أسامة الرفاعي: راضون عن 90 في المائة من الأعمال الإبداعية التي دعمناها

«الصندوق العربي للثقافة والفنون ـ آفاق» موَّل 150 مشروعا سينمائيا و94 أدبيا

أسامة الرفاعي المدير التنفيذي لـ«آفاق»
TT

هل تكون الصناديق العربية لتمويل الثقافة هي المنقذ من التمويلات الأجنبية التي باتت تتحكم بمفاصل الأدب والفكر كما السينما والفن التشكيلي وغيرها من الميادين الثقافية؟ هل يكون «الصندوق العربي للثقافة والفنون - آفاق» الذي يدفع سنويا مليوني دولار لتمويل المشاريع الثقافية في العالم العربي من مكتوبة ومسموعة ومرئية، هو نموذج لما يرتجى أن يتشكل مستقبلا لحفظ الإبداع العربي من الشروط الغربية التي تثقل كاهله؟

«آفاق» تنشط في 18 دولة عربية، وتعطي منحها من خلال لجان تحكيم، تحاول أن تكون شفافة وموضوعية، قدر الممكن، لتصل التمويلات إلى مستحقيها، وتعطي نتائج مجدية. وقد موَّل الصندوق منذ تأسيسه عام 2007 نحو 150 مشروعا سينمائيا و94 مشروعا أدبيا، فكيف تعمل «آفاق»، وما أهدافها؟ وهل تحقق فعلا للمبدعين العرب ما يحتاجون إليه من احتضان يعطي الأولوية للموهبة؟ هنا مقابلة مع أسامة الرفاعي، المدير التنفيذي لـ«آفاق»، لفهم آلية عمل الصندوق، ومحصلة عمله خلال سنوات ست انقضت.

* ما آلية التواصل مع المبدعين العرب؟ وهل تمكنتم من التشبيك مع الفئات التي يفترض أنكم تدعمونها؟

- مكتبنا الرئيس موجود في بيروت، ونحن نتواصل، في الوقت الحالي، مع 18 دولة عربية، نسافر إليها طوال السنة، كي نتمكن من الالتقاء مع الأدباء والفنانين العرب، ونتعرف إلى الشباب، أصحاب المشاريع، في هذه الدول. لكن المتابعة بعد ذلك تجرى عبر الإنترنت، حيث يقدمون مشاريعهم وتجرى دراستها والموافقة عليها من عدمها.

* كيف يجري اختيار المشاريع الفائزة بالمنح، وخاصة أن الشكوى الرئيسة في العالم العربي، هي دائما من الشكوك حول موضوعية الاختيارات؟

- طبعنا كتيبا حول هذا الموضوع، يشرح طريقة التقييم والاختيار. ومنذ بدء عملنا عام 2007 اتبعنا منهجا واضحا. فنحن نختار ثلاثة محكمين لكل فئة سنويا. هؤلاء يجري اختيارهم تبعا لكفاءتهم الشخصية، ومن دول مختلفة، ومن أعمار متباينة أيضا، بعضهم أكاديميون أو نقاد، أو إداريون، أداروا مؤسسات ثقافية، في محاولة منا لتغطية كل الاعتبارات.

المحكمون لا يعرف بعضهم بعضا، ويرتبطون معنا بعقد ينظم عملهم. وحين نستقبل الطلبات نرسلها لكل واحد منهم ونطلب منه وضع علامة تتراوح بين واحد وخمسة لكل عمل، بحسب مستواه وجودته، وبعد ذلك يعيد المحكمون إرسال تقييمهم إلينا خلال خمسة أو ستة أسابيع، لنجمعها ونقارن بينهم. بعد هذه المرحلة يجتمع المحكمون، ويتعرفون على بعضهم البعض للمرة الأولى، ويجري اختيار الأعمال الفائزة، تبعا للعلامات التي نالها كل عمل وبعد نقاشات وحوارات ومقارنات للنتائج. أود أن أشير هنا إلى أن المحكمين يعمل كل منهم وفق استقلالية تامة، وليس للصندوق أي سلطة على خياراته، كما أن المحكمين، من باب الحفاظ على الشفافية والموضوعية، يتغيرون كل سنة. وقد عملنا لغاية الآن مع 128 محكما، ونحن ماضون في هذا النهج.

