كاريزما القصيبي تأسر الباحثين في ندوته بـ«سوق عكاظ» و«سحيم» يقودهم

د. الصفراني يثير الجدل بإطلاق مصطلح «الشروائية»

جانب من الحضور خلال إحدى ندوات سوق عكاظ («الشرق الأوسط»)
TT

تنبه الأكاديميون المشاركون في ندوة سوق عكاظ التي أقيمت عن الشاعر والروائي والوزير والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي، إلى أن مستمعيهم، وهم في الغالب من رجال الفكر والثقافة (ضيوف سوق عكاظ) مع غياب شبه كامل للجمهور، انتبهوا إلى أن الحضور أكثر حذرا من الوقوع في أسر «الكاريزما» التي طغت على شخصية القصيبي.

ولذلك راحوا ينبهون المتحدثين إلى أنهم أسبغوا صفات مسترسلة على الأديب الراحل، أو أنهم لم يكشفوا عن الوجه الآخر من سيرته الشعرية، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من منطقة النقد أو الكشف عن التجارب الشعرية أو الروائية لغازي القصيبي، ونقدها فنيا.

ندوة «سوق عكاظ» أدارها الدكتور سعيد السريحي، وتحدث فيها د. صالح زياد، د. محمد الصفراني، د. أحمد اللهيب (من السعودية)، د. حاتم التهامي (تونس). وسلطت الضوء على جوانب من أعمال القصيبي، وكادت الندوة تسقط بالكامل في فخ «الاحتفائية»، رغم نخبوية الحضور.

الدكتور سعد الرفاعي حذّر، في مداخلته، من الوقوع في كاريزما القصيبي، وقال: «من يريد أن يدرس غازي القصيبي، فعليه أن يحذر من الكاريزما التي أحاطت به».

بينما لاحظ الدكتور بديع فتح الله عزيز أن المحاضرين الذين أسبغوا على القصيبي صفات الريادة لم يلحظوا أعمال الأدباء ومن كان قبله، وقال إن بعض الباحثين حين درسوا أعمال القصيبي ولم يمكنهم تصنيف بعضها، ولم يجدوا لها مذهبا، اخترعوا لغازي شيئا بين الوسطية والكلاسيكية.

أما الدكتورة هند المطيري، فأرادت الاقتراب أكثر من نصوص القصيبي ونقدها وبيان غثها من سمينها. ورأى الدكتور صالح الغامدي أن هناك شبه اتفاق على تفاوت الإبداع عند القصيبي، من حيث الموضوعات والأشكال والأجناس.. وسبب هذا التفاوت يعود إلى القلق الذي كان يشعر به القصيبي، وارتباك الهوية الفنية، ولذلك كان طول وقته يبحث عن ذاته في فنه.

يُذكر أن هذه الندوة سبقتها بأسابيع قليلة ندوة كبرى أقامتها جامعة اليمامة على مدى يومين، لتقديم دراسات أكاديمية عن تجربة القصيبي في الأدب والشعر والحياة.

ودخلت أغلب المشاركات إلى عالم القصيبي من خلال ديوانه «سحيم»، وعلاقة الاسم بقصة «سحيم» عبد بني الحسحاس، الذي قتلته قبيلته حرقا بالنار، لتغزّله الفاحش بنساء القبيلة. وكان موته المفجع قرابة عام 35 للهجرة، والواضح أنه ترك تأثيرا عميقا في جانب من أدب القصيبي، ولذلك جاءت قصيدة «سحيم» للقصيبي كملحمة شعرية أسطورية، تناولت ثنائيات العشق والمحرّم، الحرية والعبودية.

بالنسبة للدكتور محمد الصفراني فإن هذا العمل الملحمي لغازي القصيبي لا يسعه جنس أدبي واحد، ولذلك أثار الجدل حين قال: «لم يستوقفني ديوان مثل ديوان سحيم، فأنا لا أعده ديوانا شعريا، فهو نص أدبي هجين من الشعر والرواية نسميه (الشروائية). وهو المصطلح الذي هيمن على مناقشات الندوة، وقوبل بعاصفة من الاحتجاج من قبل باحثين وأكاديميين».

تساءلت الدكتورة هند المطيري في مداخلتها عن أساس المصطلح الذي أطلقه الدكتور الصفراني «الشروائية»، وهل هو مأخوذ من الشعر أم من السرد؟ أما الدكتور صالح الغامدي، فقال معلقا على مصطلح «الشروائية» إن «المصطلح الذي يمكنه أن يضم تجارب القصيبي المتعددة هو (السيرية)، فقد كانت معظم أعماله تتمحور حول سيرته الذاتية».

