حصة البادي: خيوط السرد تتسرب إلى قصائدي من دون أن أشعر

تقول إن جيل الشباب في عمان تجاوز الكثير في زمن قياسي

الشاعرة العمانية حصة البادي
TT

تمثل الشاعرة والناقدة العمانية الدكتورة حصة البادي أحد الأسماء الأدبية اللافتة التي شقت طريقها في المشهد الثقافي في سلطنة عمان. وهي بالإضافة إلى اشتغالها بالنقد نشرت عددا من المجموعات الشعرية، بينها «ندف حنين ومساءات» الصادر عام 2006، وديوانها «الخيل والرماد»، الصادر عام 2012، ولديها مجموعة جديدة في الطريق.

في الحوار التالي، الذي أجري في الرياض، تتحدث حصة البادي عن تجربتها الشعرية، وعلاقتها بالنقد، ودور الجوائز الأدبية، وعن المشهد الثقافي في عمان عموما:

* يلاحظ أنك تجمعين بين النقد والشعر في آن واحد.. والشعراء عادة يقولون إن هناك أزمة نقد، ما رأيك؟

- لكثرة من يشتكي عن أزمة نقد، صرت أخشى على الشعر من الأكاديمية لدرجة أنني أوشكت أن أصدق ما يقال عن أن الأكاديميات والنقد والتنظير يكاد يقضي على الإبداع فعلا، غير أن الحقيقة غير ذلك، ولكن برأيي أنه عندما يتحول مبدع إلى ناقد يكون أقسى النقاد على نفسه، ولذلك تتعطل العملية الإبداعية، التي تحتاج إلى مطلق وفضاء أرحب من أن تنظر مسبقا لكتابة قصيدة، فتلك هي مهمة الناقد، فلأن يتحول المبدع نفسه إلى ناقد، وأن ينطبق هذا النقد على نفسه، هذا لربما يعرقل نوعا ما ميلاد القصيدة في خطوات تشكلها الأول.

* هل نفهم من هذا أن ممارستك النقد أثرت على إبداعك الشعري؟

- هذا الكلام ليس دقيقا أبدا، فالأمر يعتمد في المقام الأول على كثرة ما تقرأ، فلربما الوظيفة الأكاديمية تجعلنا متصلين بالقراءة في مجال الشعر والأدب، ولذلك من هنا، لو أن مبدعا بعيدا عن التخصص الأدبي كان يعوض بالقراءة لربما أبدع أفضل من المبدع الناقد.

* في كتابك «التناص في الأدب العربي»، كنت تبحثين عن روح النص، هل توضحين؟

- كنت قد فكرت في هذا الكتاب حينما وجدت أن الكثير من الشعراء العرب، خصوصا المعاصرين منهم، جعلوا من التراث سلة غنية يستقون منها مادتهم بأشكال مختلفة. فالتناص كان بالنسبة لي مادة ممتعة جدا لدراستها وتحويل النص الموازي سواء أكان سابقا أو موازيا للنص المكتوب. جميل في رأيي أن تجد مثل هذا الإبداع، وطبعا حسب قدرة الشاعر على تحويل مادة، نص محدد أو مجموعة نصوص، إلى روح في النص وليس مجرد ملصقات.

* لديك عدد من الدواوين الشعرية.. كيف تصفين علاقتك بالشعر؟

- لا أذكر منذ متى تعلقت بالشعر لطول المدة، ولكن أصدرت ديواني الأول عام 2006 بعنوان «ندف حنين ومساءات»، وديواني الثاني صدر في عام 2012 بعنوان «الخيل والرماد»، ولكن لا أستطيع أن أسمي قصائدي ودواويني حتى الآن تجربة مكتملة، ومع أنني لست نادمة على أنني أصدرت دواوين شعرية غير أنني لا أزال كما أعتقد أتهجا أبجديات الشعر ولا أزال أبحث عن قصيدتي الأجمل.

