السودان: الغزاة أرادوا إخفاء حضارة نبتة وكنوزها والأثريون الأميركيون والسويسريون أعادوا اكتشافها

TT

اعتبر مدير الآثار والمتاحف السودانية حسن الحسين اكتشاف تماثيل ملوك مملكة نبتة (في موقع كرمة) بشمال السودان «أهم وأعظم الاكتشافات التي عرفها السودان في المائة سنة الأخيرة».

وقال مدير عام الآثار والمتاحف السودانية لـ «الشرق الأوسط»، إن تماثيل الملوك ترهاقا ملك النوبة، وسنكا منسكت، وتاتوت أماني، اكتشفت عند دوكي بموقع كرمة بالولاية الشمالية، وإن التماثيل الثلاثة شكلت من الغرانيت ونقش عليها باللغة الهيروغليفية، وتحمل أسماء الملوك الثلاثة، ويعود الكشف الأثري إلى مملكة نبتة في الفترة ما بين القرن التاسع قبل الميلاد إلى القرن الرابع قبل الميلاد.

وتابع الحسين: «التماثيل الملكية المكتشفة تشكل دليلا قاطعا على أن موقع كرمة من المواقع أو المدن المهمة خلال فترة نبتة، وأن الحالة التي وجدت عليها تماثيل الملوك تدل على أن حملة الفرعون بساميتيك (591 ق. م) حاول فيها الفرعون القضاء على كل آثار مملكة نبتة والبركل في السودان وتحطيمها واخفاءها.

واعطى مدير الآثار والمتاحف السودانية افادات أوفر عن أهمية تماثيل الملوك التي وجدت محطمة داخل قبو غائر لمنع الوصول إليها، بالإشارة إلى أن «تحطيم التماثيل الملكية يدل على غزو الملك بساميتيك الثاني لمملكة نبتة، وحدث هذا الغزو في بدايات القرن السادس قبل الميلاد. وقد شملت أعمال التدمير والتحطيم بعض المعابد والتماثيل في البركل التي امكن اكتشافها حتى الآن وهي للملوك ترهاقا وتاتوت أماني وسنكا منسكت واللاماني واسبلتا.. اما اشهرهم على الاطلاق الملك ترهاقا (690 ـ 664 ق. م)، وهو ابن الملك بعانخي الذي حكم لمدة 26 سنة، واستطاع إبان فترة حكمه أن يسيطر على وادي النيل حتى الدلتا، واتخذ من منطقة البركل عاصمة له. واستطاع كذلك ان يسيطر على اراضي فلسطين الحالية، وشيد عدة معابد للاله آمون في كل من جبل البركل والكوة. كما اضاف جزءاً لمعبد يوهين الذي اكتشف في مدينة حلفا وقبل اغراقها في مطلع الستينات نتيجة قيام السد العالي الذي اكتمل عام 1964، ونقل إلى الخرطوم، وتوجد مقبرة ترهاقا في نوري ودفن فيها في اكبر هرم».

واضاف مدير الآثار والمتاحف السوداني، أما الملك الثاني فهو تاتوت (664 ـ 656 ق. م) فقد خلف في الحكم ترهاقا آخر ملوك نبتة ممن حكموا مصر الفرعونية وله تمثال معروض في متحف السودان القومي بالخرطوم، وهو ابن الملك شباكو. واستطاع الملك تاتوت اماني السيطرة على مصر عام 661 ق. م، لكنه سرعان ما تراجع الى منطقة البركل اثر هجوم الآشوريين على مصر، وقد دفن في المقبرة رقم 6 بالكرو. وتحمل هذه التماثيل نصا يقول «إنها صنعت للاله آمون بنبس PNUBS، و«بنبس» هذه ذكرت في كل وثائق التتويج للملوك السودانيين الذين كانوا يزورون معبدها لأخذ بيعة الكهنة، ولم يكن معروفا موقعها الجغرافي، لكن الاكتشافات الأثرية الأخيرة أظهرت أن بنبس هي الاسم القديم لكرمة».

وتابع: «ان هذه التماثيل رغم تحطيمها احتفظت بقوتها وجمالها ويمكن اعادتها الى ما كانت عليه تماما. وتقوم البعثة السويسرية من جامعة جنيف بالتعاون مع الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية بأعمال البحث الأثري في المنطقة، ونتيجة لجهودها أمكن التوصل إلى 4 مكتشفات أثرية مهمة، لها أثرها ودورها في تصحيح مسار التراث الحضاري السوداني».

الجدير بالذكر ان قرية كرمة تقع في الولاية الشمالية على الضفة اليمنى للنيل، وعلى بعد 300 كيلومتر إلى الجنوب من الشلال الثالث، وتعتبر واحدة من قواعد أقدم الممالك (2500 ـ 1500 ق. م)، وهي تحتفظ بقلاع ومعابد وجبّانات دفن فيها ملوك هذه المملكة ومواطنوها.

والمثير ان اكتشاف هذه الحضارة القديمة للسودان تمت على يد عالم الآثار الأميركي جورج اندرو رايزنر G. A. Reisner، الذي قام بحفريات مكثفة في المنطقة بين عامي 1913 و1916.

ولقد كان هناك خطأ شائع ينسب هذه الحضارة للدولة المصرية الوسطى، لكن الاكتشافات والدراسات اللاحقة وبوجه خاص التي قامت بها البعثة السويسرية (بعثة جامعة جنيف) عام 1973، أثبتت ان كرمة كانت عاصمة لدولة سودانية خالصة. وأظهرت الاكتشافات أيضا أن أهل كرمة هم أول من صنعوا الطوب الأحمر للبناء عام 1750 ق. م، وكذلك اول من صهروا البرونز في المنطقة.