المؤرخ المغربي التازي يتساءل عن مصير قطعة تاريخية مغربية وحيدة بمتحف بغداد

TT

بعد مأساة نهب عدد من كنوز المتحف الوطني العراقي وتلف بعضها يتساءل الدكتور عبد الهادي التازي عضو اكاديمية المغرب والمجامع العربية بما فيها المجمع العلمي العراقي، عن مصير أقدم وأهم قطعة فريدة تؤرخ لميلاد الدولة الادريسية بالمغرب الاقصى، وبالتالي تؤرخ لاستقلال المغرب عن الخلافة في المشرق.

ويسجل الدكتور التازي الذي كان سفيرا لبلاده لدى العراق مرتين، في الستينات، وفي السبعينات، يسجل في مذكراته الطويلة العريضة عن حياته في العراق انه كان يتردد على مراكز التراث التي يزخر بها العراق جنوبا وشمالا... وانه عندما كان يزور متحف بغداد الحافل بالذخائر لفتت نظره قطعة لعملة مغربية نادرة، بل انها الوحيدة في العالم، ويتعلق الامر بأقدم وثيقة حية شاهدة لظهور الادارسة الذين أنشأوا لهم، بمؤازرة الامازيغ (البربر) مملكة مستقلة عن الخلافة العباسية ببغداد.

ضربت هذه القطعة في مدينة تدغة (مدينة اختفت اليوم، وكانت بجنوب المغرب) وكانت تدغة احدى دور السكة على ذلك العهد، وقد ضربت القطعة بتاريخ 172 هجرية (الموافق 789 ميلادية) اي قبل بناء الادارسة مدينة فاس عاصمتهم الاولى.

وقد نقش على الوجه الاول لهذه القطعة الكلمات التالية في اربعة سطور:

1 ـ لا إلاه إلا 2 ـ الله وحده 3 ـ لا شريك له 4 ـ ... بتدغة سنة اثنتين وسبعين ومائة.

كما نقش على وجهها الثاني كذلك في اربعة اسطر:

1 ـ محمد رسول 2 ـ الله صلى الله 3 ـ عليه وسلم 4 ـ مما أمر به ادريس بن عبد الله لقد اعتمد الدكتور التازي على هذه القطعة الفريدة في موسوعته المعروفة «التاريخ الدبلوماسي للمغرب»، (في خمسة عشر مجلداً) باعتبار ان القطعة تقدم معلومة معاصرة حية لميلاد اول دولة اسلامية في بلاد المغرب الاقصى مستقلة عن الخلافة العباسية التي كانت تعاكس احفاد الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)، في المطالبة بحقهم في الولاية.

وكان ادريس بن عبد الله تمكن من الافلات في اعقاب معركة فخ (مكان على بعد ثلاثة اميال من مكة). التي تواجه فيها الخليفة العباسي الهادي بن المهدي بن ابي جعفر المنصور، والحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي ابن ابي طالب. وكان مع الحسين المذكور جماعة من اهل بيته منهم ادريس بن عبد الله بن الحسن المثنى. ولقد لحقت الهزيمة بالحسين واصحابه يوم الثامن من ذي الحجة (11 يونيو (حزيران) 786)، وتمكن ادريس بن عبد الله من عبور البحر الاحمر الى افريقيا فوصل الى طنجة قبل ان يجتمع بأهل المغرب، ليقف ضد هيمنة العباسيين على المغرب!.

ومن المعلوم ان هذا الحدث الكبير المتمثل في استقلال المغرب عن المشرق اقلق الخليفة العباسي العظيم هارون الرشيد الى حد كبير، الامر الذي جعله يقرر ـ بعد استشارة وزيره يحيى بن خالد البرمكي ـ ارسال مبعوث خاص هو سليمان بن جرير الشماخ بهدف تصفية الامام ادريس بن عبد الله حتى يمنع ـ كما كان يأمل ـ إنشاء دولة جديدة بالمغرب، قد تزعزع كيان الخلافة العباسية بالمشرق. وبما ان ارسال جيش بكامله الى المغرب الاقصى للاجهاز على الدولة الناشئة من شأنه ان يكلف العباسيين، بهذا اكتفوا بارسال مبعوث مدرّب على التآمر والتصفيات.

التازي كان في صدر الذين اشفقوا منذ بداية الحرب في العراق، على الآثار التي تزخر بها البلاد، ومن ثم اعرب عن مخاوفه من الخطر الذي قد يطال التراث الضخم التي تحتضنه بلاد الرافدين (تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، عدد اول ابريل (نيسان) 2003).

وحقا بعدما يشاهد ما لحق فعلا بهذه المراكز والمؤسسات الاكاديمية من دمار فإنه ناشد وما زال يناشد المسؤولين عن هذه المتاحف ان يعملوا على صيانة هذه الكنوز التي هي ـ في الواقع ـ كنوز للانسانية جمعاء، كما ناشد الانتربول ان تعمل، وبجدية وصرامة، على تطويق كل اعمال الشغب والنهب التي تطال امثال هذه المؤسسات التي تظل فوق الاهداف السياسية العابرة!.

لقد كان الدكتور التازي يتساءل عن السر في وجود هذه القطعة المغربية التي ترجع لعهد ادريس الاول المغتال من لدن حكام بغداد، في العراق. وهل ما اذا كانت هناك خلفية تاريخية قديمة لهذا الوجود ترجع لعهد التفكير في ذلك الهاجس الاسود الذي ادى بهارون الرشيد الى ارتكاب خطأه التاريخي ازاء بلد بعيد عنه.

انه يسائل المشرفين على الرّواق الذي كان يحتضن هذه القطعة الثمينة الى الامس القريب، وهي تفرض نفسها على كل الذين يكتبون عن تاريخ العلاقات الدولية لدار الاسلام سواء بالمغرب او المشرق. يسائلهم حول رغبته في الوقوف على جلية الامر حول هذه القطعة، ويقدم هنا صورة لها، وهي تحمل رقم 950 على ما هو مكتوب عليها بالارقام الهندية، وبخط شرقي، وقد اثبت الدكتور التازي هذه الصورة في المجلد الرابع من موسوعته «التاريخ الدبلوماسي للمغرب» رقم الايداع القانوني 1986/25 مطابع فضالة، المحمدية ـ المغرب.