المكتبات العامة في السعودية.. آليات تجاوزها العصر

مثقفون يطالبون بتحويلها إلى حواضن للبحث العلمي

لقطة لمدخل مكتبة عامة في الجبيل
TT

تمتد مساحة السعودية على أكثر من مليوني متر مربع، وتضم نحو ثلاثين مليون نسمة، ولكنها تعاني نقصا شديدا في عدد المكتبات العامة، على الرغم من أن المملكة تعتبر السوق العربية الأولى للكتاب. وحسب عبد الله الكناني، المشرف العام على المكتبات العامة في وزارة الثقافة والإعلام، فإن عدد المكتبات العامة يبلغ حاليا 84 مكتبة، موزعة في المناطق والمحافظات بعضها في مبان حكومية وبعضها في مبان مستأجرة، مشيرا إلى أن هناك 30 مشروعا جديدا إضافيا قادما.

ولا يدخل في هذا الرقم كل من مكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبد العزيز في العاصمة الرياض، اللتين تعتبران من أهم وأكبر المكتبات في المملكة، وهما مؤسستان مستقلتان لا تخضعان لوزارة الثقافة والإعلام، كما لا تدخل في هذا الإحصاء المكتبات الجامعية والمكتبات التخصصية التابعة لبعض الوزارات.

ويذكر العناني أن هناك خططا لإنشاء 30 مكتبة معتمدة «ننتظر تأمين مقرات لها، وإن الحكومة ستدعم مشروع إنشاء المكتبات بقيمة 150 مليون ريال على مدى خمسة أعوام، ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير المكتبات».

ويشمل هذا المشروع تطوير البنية التحتية للمكتبات القائمة، وتوفير الشبكات والحواسب الآلية والأوعية الإلكترونية والورقية ومصادر المعلومات وبناء قواعد معلومات، وتطوير أنظمتها وآليات عملها»، متوقعا إنجاز مشروع الـ30 مكتبة خلال ثلاثة إلى أربعة أعوام.

ويضيف: «أدخلنا الكتاب الإلكتروني لهذه المكتبات، ونحن حاليا لدينا في الـ84 مكتبة الموجودة أقسام للكتب الرقمية تشتمل على 30 ألف عنوان، بجانب ذلك وفرنا تطبيقات لخدمة الأجهزة الذكية يمكن من خلالها تنزيل المكتبة الثقافية التي تتكون من نحو ثلاثين ألف عنوان، ومن خلال هذه الأجهزة يمكن الاطلاع على 20 في المائة من أي كتاب».

ليست مجرد مكتبة

أما الروائي والكاتب محمود تراوري فيعتقد أن قضية المكتبات العامة ليس في عددها، وإنما باعتبارها مؤشرا يكشف حجم الوعي الموجود في المجتمع. ويقول: «إن أمر المكتبات لا يقاس بالكم، خصوصا في ظل توافر خيارات كثيرة أبرزها وسائط التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة، وهي توفر الوصول إلى المعلومة وللكتاب بأسهل الطرق وأيسرها».

ويلاحظ تراوري أن «حال المكتبات العامة غير مرض، لأنها تدار بآلية قديمة وتقليدية لا تتفق ومعطيات العصر، أضف إلى ذلك ما يتعلق بالمجتمع نفسه، حيث إن عينة كبيرة من شرائحه تبدو وكأنها غير معنية بالكتابة والمعرفة».

وهو يرى أن تراجع ارتياد المكتبات العامة أصبح أمرا طبيعيا، «ذلك أن المكتبات نفسها لا تقدم ما يغري وتدار بعقلية عقيمة جدا أكل عليها الدهر وشرب، الأمر الذي جعل المجتمع في غالبيته ينصرف عنها».

وعزا تراوري ذلك إلى عدة أسباب، منها ما هو اجتماعي تعليمي، ومنها ما يتعلق بثقافة المجتمع المتجهة إلى ما هو استهلاكي، وهو ما يؤدي لعزوف الجمهور إلى المكتبات العامة بشكل عام.

إن هذا الوضع المتراجع للمكتبات العامة، كما يرى، جعل وسائل الاتصال والإنترنت الحديث أفضل الخيارات التي توفر فرصا عصرية جديدة تملأ هذا الفراغ وتفتح أبوابا ونوافذ كثيرة يطلع من خلالها المواطن على كل ما ينشر في العالم.

من جهته، يعتقد الناقد والشاعر محمد الحرز، أن المكتبات العامة هي في حكم الغائب، على الرغم من إنها تمثل ضرورة لنشر الثقافة والعلم في المجتمع. ولكي تفعل ذلك، فعليها، كما يضيف، تفعيل دورها حتى تتحول إلى جزء من الحياة العامة الثقافية.

ويرى الحرز أن المكتبات الحالية لا تعدو أن تكون مجرد مكتبات مخصصة للمراجعات الأكاديمية، بينما من المفروض فيها أن تكون حاضرة في الساحة الثقافية وجزءا أساسيا من البرامج التي تطرح على مدار العام كبرامج ثقافية متنوعة، فضلا عن أهمية احتضانها قنوات العمل الثقافي. ويقترح أن تنظم هذه المكتبات فعاليات ثقافية، وأن يكون القائمون عليها من أصحاب الذهنية الاحترافية لتفعيل خدمتها.

ويضرب الحرز مثلا بمكتبات شركة «أرامكو»، معتبرا أن لديها تجربة جيدة، «إذ إن هناك مكتبات متنقلة تزور المدارس مشجعة الطلاب على القراءة البحث والمعرفة، مما يقوي صلة الطالب بالكتاب».

إن وضع المكتبات العامة حاليا، كما يضيف الحرز، يحتاج إلى هيكلة وخطة استراتيجية وتوفير خبرات، «فالإمكانيات المادية موجودة، ولكن بحاجة إلى إدارات ناجحة تخلق وسائل لاجتذاب جمهور المثقفين وعامة الناس. وعلينا أن نتوقف من اتهام الجمهور بأنه عازف عن القراءة، فذلك غير صحيح، والدليل الحضور المدهش في معارض الكتب الكبرى على المستوى المحلي والعربي». ويختتم الحرز كلامه بالقول: «نحن بحاجة إلى أن نجعل المكتبة مكانا للنقاش الثقافي والأدبي والعلمي، وتفعيل دورها عبر مجموعة من الأمسيات والندوات وورش العمل، بحيث تصبح ملاذا للباحثين والأكاديميين وملتقى للدارسين، وهذا من شأنه أن يوفر بيئة منتجة للمعرفة والعلم».