أحد المداخلين ذكر بأن الراحل محمد حسن عوّاد هو الآخر واجه مشكلة لدى تعرفه على التجارب الشعرية الحديثة، وبينها قصيدة النثر، فهي بنظره ليست شعرا وليست نثرا، ولذلك اصطلح عليها «شنر»، كمصطلح يجمع بين الشعر والنثر، ويعني بها قصيدة النثر.

أما الدكتور أحمد درويش، فراح يفصل في المصطلح الذي أطلقه الصفراني، منوها بصعوبة الاستغناء عن حرف العين في كلمة «شعر»، حين تدمج مع غيره «فمن دون العين يصبح الشعر شرا»! ولذلك اقترح تحويله إلى «الشعروائية».

الصفراني أجاب على التعليقات بأنه «لا مشاحة في المصطلح»، وأن ورقته مستلة من بحث طويل تتناول مشكلة الأجناس الأدبية.

يذكر أن إطلاق مصطلح «الشروائية» ليس المغامرة الأولى للدكتور الصفراني، فقد سبق أن أدخل علم التجويد في الشعر، وأسس أول خطوة في إنشاء نظرية «سمات الأداء الشفهي»، المنطلقة من علم تجويد القرآن الكريم، من خلال تأسيس رؤية نظرية وجهاز مفاهيم متكامل يمكن من خلاله قراءة التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث.

وذهب في كتابه «التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث 1950 - 2004» إلى طرح رؤية نظرية وجهاز مفاهيمي قادر على قراءة التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، وتأتي دراسة جوانب التشكيل البصري، من خلال المحاقلة بين علم تجويد القرآن الكريم والنقد الأدبي، وكتاب «التشكيل البصري في الشعر العربي» الحديث يأتي مرحلة أولى وصولا إلى إنجاز مرحلة تجويد الشعر.

بالعودة للندوة فقد بدأها الدكتور صالح زياد متحدثا عن التعدد في أعمال غازي القصيبي، وقال: «تتعدد موضوعات شعر القصيبي وتتنوع؛ ذاتية وتأملية ووطنية وقومية وإنسانية... إلخ، وتتعدد أشكال قصائده وتتنوع؛ فبعضها بشكل عمودي وأخرى بشكل التفعيلة. ولا يرتبط ذلك بمراحل أو حقب في حياة القصيبي الشعرية، بحيث نرتب التنوع والتعدد على تحولات حادثة وانتقالات أو انقلابات في المفهوم والممارسة الشعريين، فأول دواوينه (أشعار من جزائر اللؤلؤ) الصادر عام 1380هـ - 1960م، مثل آخر دواوينه في احتواء قصائد من شعر التفعيلة إلى جانب قصائد عمودية، وإذا كان الشكل العمودي أكثر حضورا في ديوانه الأول منه في ديوانه الأخير، فإن حضوره في الدواوين المنشورة بينهما متفاوت في الكثرة بين ديوان وآخر. والأمر نفسه يمكن حسابه في الموضوعات؛ فهي متفاوتة في الدواوين، ولكن تنوعها وتعددها حاضران في كل الدواوين، حتى وإن كانت عناوينها ترجّح وجهة من الموضوعات دون غيرها، كما هو الحال في عنوان (أنت الرياض) أو (العودة إلى الأماكن القديمة) أو (أبيات غزل).. إلخ».

ورأى أن القصيبي لم يقصر جهده الإبداعي على الشعر، وهو الفن الذي عرفنا فيه القصيبي إبداعيا أول ما عرفناه، فقد انعطف في عام 1994 بعد نشره 11 ديوانا، ليتحفنا بـ(شقة الحرية)، أول رواية من رواياته، ثم توالت بعدها مؤلفاته الروائية حتى وصلت إلى 9 روايات، ولكنه في الآن نفسه لم ينقطع عن الشعر، وظلت دواوينه الشعرية تصدر حتى تساوى عدد دواوينه في فترة تحوله الروائي مع عدد رواياته».

أما الدكتور حاتم التيهاني فذكر أنه يتضح من أعمال القصيبي أن شعره يطرح سؤالين جريئين، سؤال الوجود الذي يطرح فيه قضايا الإنسان، وسؤال الفن.. والقاسم المشترك فيهما: المرأة والتراث والجمال، مشيرا إلى أن ديوان سحيم الشاعر «فيه بين التراث ونص تشبيه الحياة».

في حين أشار أحمد اللهيب في ورقته إلى أن من أبرز العوامل التي يركز فيها غازي القصيبي في قصائده؛ البيئة التي تحيط به، وأهمها أسرته ومجتمعه ووفاة والدته حين كان عمره 9 أشهر، وتكفل جدته سعاد بتربيته، وإفراطها في تدليله والحنان أثر في طبيعة شعره، وظهر أيضا أثر القرآن في قصائده، بعد أن حفظ القرآن وهو صغير، وقد حضر المتنبي وعمر أبو ريشة في قصائده كثيرا.