الحرب والأنانية والحب والأمومة في «دائرة الطباشير القوقازية»

نص لبريخت وبصمات لأيمن زيدان وحكاية صينية أسطورية

مشهد من «دائرة الطباشير القوقازية».. وفي الاطار الفنان أيمن زيدان
TT

يتواصل على خشبة مسرح الحمراء في دمشق، عرض مسرحية «دائرة الطباشير القوقازية»، عن نص للكاتب الألماني برتولد بريخت، أعده الفنان السوري أيمن زيدان وأخرجه. ويعود نص بريخت الشهير إلى المسرح، بعد آخر عرض له قبل 3 سنوات تحت عنوان «راجعين».

تحكي المسرحية عن ملكة تتخلى عن طفلها الرضيع وتهرب خوفا على حياتها، تاركة طفلها الصغير في رعاية خادمتها. وتمر الأعوام وتعود الملكة إلى الحكم مجددا، وتطالب باسترداد ابنها. يقرر القاضي حل الخلاف، بأن يرسم دائرة من طباشير، تقف كل من الأم الحقيقة والأم المربية والراعية متقابلتين على حافة الدائرة. ويقف الولد في مركزها. يترك القاضي الصراع مفتوحا بين المرأتين على الولد. الأم الحقيقية تجتذبه بعنف، والأم التي ربته بحس ورهافة. وتخسر الجولة أمام غريمتها. لكن القاضي يحكم لصالح المرأة التي ربته (الخادمة)، فقد كانت حنونة ولم تحاول انتزاع الولد بقوة خوفا عليه، بينما كانت الأم الحقيقية (الملكة) عنيفة وجشعة وقاسية.

عبر مشاهد الرواية المتلاحقة، يمتزج الكوميدي بالتراجيدي. وعلى مدى ساعة ونصف، يجتهد ممثلون محترفون أمثال محمد حداقي، الذي لعب دور القاضي، وحسام الشاه في دور الوزير، وكرم الشعراني الذي قام بدورين: العريف والراهب الفاسد، وآخرون شباب من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، كلوريس قزق (أدت دور الملكة المتسلطة)، وولاء العزّام، ومن ممثلي المسرح القومي، يجتهدون جميعا في إيصال مقولة النص الذي يتناول قضايا الحرب والحب والكراهية، الفساد مع العدل، والبساطة مع التعقيد، الحق مع الباطل، مع محاولات غير مباشرة لمقاربات ما يحصل في سوريا منذ سنوات، حيث الحرب الطاحنة والمأساة المتواصلة والأزمة المستمرة.

يحاول زيدان توظيف خبرته الفنية العريقة في تقديم عرض يعود إلى 70 سنة خلت، بشكل كوميدي تراجيدي، يحمل الابتسامة والدمعة معا.

يتحدث أيمن لـ«الشرق الأوسط» عن عرضه المسرحي الجديد، ويقول: «العرض المسرحي الحالي هو نص للكاتب الألماني برتولد بريخت، كتبه في أربعينات القرن الماضي. وهو مأخوذ عن حكاية صينية وأمثولات للملك سليمان، عن أم حقيقية وعن خادمة. تتحدث المسرحية عن أن الأحق دائما الأجدر. لقد لفتت المسرحية انتباهي لأنّ خلفية الأحداث الرئيسة تجري خلال حرب طاحنة، لكننا لم نحاول أن نجري أي إسقاط مباشر، وإنما قدمنا المسرحية بمعطياتها، غير أن الكثير من مفاصل العمل يلامس الواقع السوري الحالي وما نعيشه اليوم».

وحول عودته إلى المسرح بعد 3 سنوات، يقول زيدان: «لا أرى فترة 3 سنوات فترة زمنية طويلة؛ لأن المسرح يحكم على الفنان أن يتأنّى في اختياره، فليس من السهولة بمكان أن تجد مادة مسرحية جاهزة دائما لأن تثير اهتمامك، أو فيها طرح لأسئلة موجعة مهمة. بالتالي تكون الانقطاعات دائما لسنتين أو 3 سنوات، فرصة للبحث عن مادة مسرحية مثيرة للانتباه. بالنسبة لي، لم تحصل قطيعة بيني وبين المسرح إطلاقا، وأرى المسرح أشبه بالحائط المعرفي الذي يحتاج الفنان أن يستند إليه، وأن يعيد تغذية روحه معرفيا، لأن المسرح نشاط معرفي يجعلنا نركن له، ونستريح قليلا من ماكينة الفيديو والتلفزيون، التي لا تتيح لنا الفرصة لأن نقدّم ما نطمح إليه أو نسعى إلى تحقيقه؛ لذلك أركن إلى المسرح بين الفترة والأخرى، لأنني أحسّ بأنه أشبه بصدر أم حنون يأخذ منه الشخص بعض السكينة، ويشحذ معارفه».

في عودة للعرض المسرحي الذي استمر حتى الأسبوع الحالي، نجد حكاية جميلة معبّرة تصلح لكل مكان وزمان، حيث الطمع والأنانية والتسلط، قصص تحصل خاصة في الحروب، تتناقلها الأجيال وكأنها أساطير، أو ربما نوع من الفانتازيا، لكنها تنطوي على حكمة كنا نسمعها من قصص جداتنا، وهي أنّ الأم الحقيقية تلك التي تعبت لتربّي الولد، وليس من حملت به ورمته بدوافع أنانيتها أو نكاية بزوجها الذي قد يكون تركها ليتزوج بغيرها.