* في مجموعاتك الشعرية هناك مسارات تعكس تنوعا فكريا.. كيف تطور الأمر عندك؟

- في الديوان الأول «ندف حنين ومساءات» كان واضحا تأثري بالقضايا القومية، إذ كانت هناك فترة أحداث كبرى في العالم العربي. وبالطبع من الصعوبة بمكان أن يعزل المبدع نفسه عن الأحداث التي تجري أمام عينيه، وأعتقد أن قصائدي كانت مواكبة لتلك الفترة الزمنية التي ولدت فيها، وأما من ناحية فنية فأعتقد أن تجربتي الحالية تطورت عن التجربة الأولى في الديوان الأول، غير أنني مرتبطة بالإيقاع في الديوانين، إذ إن أغلب القصائد إن لم تكن جميعها هي قصائد تفعيلة.

* حصلت على أكثر من جائزة.. ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟

- حقيقة لست ممن يسعون للجوائز، فجائزتي في تقبل الجمهور لمنتجي وإحساسه بأنه يعبر عنه. لا أحب أن يخضع نصي لمسابقة، ولكن كنت أحب فكرة الملتقى لأنه يجمع مبدعين من كل أجناس الكتابة الفصيح والشعبي منه والقصة القصيرة، وهي فرصة للالتقاء بالمحكمين من النقاد وأقراننا من المبدعين ليستمع بعضنا إلى نصوص بعض، فاشتركت في هذا الملتقى بهدف أن أستمع وأن يستمع إلي، فكان أن فزت حقيقة بأكثر من جائزة، حيث حصدت جائزة الملتقى الأدبي على مستوى سلطنة عمان في عام 1999، وهي جائزة تحتفي بمجموعة من القصائد المشاركة في الملتقى، وفزت بالمركز الثاني في العام الذي يليه، ولدي مجموعة من الجوائز على المستوى المحلي.

* ما تقييمك للمشهد الثقافي في عمان عموما؟

- لا أريد أن أقول إن الأمر الثقافي لدينا في عمان مختلف، كما لا أستطيع أن أسمي العلاقة بين جيل الرواد وجيل الشباب بأنها تمر بمنعطف جفوة، ولكنني أجرؤ على أن أقول إن جيل الشباب خطا خطوات كثيرة في زمن قياسي قصير، بسبب الانفتاح في وسائل المعرفة المختلفة، والاستفادة من تجارب الآخرين من خارج عمان، في حين أن جيل الرواد كانت له مشاربه المختلفة بوسائل قليلة.

* هناك عدد من الشعراء تحولوا إلى روائيين.. هل راودتك هذه الفكرة؟

- لم أحاول كتابة الرواية بعد، ولكن لا أنكر أن خيوط السرد تتسرب إلى قصيدتي، إذ ألاحظ أن أشكالا كثيرة من السرد تتسربل في خيوط قصيدتي دون أن أشعر، وذلك بحكم هذا الزمن الذي يحول اليومي إلى شعري. وحين يتحول اليومي إلى شعري تجد نفسك في حالة سرد دون أن تشعر بذلك، إذ توجد محاورات في القصيدة، ولذلك لا يوجد فاصل دقيق. وهنا سؤال يطرح نفسه: من أين جاءت مقولة «الشعر ديوان العرب»؟ لأن العرب كانوا يسجلون في الشعر تفاصيل حياتهم اليومية من حروب ومعارك ومدح وذم وغيرها من التفاصيل اليومية.

* ما مشروعك القادم على الصعيدين الشعري والنقدي؟

- لدى مجموعة من القصائد على الصعيد الشعري. أما على الصعيد النقدي فإني أنوي أن أقرأ مجموعة نصوص بنفس ناقد شاعر. ومشروعي على الصعيد الإبداعي هو أن أخرج من دوائري السابقة، إذ كثيرا ما يشعر المبدع أنه ضمن دوائر محددة، أو دوائر متوازية، لذا يريد أن يحلق أعلى قليلا ويريد أن يبتكر دوائر جديدة يحلق فيها نصه، وأحيانا ولربما نتيجة لتأثير النقد علي، أشعر كأنني أكرر نفسي، وهذا ما أكرهه، ولذلك أحاول جاهدة أن أوسع أفق معارفي ليتوافق مع أفق نصي.