مؤتمر لقصيدة النثر في مصر

30 شاعرا وناقدا يبحثون في خصوصيتها

الشعراء عادل جلال (منسق المؤتمر) وعيد عبد الحليم ومحمود شرف
TT

بعد أكثر من 3 سنوات من انعقاد مؤتمر خاص بها أقامته مجموعة من شعرائها المتميزين في نقابة الصحافيين، تعود قضية النثر في مصر إلى طاولة البحث والدراسة، عبر مؤتمر بآتلييه القاهرة للفنون والآداب، أطلق عليه منظموه «مؤتمر قصيدة النثر المصرية - الدورة الأولى»، وعقد تحت شعار «في الإبداع متسع للجميع».

وعلى الرغم من أن المسافة زمانيا ومكانيا ليست بعيدة بين المؤتمرين، فإن الرؤية والتوجه والمقاصد تختلف بينهما. فقد انطلق المؤتمر الأول الذي أطلق عليه «ملتقى قصيدة النثر الثاني»، من نقطة تحدٍّ، وذلك احتجاجا على تهميش قصيدة النثر وشعرائها من قبل المؤسسة الثقافية الرسمية، وأيضا رفضا لسياساتها التي تسعى إلى تدجين المبدعين، وانضوائهم تحت عباءتها، ليصبحوا طرفا تابعا في ترس المؤسسة الذي يعاني من الترهل والفساد في شتى المجالات.

ومن ثم انصب مسعى شعراء هذا الملتقى على توكيد صوت الاختلاف في إطار التعدد والتنوع الثقافي. ونجح الملتقى على مدار 4 أيام في الكشف عن تجارب مهمشة ومنسية في التراث المصري، تشكل نقاطا مهمة لراهن قصيدة النثر، كما ناقش واقع المجلات والجماعات الشعرية المستقلة، مثل «إضاءة - أصوات - الكتابة الأخرى» وغيرها، التي دعمت قصيدة النثر، ودافعت عن شرعية وجودها في الخطاب الشعري المصري. وخصص الملتقى جائزة للأصوات الواعدة في قصيدة النثر، من الشعراء الشباب من مصر والعالم العربي، وقام بطبع أعمالهم الفائزة بالجائزة وتوزيعها في الملتقى.

لم يلتقط المؤتمر الحالي خيوط السلب والإيجاب لحراك قصيدة النثر في ملتقاها الثاني ليبني عليها أو يختلف معها، بل أصر على أن ينطلق من نقطة تشبه القطيعة له ولكل الفعاليات السابقة التي ناقشت قصيدة النثر، ربما درءا للتشابه والتكرار، ومن منطلق أن لكل مؤتمر خصوصيته وأهدافه. لكن السؤال يظل قائما: ألا تشكل قصيدة النثر وقضاياها قاسما مشتركا بين كل هذه المؤتمرات؟

وعلى ذلك انطلق مؤتمر الآتلييه من الزخم الواسع الذي تشهده قصيدة النثر في الواقع الثقافي المصري والعربي أيضا. ويبدو لي أن هدفه تجميع كوكبة مختارة من شعرائها البارزين وبعض النقاد، ليقدموا دراسات أو نظرات نقدية، حول ما وصلت إليه في لحظتها الراهنة، الأمر الذي انعكس على المؤتمر، فلم يخرج عن هذا السياق، إضافة إلى طبع كتابين عن فعالياته وأبحاثه، مفتقدا حالة الحوار المضيء والمستكشف التي توازي الحضور الباذخ لقصيدة النثر في المشهد الشعري، وكذلك الدراسات والأطروحات النقدية المغامرة التي ترصد ملامح خاصة لقصيدة النثر المصرية، عبر تاريخها القديم والحديث، وفي الوقت نفسه تؤصل لهذه الملامح في نسق نقدي مبني على منهج علمي مثمر ومقنع.

في الجلسة النقدية الأولى للمؤتمر، حاول الناقد الدكتور عمر شهريار الاقتراب من هذا المنحى، متخذا من فكرة «الامتصاص» معولا نقديا للحديث عن بعض السمات الفنية اللافتة في قصيدة النثر، من خلال التمثيل بنماذج لبعض الشعراء. لكنه وقع في التنميط النقدي الشائع، بالاعتماد على فكرة تجاور وتقاطع الفنون السمعية والبصرية والقولية في نسيج قصيدة النثر، من دون أن يوضح المبرر الجمالي والشعري الذي يدفع إلى هذا التجاور أو التقاطع أو الامتصاص، وأثر ذلك على واقع قصيدة النثر التي أصبحت تسعى لتوسيع مشاعيتها، بصرف النظر عن توكيد خصوصيتها جماليا وشعريا، عبر فضاءات اللغة والفكر والفن والتعامل مع الذات والواقع والعناصر والأشياء، من منظور خاص.

وفي الجلسة النقدية الثانية، حاول الناقد والشاعر الدكتور محمد السيد إسماعيل استقصاء التعامل مع المكان في قصيدة النثر، لكنه لم يخرج عن المواضعات النقدية التقليدية في التعامل مع المكان، باعتباره مجرد حيز ومساحة وجغرافيا، متناسيا أن اللغة نفسها مكان، وأن النص الشعري نفسه مكان، لأنه «بيت الشاعر» الذي يمارس فيه وجوده الشعري وحيواته المتعلقة بهذا الوجود.

أيا كان الأمر، يبقى لهذا المؤتمر أنه أشاع جوا من الحيوية في الحياة الثقافية المصرية، التي لا تزال تراوح مكانها بين الأمل في التغيير واليأس من استمرار الأوضاع القائمة. وهذا ما أشار إليه الشاعر أسامة حداد، أحد المسؤولين عن تنظيم المؤتمر، الذي قال: «إن المؤتمر يسعى لإبراز أصوات جديدة يانعة، وتقديم مساحة من مشهد قصيدة النثر في مصر وتطورها، بمشاركة 25 شاعرا و5 نقاد، عبر جلسات نقدية وأمسيات شعرية، مع إصدار كتابين، الأول حول «أنطولوجيا قصيدة النثر»، والثاني عن الأبحاث والدراسات النقدية التي قدمت في المؤتمر.

ويشدد حداد على الاستقلالية التامة للمؤتمر ورفضه لكل أشكال التبعية للمؤسسة الثقافية الرسمية، أو أية مؤسسات أخرى، مؤكدا أن رعاته هم الشعراء أنفسهم. وكما قال، «إنها محاولة لتقديم ثقافة جادة بعيدا عن الثقافة الاحتفالية التي تتبناها المؤسسة، وخطوة على الطريق بحثا عن فضاءات القصيدة من كوكبة من الشعراء، ينتمون إلى أجيال مختلفة، بداية مما اصطلح على تسميته بجيل الثمانينات وإلى الآن، فضلا عن ذلك فقد تم التوافق على مشاركات للمؤتمر العام المقبل 2015، في محاولة للاستمرارية والتواصل تحت عنوان واضح هو (في الثقافة متسع للجميع)».