تاجر إسرائيلي اشترى من بغداد ثلاثة سيوف نادرة مكتوب عليها عبارات من التوراة جرى تهريبها من معبد يهودي

«الشرق الأوسط» تتابع قصة تهريب الآثار العراقية * أحد تجار الآثار العراقيين: كل شيء قابل للتهريب ما دامت هناك دولارات * مدير عام سابق في وزارة الثقافة والإعلام: مخطوطات ووثائق ملكية نادرة تهرب بواسطة البريد الدبلوماسي

TT

اشارت قصة اختفاء وثائق رسمية سرية ومهمة تعود للعائلة المالكة التي حكمت العراق ما بين عامي 1921 و1958 والتي تخص الملكين فيصل الاول ونجله الملك غازي من دوائر حكومية في بغداد والمتاجرة بها الى جانب قطع آثارية بابلية وعباسية ومخطوطات اسلامية نادرة من قبل تجار انتيكات عراقيين في عاصمة دولة عربية مجاورة للعراق، ضجة في العراق مما دفع رئاسة الجمهورية الى تشكيل لجنة تحقيق في وزارة الثقافة والاعلام لمعرفة كيفية تسريب هذه الوثائق والآثار من دار صدام للمخطوطات والمكتبة الوطنية والوثائق ومتحفي البصرة وكركوك، حسب ما ذكر لـ«الشرق الأوسط» مدير عام سابق في وزارة الثقافة العراقية الذي اشار الى ان التحقيقات بقيت قيد السرية التامة بسبب اكتشاف تورط مسؤولين في الدولة ومقربين من العائلة الحاكمة ودبلوماسيين عراقيين هم من الموظفين العاملين في السفارات العراقية مما ادى اخيراً الى حركة تنقلات واسعة بين موظفي السفارات العراقية، خاصة في عمان وتركيا، اذ تم اعادة غالبيتهم الى بغداد كما تمت في منتصف العام الحالي تغييرات في مناصب غالبية المديرين العامين في وزارتي الثقافة والاعلام.

هذا التحقيق يعرض قصة اختفاء الآثار والوثائق العراقية ووصولها الى محلات انتيكات متواضعة في اسواق عواصم مجاورة للعراق تمهيدا لبيعها لتجار آثار ومخطوطات في اوروبا، بل وحتى في اسرائيل.

* بداية القصة

* يقول ابو حيدر، والاسماء ستكون هنا هكذا، اذ ان محترفي تهريب الاثار والمخطوطات لم ولن يصرحوا لك باسمائهم الصحيحة مهما اعتقدت بأنك كسبت ثقتهم: كل شيء في بغداد ممكن اخراجه طالما هناك (دفع) و(توريق). وهذان المصطلحان مشهوران اليوم ومنذ بداية حرب الخليج الثانية وتعنيان دفع الفلوس و(توريق) الدولارات والكلمة جاءت من اوراق، ثم توريق، وقبل بدء أي صفقة فعليك ان (تورق) حتى الامور تبدو واضحة لهم.

التقيت ابو حيدر في محل انتيكات متواضع وبعيد عن الشبهات في عاصمة عربية (...) بعد ان ابلغني صحافي عراقي مقيم هناك بأن هناك قطعاً آثارية عراقية معروضة للبيع في هذا المحل وكلف بالترويج لها مقابل عمولة مغرية بشرط ان يكون الزبون اوروبيا او عربيا مقيما في اوروبا ورفض هذا الصحافي مرافقتي الى هذا المحل كوني عراقياً وان كنت مقيماً في اوروبا وهذا ما جعلني اقوم بالمحاولة بنفسي.

عندما قابلت ابو حيدر سألته عن عملات عباسية أو أموية باعتباري من هواة جمع العملات ومنحته الفرصة لأن يعتقد بأني اتاجر بتلك العملات في اوروبا وهو يؤكد بأن «حدسه لا يخيب»، وصرت اتردد على المحل ونتحدث عن تجارة الانتيكات في لندن وباريس وامستردام وبرلين وعن ضرورة ايجاد منافذ لها هناك لكسب المزيد من الاموال، فقال «نحن نبيع الاشياء هنا ومن يريد فعليه ان يشتريها ويأخذها الى هناك لأننا لا نغامر باخراجها، هذه ليست شغلتنا، وكل شيء له ثمنه».

