المثقفون العرب وحركة الشارع بين الصدمة والإرباك

مشاركان في معرض الرياض للكتاب يتحدثان عن التجربتين التونسية والمصرية

نزار شقرون - خالد يوسف
TT

تحدث مشاركان في ندوة أقيمت أمس ضمن معرض الرياض الدولي للكتاب عن دور المثقف العربي في ظل التحديات الراهنة، وقدرة المبدعين العرب في الاستجابة لها.

فمن تونس التي شهدت نواة الحركات الشعبية إلى مصر، يأتي الحديث متباينا ومتعارضا حول قدرة المثقف على مواكبة التغيير، ففي حين يرى ناقد تونسي أن المبدع يعيش (صدمة)، وأن الإبداع بذاته يعيش (مرحلة انتقالية) في سعيهما لمواكبة حركة الشارع، يسارع مثقف مصري للتأكيد أن كل ما شهدته مصر كان نتيجة تراكم أعمال المبدعين من روائيين وشعراء وسينمائيين.

الناقد التونسي الدكتور نزار شقرون، قال لـ«الشرق الأوسط» بأن الإبداع العربي يعيش اليوم مرحلة (انتقالية)، مبينا أن هذا الإبداع هو (إبداع مصدوم) لأنه لم يساهم بشكل مباشر في إحداث التغييرات.

ويرى شقرون أن المبدع العربي يواجه اليوم تحديات تتعلق باحتياجاته الأساسية في الاستقرار والاقتصاد، وهو ما يمثل ضغطا على خياراته، ويقول: إن المثقف يواجه ما يسمى بالأولويات السياسية والاقتصادية، ولذلك فإن الصورة الطاغية الآن تستبعد أسئلة الإبداع العربي قياسا بانشغالات باستحقاقات ومطالب السياسة والاقتصاد.

وكان شقرون قد شارك ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض الكتاب الدولي للكتاب في الرياض مساء أمس (الجمعة) في أمسية بعنوان «المبدع وتجليات المشهد العربي» لمناقشة أثر التحولات الراهنة على مسارات وقيم الإبداع، إلى جانب المخرج السينمائي المصري خالد يوسف، وآخرين.

وهو يرى، في حوار لنا معه، أن المبدع العربي هو جزء من الـ«انتليجانسيا العربية»، وهو مثقف عضوي في مجتمعه. ولكن حركة الإبداع شهدت نقلة نوعية، لم يستطع المثقف العربي أن يسايرها (وكأنه يعيش أزمة هوية في هذه اللحظة التاريخية التي تتشكل يوميا).

وتحدث الناقد التونسي عما سماه «ذهول المبدع» أمام الأثر الذي تركته شبكات التواصل الاجتماعي، والتي حققت في فترة وجيزة ما لم يستطع المثقف تحقيقه على امتداد سنوات وخاصة فيما يتعلق بمستوى علاقة الإبداع بالمجتمع، حيث (لا معنى للإبداع خارج دائرة التأثير الاجتماعي).

وقال: «كأننا بثورة المعلومات قد أطاحت بالنموذج التقليدي للمبدع، فحركة (الفيسبوكيين) قد أثرت في المبدعين وأشعرتهم بأن هذه الحركة كانت سباقة في الحراك الاجتماعي، فشعر المبدع بنوع من الهيبة جعلته يبدو أمام المجتمع وكأنه خارج لعبة المتغيرات».

ويرى شقرون أن الإبداع يحاول أن يساير هذه المتغيرات، كما برز ذلك واضحا في الإبداع البصري الذي ظهر في أعمال «الجرافيتي» من خلال المبدعين الجدد الذين قاموا بمسايرة التحولات الاجتماعية غير أن بقية أصناف وأنواع الإبداع من مسرح وسينما وشعر ورواية لا تزال حتى اليوم تحاول أن تحقق هوية جديرة بهذا الانتماء.

من جانبه قال المخرج السينمائي المصري خالد يوسف لـ«الشرق الأوسط»، قبيل مشاركته في ندوة البارحة، إن أهمية هذه الندوة تكمن في قدرتها على تشخيص تجليات المشهد العربي، إذ أكدت أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإبداع «لأن أي تغيير هو إبداع».

وقال يوسف بأن التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية تجعل المشهد الإبداعي نفسه مرتبكا، لكن النتاج الإبداعي الكبير قد يتجلى فيما بعد: «فالأحداث الكبرى تتبعها إبداعات كبرى».

ويعتقد يوسف أنه ما أن تهدأ الأمور قليلا حتى يبدأ المبدعون في التعبير عن إبداعهم كل في مجاله: «ليعبر كل مبدع عن تأثيرات هذه الأحداث والتغيرات في الواقع، بمختلف أوعية التعبير الإنساني، من تشكيل إلى فن تمثيلي وسينمائي وموسيقى وإنتاج أدبي وفكري، فهذه كلها تجليات لم تتضح بعد ولكنها ستتجلى على مدى الشهور والأعوام المقبلة».

ويشير يوسف إلى أن لحركة الإبداع العربي مساهمة واضحة في المشهد والتغير الذي ساد المنطقة العربية، بما فيها الحركة الإبداعية التي استمرت لعشرات السنين. ويقول: «لا أستطيع أن أفصل المشهد المتغير الحالي عن روح الشاعر صلاح عبد الصبور، مثلا، عندما قال: في بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكل لا يوجد مستقبل، كما لا أفصل هذا المشهد عن إبداع يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وعاطف الطيب في السينما، وكذلك نجيب سرور وإسهامات نجيب محفوظ ويوسف إدريس في الأعمال الروائية». ويختتم المخرج السينمائي المصري بالقول: «لا يمكن فصل ما حدث في 25 يناير (كانون الثاني) وحتى 30 يونيو (حزيران) عن إسهامات المبدعين المصريين، واستشرافهم للثورة وتكريسهم لروح التمرد، ورفع الظلم للطبقة الوسطى وبالتالي فإن المشهد المصري الآن لا ينفصل عن إسهامات الإبداع خلال السنوات الماضية».