكري يوفر مساحة لتعزيز الحوار

الشاعرة السودانية منى حسن الحاج (تصوير: مشعل القدير)
TT

منى حسن الحاج، واحدة من الأصوات الشعرية التي كانت حاضرة في أمسيات المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية29». وقد أصدرت إلى الآن ثلاثة دواوين شعرية: «لا أشتهي وطنا سواك»، و«ظل الماء»، و«بدون عنوان». هنا حوار أجريناه معها على هامش مشاركتها في مهرجان «الجنادرية» بالرياض:

* كيف وجدت مهرجان «الجنادرية29»؟

- مهرجان الجنادرية مهرجان ثقافي فكري وحضاري كبير جامع للمثقفين والمفكرين. وهو يمثل مساحة لتلاقح الأفكار والثقافات وتعزيز الحوار والرأي، ولفت نظري أنه جمع بين تيارات مختلفة لا تتبع لجهة واحدة أو مسار وانتماء واحد.

* كنت قد شاركت في مسابقة «أمير الشعراء».. كيف كانت التجربة؟

- شاركت في «أمير الشعراء» عام 2013، وكان عددنا سبعة آلاف شاعر وشاعرة في مرحلتنا الأولى، فرز منه 300 شاعر وشاعرة، ثم جرى اختيار 150 شاعرا. وبعد ذلك وقع الاختيار على 80 منهم حتى دخلنا في مرحلة الارتجال فاختير 50 منهم. وبناء على النصوص المسلمة والارتجال جرى اختيار الـ20 من المتأهلين للدور النهائي، وكنت من بينهم.

وجمعت المسابقة شعراء عربا من المحيط إلى الخليج، وكانت مناسبة لخلق نوع من التواصل بين مختلف الأساليب والمدارس الشعرية، ما يولد لدى الشاعر إثراء يمكن أن يساعد في صقل تجربته.

* نشأت وبرزت موهبتك الشعرية في جدة بالسعودية.. إلى أي مدى تأثرت بالبيئة الحجازية؟

- خلال نشأتي في البيئة الحجازية بجدة تأثرت أولا بالاهتمام باللغة العربية في المناهج الدراسية، فضلا عن أن والدي كان محبا للغة العربية والشعر.

واستفدت من مكتبته التي أتاحت لي فرصة النهل من علوم الثقافة والأدب والفكر، إذ بدأت أقرأ منذ كنت في الصف الثالث دواوين لأبي الطيب المتنبي والبحتري وأبي العلاء المعري وغيرهم، وكان أول بيتين من الشعر كتبتهما وأنا في الصف السادس الابتدائي.

* لاحظنا أن شعرك يزخر بالمفردة السودانية كـ«الرقية» و«الدراويش» وغيرهما.. كيف انعكست البيئة السودانية على شعرك؟

- الشاعر يتأثر ببيئته، ولكن يبقى ثمة معين واحد للتراث العربي ولغة واحدة تطوع في كل بلد عربي حسب بيئته، فالشاعر السوداني متأثر ببعض المكونات الصوفية مثلا حتى وإن لم يكن صوفيا، ولكن تدخل الكلمات هكذا دون قيد أو شرط في البناء الشعري كـ«الحرز» و«الرقية» التي هي من نبع ثقافتنا. بيئة الشاعر تتجلى في لغته الشعرية، وتتسلل إلى أشعاره دون أن يدرك أو يقصد ذلك.

* ما المضامين التي تشغل اهتمامك كشاعرة؟

- أكتب عن كل ما يحرك وجداني كشاعرة وأكتب عن الجمال وعن الحب وعن الحرية والديمقراطية والقيم الإنسانية والأخلاقية، أكتب عن أي موقف إنساني أو مأساوي أو ظلم وقع هنا أو هناك فاستفز مشاعري، ولكنني بالطبع ضد أن يكون الشاعر شاعر مناسبات أو يستكتب عند الطلب.

* كيف تنظرين إلى تصنيف الإبداع إلى ذكوري وأنثوي؟

- أرى أن الشعر الجميل يظل شعرا ويظل صاحبه شاعرا سواء أكان رجلا أو امرأة، ولكن وجدنا أصواتا شعرية نسائية كثيرة حتى الآن حينما تكتب شعرا تكتب بضمير المذكر، وأنا ضد هذا الأسلوب لأي سبب من الأسباب، إذ لدينا للأسف أزمة تلقٍّ في الوطن العربي، وبالتالي أعتقد أن أكبر عيوب المرأة إسقاط نصها الشعري على لسان الشاعر المذكر، وهو ما دفع كثيرا من الكاتبات والشاعرات إلى التخفي أمام اسم مستعار أو التخفي وراء ضمير رجل في القصيدة. أنا أحب أن تأتي القصيدة أنثى وبضميرها.

* هل كتبت شيئا من وحي الربيع العربي؟ هل يمكن أن تكون الأزمات دافعا مباشرا لكتابة الشعر؟

- المثقف الحقيقي لا يعزل نفسه عما يحيط به من أحداث سواء كانت موجعة أو سارة، حيث قضايا وهموم أمته ووطنه وبني الإنسان أينما كان، أو أي من بلاد أمته الكبيرة، فينساب مداد شعره بما يعبر عن حقيقة مشاعره تجاه هذا الموقف أو ذاك. ولا أعتقد أن الشاعر يحضر نفسه لمسألة معينة أو قضية معينة قاصدا الكتابة دون أن تحرك مشاعره، فمثلا عندما اندلع الربيع العربي أكتب لأقف مع الحق وليس للولاء الشخصي، فأقف ضد القتل والعنف والتشريد والظلم والطغيان والتشرذم والطائفية، وذلك لإيماني أن الكلمة الصادقة هي التي تستطيع أن تغير وليست أفواه البنادق ورذاذ الرصاص.

* نلمس مسحة من الحزن في بعض أشعارك.. ما مرد ذلك؟

- الحزن هو ملح حياتنا والحزن صديق الشعراء عموما، ولكن ربما كان لفقد والدي أثر كبير في ظهور هذا الحزن في بعض مفردات أشعاري، خصوصا في ديواني الأول، وربما طبيعة الحزن والوجع تساهم في استفزاز شاعرية الشعراء أكثر من الفرح، ولولا ذلك لما خرج لنا الشاعر أبو الطيب المتنبي.

* ما مستقبل الشعر في ظل الرواية التي تتصدر المشهد الثقافي حاليا؟

- ما يثار عن الشعر والرواية من منافسة بينهما لا معنى له، لأن الشاعر عندما يقرأ الرواية تثريه، وكذلك يفعل الشعر لكاتب الرواية، ويدخل بموجبها كل منهما في جو يولد الآخر.

أنا أعتقد أن هذه المقارنة تأتي من كثرة الشعراء في هذه الفترة مقابل قلة الشعر، وهو ما أنتج أزمة لدى المتلقي لكثر ما جرح ذائقته من شعر يفتقد مقومات الشاعرية في ظل النشر المجاني، ما دفع بعض دور النشر إلى الإحجام عن طباعة الشعر والاتجاه نحو طباعة الروايات لأنها تباع بصورة أفضل من الشعر.