بعد ايام من ارتشاف (استكانات) اقداح الشاي ربطتنا علاقة ثقة بسيطة مثلت خلالها التحدث خلال الموبايل مع اصدقاء في اوروبا لاخبارهم عما هو موجود من عملات عباسية نادرة قبل ان يفاتحوني بوجود مخطوطات اسلامية نادرة. في البداية كانت هذه المخطوطات عبارة عن مصاحف كريمة ليست قديمة وتاريخها يتراوح ما بين 120 الى 150 عاما واخبرتهم بأن اصدقائي في اوروبا يريدون مصاحف نادرة وقديمة جدا الى جانب مخطوطات نادرة فعلا ووثائق ملكية ان توفرت.

* مغارة علي بابا

* يقول شريك ابو حيدر (م. حسين) وهو في العقد السادس من عمره ان الازمة التي تمر بالعراق فتحت امامهم مغارة كنوز علي بابا، في اشارة لحكاية مشهورة من الف ليلة وليلة، ويضيف قائلا ان هناك مخطوطة يعود تاريخها لما يقرب من الف عام وكتبت على الرق ستصل من بغداد وتم الحصول (سرقتها) من دار صدام للمخطوطات وقد يصل ثمنها الى مائة الف دولار، ثم حدثني عن ثلاثة سيوف فضية مكتوب عليها بحروف ذهبية جمل عبرية من التوراة ويعود تاريخها الى اكثر من خمسمائة عام تم نقلها من معبد يهودي يقع في شارع المستنصر (النهر) بجانب الرصافة من بغداد وقد اشتراها تاجر انتيكات يهودي مقيم في اسرائيل ويتردد على عمان بين فترة واخرى لشراء هذه النوادر بمبلغ 150 الف دولار، وقد اراني صور السيوف وهو يقول «هذه سيوف يهودية لا نريدها ولتعد لهم».

لكن المفاجأة كانت عندما كشف لي عن وجود اختام اسطوانية بابلية يعود تاريخها الى ثلاثة آلاف وخمسمائة عام ولم اصدقه حتى شاهدت تلك الاختام ولمستها بيدي، خمسة اختام اسطوانية نادرة ولا تقدر بثمن سرقت من احد المتاحف العراقية وهي الآن بيدي بعد ان كنت اشاهد مثيلاتها في المتحف العراقي ومن خلال الزجاج المنيع وتحت الحراسة المشددة الى جانب قطع حجرية سومرية وبابلية تحمل نقوشاً اكدية نقلت من مدينة سبار الآثارية التي تقع بين بغداد وبابل.

حاولت تصوير الاختام والقطع الحجرية بحجة ارسال الصور لاوروبا لغرض اطلاع اصدقائي عليها مما يسهل عملية تسويقها لكنهم منعوني وبشدة، اذ كانوا حذرين للغاية من وجود كاميرا أو مسجل صوت فهم حذرون للغاية لهذا كانوا يعرضون عليّ القطع الآثارية والمخطوطات في اماكن متفرقة، وعادة يكون المكان سيارة تحمل ارقاماً سياحية (مؤجرة) يقودها شاب قال ان اسمه حاتم، وذلك كي لا يتركوا اي دليل ضدهم.

* وثائق ملكية

* في الساعة العاشرة من ليلة يوم خميس اتصلوا بي لغرض شرب الشاي معاً، وكانت هذه اشارة تعني ان هناك ما يريدون عرضه علي، وانتظرتهم عند احد الميادين العامة، حيث جاءوا في سيارة مختلفة عن سابقتها وعرضوا عليَّ وثائق ملكية تعود للملك غازي، وثائق تحمل اختاماً رسمية وارقام حفظها السري في المكتبة الوطنية ودائرة حفظ الوثائق الحكومية العراقية. وثائق تتعلق بالحالة الصحية للملك غازي وبوضعه الاقتصادي وتقارير عن حياته الخاصة كتبت من قبل مراقبين عنه، ثم اخبروني بأن هناك وثائق عن الملك فيصل الأول هي الآن (وقتذاك) قيد المباحثات لبيعها لشخص عراقي مقيم في اوروبا ومهتم بها ووعدوني بعرضها عليَّ اذا لم تتم الصفقة. لكن الصفقة تمت ولم ار سوى صور الوثائق التي وصلت في ما بعد الى لندن بالفعل.