* وهل للمحكمين الكلمة الفصل والنهائية في اختيار الفائزين بالمنح؟

- يمكننا أن نقول ذلك، لكن ثمة خطوة إضافية نقوم بها بعد الاختيار. لو افترضنا أننا أمام 15 عملا أدبيا فائزا، فإننا نرسل قائمة الفائزين إلى لجنة أمناء الصندوق، وهم 11 شخصا من العالم العربي كله، وبينهم أيضا شخص من سويسرا، ونعرض عليهم الأسماء. وعادة توافق اللجنة على الأسماء، وبعدها بأسبوع تعلن أسماء الفائزين على موقعنا الإلكتروني. وكل شخص حائز على منحة يوقع عقدا مع آفاق يتضمن الشروط التي يحترمها الطرفان.

* وهل بدا لكم أنها طريقة جيدة لاختيار المشاريع الأنجح، أو بطريقة أخرى، هل أنتم راضون عن المشاريع التي مولتموها؟

- المخاطرة موجودة دائما، نحن من بين القلة الذين نعطي فرصا للشباب في مشروعهم الأول. قبلنا بهذه المجازفة. نصف المشاريع التي نمولها تقريبا هي الأولى لأصحابها، وبالتالي لا ضمانة، وتحديدا في مجال الثقافة. نحن نأخذ بعين الاعتبار ما يقدمونه من خطط للعمل ونحكم بناء عليه، ولهذا نصيب أحيانا ونخطئ أحيانا أخرى. لكن بمقدوري القول إننا راضون عن 90 في المائة من المشاريع، والنتائج كانت جيدة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مسألة قياس النجاح في عمل ثقافي ليست سهله، فهو ليس استثمارا تجاريا، لكننا نلحظ أن الأشخاص الذين عملنا معهم، ربحوا جوائز، وانطلقوا كما أنهم اختيروا في مهرجانات أو فعاليات. من جهتنا ننشط نحن أيضا لمتابعتهم، فدعمنا ليس ماديا فقط وإنما معنويا أيضا، ونعمل كصلة وصل بين المبدعين ومؤسسات ثقافية في العالم تبغي التواصل مع مثقفين من العالم العربي. وبالتالي نساعد هؤلاء الشباب على إيجاد فرص لتحصيل الخبرات والانطلاق.

* لكنكم حجبتم هذه السنة المنح الأدبية واستبدلتموها بها محترفا لتعليم الكتابة، لماذا؟

- في مجال الكتابة الأدبية هناك أسباب مختلفة دعتنا لتجريب شيء جديد. بعد تقييم المشاريع السابقة، تبين لنا أن الحاجة ليست فقط للدعم المادي، وإنما على صعيد الكتابة الإبداعية وددنا مواكبة الكتاب الشباب في كتابة الرواية من خلال ورش عمل تنظمها الأديبة نجوى بركات، وتتابع تطور العمل معهم، ونموه التدريجي.

* هل هذا التغيير جاء نتيجة إحساسكم بأن الروايات والنصوص الأدبية التي تقدم لكم ليست على المستوى المطلوب وخاصة أن المنحة الأدبية كانت تصل إلى 20 ألف دولار أحيانا؟

