دراسة سعودية عن «القراءة ومجتمع المعرفة»

تهدف للتعرف على اتجاهات القراءة وأنماطها ووسائل ومصادر التزود بالمعرفة

من موقع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي
TT

كان يمكن ليوم الكتاب العالمي، الذي صادف الأربعاء الماضي 23 أبريل (نيسان)، أن يتحول إلى مجرد طقوسيات ثقافية تتناثر هنا وهناك، لو لم يسفر عن تجربة متميزة لتعزيز القراءة ودراسة أوضاعها في السعودية.

فخلال احتفال العالم بيوم القراءة العالمي، يعكف حاليا قسم المعرفة والأبحاث في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي التابع لشركة أرامكو السعودية ومقره الظهران، بوضع اللمسات الأخيرة على التقرير النهائي لدراسة مسحية متميزة في نطاقها وأسلوبها بعنوان «القراءة ومجتمع المعرفة»، ومن المزمع الانتهاء منها وتقديمها خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

وأظهر التقرير أن الكثير من المشاركين في الدراسة أشاروا إلى أنها حفزتهم للاهتمام بالقراءة وحث أبنائهم عليها، كما أنها أسست خطا قاعديا للمعرفة في المملكة، وولدت فكرة إبداعية تتمثل في الخريطة المعرفية للمملكة العربية السعودية.

تأتي الدراسة في حين يسمى العصر الراهن عصر المعرفة مع التغيرات المتسارعة في التكنولوجيا والابتكار واكتساب المعلومات وزيادة الاعتماد على المصادر الرقمية والملتميديا، لكن تبقى القراءة هي البوابة الرئيسة لدخول عالم المعرفة بأبعاده المترامية والمتجددة.

وتقوم مؤسسات مثل مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، بعدة برامج لرفد الجهود الوطنية لاكتساب المعرفة ونشر حب القراءة والتوسع في إتاحتها وإنتاجها عبر إنشاء مكتبة عصرية غير تقليدية وتنظيم مسابقة وطنية للقراءة هي مسابقة «اقرأ» ضمن مبادرة أرامكو السعودية لإثراء الشباب، وكذلك تنظيم منتدى مجتمع المعرفة الذي يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وندوة يوم الكتاب العالمي، وتعزيز برامج إثراء المحتوى العربي للمساهمة في تحول المملكة نحو «مجتمع المعرفة».

تعد دراسة «القراءة ومجتمع المعرفة» دراسة وطنية على مستوى السعودية، تهدف للتعرف على اتجاهات القراءة وأنماطها وكذلك التعرف على وسائل ومصادر التزود بالمعرفة لدى أفراد المجتمع، وذلك عبر مختلف أعمارهم وفئاتهم الاجتماعية، كما تسعى إلى التعرف على العوامل التي تُساهم في اندماج أفراد المجتمع في القراءة، والأثر المحتمل لجنس الفرد وعمره، ومستواه التعليمي، والمستوى التعليمي للوالدين، ومستوى دخل الأسرة والمنطقة الإدارية التي يعيش فيها على اختلاف اتجاهات وأنماط القراءة للأفراد.

وتسلط الدراسة الضوء على دور الآباء والأمهات والمدرسة والمكتبة في تنمية اتجاهات القراءة وأنماطها لدى النشء، وأهم المعوّقات التي تمنع تكوين السلوك القرائي والتزود بالمعرفة لدى أفراد المجتمع.

لتحقيق هذا الهدف، تم تشخيص واقع القراءة في المجتمع السعودي (التعرف عن مستوى القراءة لدى الفرد السعودي، ولماذا يقرأ، وكيف يقرأ، وما هو نمط القراءة المفضلة، وما هي موضوعات القراءة لدى الأطفال والكبار في المجتمع السعودي سواء من الكتب أو المجلات، وعدد الكتب التي يقرأها في العام الواحد، وعن مدى زيارتهم لمعارض الكتب وارتيادهم للمكتبات، وعن المواقع الإلكترونية التي يفضل الأطفال والكبار تصفحها، ومصادر المعرفة المفضلة، وواقع المكتبات والنشر في المملكة).

وحددت عينات الدراسة حسب أدق المعايير، إذ شملت أفراد المجتمع السعودي من الأطفال والكبار، كما تميزت باشتمالها على عينات من المستهلكين والمنتجين، متضمنة آراء الناشرين السعوديين والعرب، ومجموعة من أمناء المكتبات السعودية. واستخدمت الدارسة لتحقيق أهدافها عددا من الأدوات الكمية والنوعية بما في ذلك الاستبانات، وورش العمل، وحلقات النقاش المركز، والمقابلات المعمقة.

نفذ الدراسة فريق عمل قوامه 386 عضوا على مستوى السعودية توزعوا في 13 منطقة إدارية وشمل المسح كل المدن والقرى والهجر؛ إذ توجه فريق المسح الميداني، المكون من أكثر من 250 مشرفا وماسحا، إلى 41 مدينة في عموم المناطق، وتم جمع 23 ألف استبانة حلل منها 16 ألف استبانة.

وإلى جانب المسح الميداني تم تنفيذ عدد من الفعاليات في سبع مدن ما بين (ورش العمل العلمية وحلقات النقاش المركز) التي شارك فيها أكثر من 500 مشارك من الخبراء والمثقفين والإعلاميين والأدباء والمؤلفين وأصحاب دور النشر، وأصحاب المبادرات القرائية الشبابية، كما تم إجراء مقابلات معمقة مع عدد من المسؤولين وأصحاب القرار في بعض الوزارات، إضافة إلى رؤساء الأندية الأدبية.

وتم إنشاء بوابة إلكترونية خاصة بالدراسة تحتوي على جميع وسائل التواصل الاجتماعي واستبانات إلكترونية، بالإضافة إلى الاهتمام بالفئة العمرية ما بين 4 و12 سنة للتعرف على الاحتياجات المعرفية لهذه الفئة وطرق حصولهم على المعرفة من خلال استبيان خاص بهم.

ولقد حرص القائمون على هذه الدراسة منذ بداية التخطيط لها والشروع في تنفيذها على تمييزها نوعيا على الصعيد الوطني عن غيرها من الدراسات بهذا المجال، وقد ترجم ذلك حجم العينة الضخمة المستهدفة بالإضافة للأبعاد الموضوعية التي تم التطرق لها بالمسح الميداني والتحليل ألا وهي واقع النشر المطبوع والإلكتروني من خلال الناشرين ومنتجي المواد الثقافية والمعرفية (حيث تم عقد مقابلات منهجية مع 123 ناشرا سعوديا)، وكذلك البعد الخاص بدعم خدمات الاطلاع والمعرفة من خلال المكتبات ومراكز المعلومات بمختلف أرجاء السعودية (تم استطلاع رأي 1434 أمين وأمينة مكتبة عامة وجامعية ومدرسية ومتخصصة).

تهم نتائج الدراسة المجتمع السعودي بشكل عام وتسهم في اتجاهين، الأول: توفير عدد كبير من البيانات والإحصاءات عن ظاهرة القراءة والتزود بالمعرفة واتجاهاتها وأنماطها ومعوّقاتها لدى أفراد المجتمع، وهي ثانيا تسهم بشكل علمي في بناء برامج مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي بالظهران وأنشطته ومكتبته التي من المأمول أن تخدم جميع أفراد المجتمع، وأن تكون نموذجا يحتذى به في عصر التحولات المعرفية والرقمية الكبيرة.