غير هذه الوثائق كان هناك خنجر فضي جميل طرزت عليه آيات قرآنية بالذهب يعود للملك فيصل الأول وصور نادرة للعائلة المالكة التي حكمت العراق ما بين (1921 ـ 1958).

* مخطوطات نادرة

* المخطوطات التي شاهدتها ولمستها بيدي كانت في غالبيتها تدور عن الفقه واللغة والرياضيات وتشريح جسم الانسان (طب) الا ان الغالبية بينها هي مخطوطات اسلامية نقلت غالبيتها من مكتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني (الكيلاني)، ومكتبة الامام ابو حنيفة الاعظمية وقسم كبير تم نقله من مكتبات مدينة النجف ويتناول فقه المذاهب السنية والشيعية.

وعدوني بوصول نسخة نادرة من مخطوطة (شمس المعارف الكبرى) لكنني لم ار تلك المخطوطة.

* كل شيء قابل للتهريب

* هذا ما يؤكده ابو حيدر، كل شيء قابل للتهريب من العراق، آثار او مخطوطات او وثائق ويمكن ايصالها الى عمان والى دمشق واسطنبول ايضا مع ملاحظة طالما يرددها هذا المحترف بتهريب الآثار وهي «كل شيء بثمنه». يقول ابو حيدر انهم يتعاملون مع بعض سائقي السيارات العاملين بين بغداد وعمان ولهؤلاء علاقاتهم مع المتنفذين في نقطة التفتيش الحدودية (طريبيل) بين العراق والاردن فالدولار هو سيد الموقف.

أما المدير العام السابق في وزارة الثقافة الذي كنت قد التقيته في (...) بصورة سرية فقد اكد ان متنفذين في اجهزة الدولة في العراق هم وراء ادارة شبكات تهريب الآثار والوثائق واللوحات الفنية النادرة من العراق وعبر سورية والاردن وتركيا.

ويكشف عن ضلوع بعض العاملين في السفارات العراقية والذين يهربون الكثير من الوثائق عن طريق البريد الدبلوماسي وهذا ما كشفته حقيقة اعادة هؤلاء الى بغداد واحالتهم للتحقيق لكن التحقيق بقي طي الكتمان السري لتورط اقرباء عائلة الرئيس صدام حسين في تلك العمليات.

وعندما سألته عن قرار سابق لمجلس قيادة الثورة يقضي باعدام من يثبت تورطه في عمليات تهريب الآثار قال: للأسف لم يطبق هذا القرار الا على فنانة (ممثلة) عراقية شابة كانت متزوجة من شخص عربي (غير عراقي) يعمل سائق شاحنة بين بغداد وعمان، وقد ثبت تورط الزوج بعمليات تهريب آثار للخارج، وبعد هروبه تم القاء القبض على الزوجة المسكينة واتهمت بالتعاون معه ووعدت من قبل الاجهزة الامنية باطلاق سراحها اذا ظهرت على شاشة التلفزيون العراقي لتدلي باعترافات غير صحيحة تؤكد تورطها بمساعدة زوجها، وقد ظهرت بالفعل وحكمت بالاعدام ثم تم تخفيف الحكم الى السجن المؤبد.

ويؤكد المدير العام السابق في وزارة الثقافة ان التقارير الاعلامية العراقية ما تزال تلقي اللوم على احداث الانتفاضة الشعبية في آذار (مارس) 1991 مشيرا الى ان هذه التقارير تقول ان المنتفضين هم الذين تسببوا في سرقة هذه الآثار والوثائق مع انه مرت اكثر من عشر سنوات على هذه الاحداث وما تزال الآثار والمخطوطات تتسرب الى خارج العراق.

وأضاف: ان المواقع الآثارية في عموم العراق بلا حراسة، وهي مفتوحة أمام أي شخص ليذهب ويأخذ ما يشاء ويهربه.