- كان هناك ضعف في الطلبات، وربما أن المشكلة عندنا، لأننا لا نصل إلى الأشخاص الموهوبين بالقدر الكافي. فنحن نعمل في لبنان مع فريق صغير جدا، ونتواصل مع ما أمكننا من بلدان ونعقد اجتماعات في بعض البلدان العربية مثل مصر والأردن والمغرب ونلتقي بكتاب وفنانين، ونعرف بأنفسنا، ما استطعنا. لكن المشاريع الأدبية التي وصلتنا، لغاية الآن، تعبر عن ضعف معين في أساليب الكتابة. وهؤلاء الشباب ليسوا بحاجة لمساعدة مادية فقط، بل لمعونة تقنية أيضا. ومن خلال ورشات الكتابة، سيأتي كل بمشروعه، ويعمل على نصه لكتابة روايته، وستكون هناك ورش عمل جماعية، وكذلك متابعة فردية لكل واحد منهم. وعلى الأرجح سيكون في المحترف نحو عشرة كتاب عرب، وسندعمهم إضافة إلى المتابعة التقنية بلقاءات مع محترفين في مجالي الطباعة والنشر، لتكون النوافذ مشرعة أمامهم.

* هل دعم الصندوق العربي التقني بدل المادي، سيكون حصرا للأعمال الأدبية؟

- نحن اتبعنا هذه الطريقة مع الأفلام السينمائية سابقا، ووجدنا أنها أتت بنتيجة مشجعة، لا سيما بالنسبة للأفلام الوثائقية. نحن منذ ثلاث سنوات نقدم لأصحاب مشاريع الأفلام الوثائقية، مساعدة تقنية، وننظم لهم ورش عمل، كما نساعدهم على التشبيك مع جهات إنتاجية مختلفة ليواصلوا إنتاج أعمالهم السينمائية، وأتصور أن النتائج أسعدت السينمائيين وكانت مثمرة لهم.

* ما مصادر تمويل الصندوق؟

- هناك مؤسسات عربية وغربية، ونحن نحاول أن نرفع الدعم العربي قدر المستطاع، وأن نعدد المصادر بشكل كبير، كي نتمتع بأكبر قدر من الاستقلالية في القرار. ونشرح لكل الفئات الممولة التي نلجأ إليها بأن دعم الثقافة أمر مهم للمجتمع. فالشركات التجارية لديها مسؤولية اجتماعية، بدأت تتحسسها، وأرى أن الأمور تذهب نحو الأفضل منذ عدة سنوات. كان ميل المستثمرين للتبرع لقضايا إنسانية وصحية مثل الفقر والسرطان، لكن القناعة تزداد اليوم، أن الثقافة تستحق منهم التفاتة. ونحن في إطار حملاتنا، نعطي أمثلة محسوسة، لقصص مبدعين حصلوا على منح وتمكنوا من تغيير حياتهم، وهؤلاء ليسوا قلة.

* وكيف أثرت الثورات العربية على حماسة الممولين العرب للصندوق، وخاصة أن أولويات أخرى إنسانية وملحة قد تبدو بالنسبة لهم أهم من الثقافة في الوقت الراهن؟

- الجواب ليس سهلا، لكن ربما أن هناك قناعة بدأت تترسخ أن الفنون بمقدورها أن تساعد على حل مشكلاتنا بطريقة جذرية وأكثر عمقا. الثورات لعبت دورا في تدعيم هذه النظرة عند البعض. هناك إحساس اليوم بضرورة العمل على بث الوعي. صحيح هناك وضع إنساني مأساوي، لكن هذا الجيل الذي ينشأ على الحروب والعنف والنزاعات والتطرف، سيبقى يورث هذا الذي يعيشه إن لم نعمل على نشر إدراك مختلف بين الناس، وهو ما نحاوله عبر المشاريع الثقافية على أنواعها، من خلال السينما والنص الأدبي، والمسرح، وغيرها. وأنا على ثقة بأن تمويل الثقافة سيتحسن عربيا، بشكل ملحوظ.

وأود أن أشير إلى أن «آفاق» تعنى بمسارين: المسار الأول هو دعم المشاريع الثقافية ماليا وتقنيا عبر تقديم المنح التي يعلن عنها سنويا. أما المسار الثاني فهو التعريف بالثقافة العربية، والتشبيك بين الفنانين العرب ومؤسسات ثقافية غربية يتواصلون معها.