وتحدث عن تعرض رأس الثور المجنح وهو احد اضخم منحوتتين في النمرود عاصمة نينوى والذي ما يزال معروضا في الهواء الطلق للقطع من قبل احد مهربي الآثار لغرض نقله الى اسطنبول لبيعه هناك لكن السلطات الحدودية التركية كانت قد القت القبض على المهرب كون الرأس كبيرا وثقيلا فهو منحوت من الحجر الصلد، وتمت اعادة رأس المنحوتة للعراق، مشيرا الى ان مواقع آثارية اخرى نهبت كلها من قبل المهربين من غير ان يواجهوا اية صعوبات مثل الموقع الآثاري الواقع في بدرة التابعة لمحافظة واسط والمتاخم للحدود العراقية الايرانية حيث كان هذا الموقع منطقة عسكرية ابان الحرب العراقية ـ الايرانية وهو خال من اي حراسات، اذ ان دائرة الآثار التابعة لوزارة الثقافة لا تتوفر على ميزانيات لتعيين حراسات مشددة على المواقع الآثارية وغالبا ما تعين حارسا متقدما في العمر ويكون من سكنة المنطقة ولا يحمل سوى بندقية متواضعة وفي العادة يكون هذا الحارس هو الدليل لسراق الآثار وتهريبها.

واشار الى ان رئاسة الجمهورية ذاتها قامت بالسيطرة على الكنز الاشوري الذهبي الذي تم اكتشافه في آثار مدينة النمرود في نينوى شمال العراق ومنح هدية لزوجة الرئيس صدام حسين اذ يعد هذا الكنز افضل واجمل وارقى ما تم اكتشافه في العراق اخيراً (عام 1988).

يذكر ان هذا الكنز الذهبي يضم تيجانا وعقودا واحزمة واقراطا وخواتم نادرة للغاية تؤكد براعة صانعيها قبل اكثر من خمسة آلاف عام وتم عرضه لاسبوعين فقط في المتحف العراقي قبل ان يقوم القصر الجمهوري بسحبه من المتحف لعرضه للرئيس العراقي وعائلته ولم يعد الكنز منذ ذلك اليوم الى المتحف.

* بين أوروبا وبغداد

* في ما مضى كنا نكتب في الصحافة العراقية مطالبين بعودة آثارنا التي نقلت في فترات متقطعة ومنذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية الخمسينات الى المتحف البريطاني في لندن او الى متحف برلين او الى متاحف اوروبية اخرى في باريس أو امستردام او الى متاحف اميركية باعتبار ان هذه الآثار تعرضت للسرقة ولا بد من عودتها الى المتحف العراقي في بغداد كون العراق هو موطنها الاصلي.

لكنني بعد ان شاهدت جزءاً من شارع الموكب وبوابة عشتار وقد افرد لها متحف برلين قاعة ضخمة لعرضها والحفاظ عليها، وبعد ان شاهدت مدى اهتمام المتحف البريطاني في لندن بعرض الآثار السومرية والبابلية والاشورية شعرت بالاطمئنان على تلك الآثار التي يشاهدها الآلاف من الزوار يوميا ومن مختلف انحاء العالم.

فلو بقيت هذه الآثار في العراق لتعرضت اما للتخريب او للتهريب كمــــــا حدث لآثار مدينة بابل التي عبدت شوارعها وبنيت معابدها باســــــلوب جديد وبطابوق (آجر) نقشت عليه صور الرئيس العـــــراقي الى جانب صورة متخيلة للملك البابلي نبوخذ نصر وكتب على هذا الطابوق عبارة «من نبوخذ نصر الى صدام حسين المجيد بابل تنهض من جديد».

كما تعرضــــــــت زقورة (أور) السومرية القريبـــــــة من مديـــــــنة الناصرية في محافظة ذي قار جنوب العراق للتصدع بعد ان استخدمت كمظلة لحماية قواعد صــــواريخ ارض ـ جو وارض ـ ارض خلال حربي الخليج الاولى والثانية باعتبار ان هذه المنطقة لا تتــــــعرض للقصف كونها مناطق آثاريــــــة وهذا ما حدث ايضا في منطقة آثار مدينة بابل القريبة من مدينة الحلة وسط العراق.

فكرت وانا اتأمل القيثارة السومرية الموجودة في المتحف البريطاني برأس الثور المصنوع من الذهب الخالص بأن هذا الرأس كان سيختفي لو ظل موجودا في بغداد ولتم بيعه كسبائك ذهبية ولراح ادراج الرياح مثلما حدث للكنز الذهبي الآشوري الذي لا يقدر بثمن.