العثور على خطاب ملك الحثيين والبحث يتجدد عن عاصمة رمسيس

أحمد عثمان

TT

عثرت البعثة الألمانية على لوح يتضمن رسالة دبلوماسية أرسلها ملك الحثيين بالأناضول ـ تركيا ـ إلى رمسيس الثاني في مصر، يعود تاريخها إلى حوالي 33 قرناً مضت.

وجدت الرسالة التي تحتوي على 11 سطراً، في بقايا قصر الفرعون بمنطقة قنطير، على بعد 120 كيلومترا شمال شرقي القاهرة. وقال ادغار بوش، مدير البعثة الألمانية، إن هذه الرسالة المكتوبة بالخط المسماري الآكادي، الذي صار بمثابة اللغة الدبلوماسية في العالم القديم، وهي تشبه رسالة أخرى تم العثور عليها في تركيا. وتوقع عالم المصريات الألماني، العثور على نص اتفاقية السلام التي وقعها رمسيس مع ملك الحثيين في المكان نفسه.

الجدير بالذكر، انه كانت هناك ثلاث قوى سياسية تتصارع سياسياً، في ما بينها، عندما جلس رمسيس على العرش، هي مصر في الجنوب، وأشور في وادي الرافدين، وبلاد الحثيين في الأناضول. وتمكن الحثيون في فترة انشغال المصريين بالثورة الدينية التي أشعلها اخناتون وتوت عنخ امون، عند منتصف القرن 14 ق. م، من مدّ نفوذهم جنوباً والسيطرة على سورية، وأصبحت مدينة كركميش (جرابلس)، في أعالي الفرات، تمثل مركز سيطرة الحثيين في شمال ارض الرافدين وسورية. وكذلك وقعت قبرص، التي كانت تعرف باسم (ألاشيا)، تحت احتلال الحثيين. وانتهزت اشور هذه الفرصة، فسارت بقواتها شمالاً وقضت على مملكة ميتاني بأعالي الفرات قبل أن تمد نفوذها جنوباً لتضم دولة «كرادونياش» البابلية. وعلى الرغم من خروج سيتي الأول، ثاني ملوك الأسرة 19، التي وصلت إلى الحكم على اثر سقوط حكم العمارنة، على رأس جيشه لمحاربة الحثيين في بلاد الشام، إلا أن هؤلاء كانوا يعودون دائماً لمد نفوذهم على هذه البلاد، بمجرد عودة الجيوش المصرية إلى بلادها.

وبعد صراع غير محسوم، نصحه ضباطه بالجنوح للسلم، قائلين «ليس هناك من خزي مع التسوية حين تقوم بها»، شن رمسيس الثاني حملات على سورية في السنوات اللاحقة. وجاءت المعركة الحاسمة بين القوتين في بداية حكم رمسيس الثاني الذي استمر 67 سنة.

ففي العام الخامس من حكمه، سار رمسيس على رأس أربع فرق عسكرية لملاقاة الحثيين في شمال سورية، وكانوا قد حشدوا قواتهم عند مركزهم الحصين في مدينة «قادش» في موقع تل النبي مند الحالي، ذي الأسوار العالية، وتشجع الملك عندما لم يلق أي عقبات في طريقه، فأسرع في مسيرته شمالاً على رأس فرقة واحدة، تاركاً معظم قواته خلفه لتتبعه. وكانت المفاجأة عندما خرجت عجلات الحثيين الحربية فجأة من خلف قادش، لتشن هجومها على الملك وجيشه الصغير، ودب الذعر في صفوف الجنود وتفرّقوا، ولم ينقذ الموقف إلا شجاعة رمسيس نفسه.

فقد أخذ رمسيس عدداً قليلاً من اتباعه، وشن هجوماً مضاداً على الحثيين، الذين، رغم كثرتهم، دهشوا لشجاعته وانتابهم الذعر لهجوم الملك عليهم. وأعطى تصرف رمسيس هذا وقتاً كافياً لباقي الوحدات المصرية، حتى تتجمع وتبدأ هجوما شاملا، انتهى بهزيمة الحثيين.

وفي اليوم التالي أرسل مواتاليس ملك الحثيين إلى رمسيس طالباً عقد هدنة، ووافق الملك المصري وعاد بقواته إلى بلاده من دون أن يدخل المدينة السورية.

وبمجرد ذهاب المصريين، عاد الحثيون ليفرضوا سيطرتهم على جميع الأراضي السورية حتى مدينة دمشق. وهكذا استمر الصراع بين المصريين والحثيين 16 سنة أخرى، إلى أن توصل الطرفان إلى عقد معاهدة سلام بينهما، عام 21 من حكم رمسيس الثاني، حوالي 1283 ق. م، وتم الاتفاق ضمنا على تحديد خط حدودي يفصل بين الطرفين، وإن لم يأت ذكره في وثيقة الاتفاق. كان لبزوغ نجم الآشوريين والاضطراب في الاناضول الشرقية عاملاً مهماً في قبول الحثيين المعاهدة، في حين كان رمسيس الثاني متخوفاً من تهديد ليبي جديد من الشرق. وقد عثر على نسخ مدونة من المعاهدة بالمصرية والحثية. تضمنت معاهدة السلام تخلي الطرفين عن القيام بأعمال عدوانية، وإقامة اتحاد مشترك ضد أي هجوم خارجي، أو عصيان داخلي، وتسليم اللاجئين الهاربين. واحتفظ الحثيون بسيطرتهم على شمال سورية، بما في ذلك قادش، على أن يكفّوا عن تهديد مناطق النفوذ المصري في الجنوب، وأصبح الطرفان اصدقاء بعد عقد اتفاق السلام. وازدادت المعاهدة رسوخاً أكثر بعد 13 سنة، من توقيعها، عندما تزوج رمسيس الثاني من أميرة حثية، وكانت لدى الملك عائلة كبيرة العدد من زوجاته اللواتي لا حصر لهنّ، من بينهن على وجه الخصوص اخته نفرتاري التي كرّس لها معبداً في أبو سنبل في النوبة، وبنى لها ضريحاً رائعاً في «وادي الملكات». واستمر السلام حوالي قرن من الزمان، إلى أن انهارت دولة الحثيين نفسها أمام هجمات أعداء جدد، هم «أقوام البحر»، الذين جاءوا من بلاد اليونان.

بي رمسيس من جهة ثانية، استنتج الدكتور محمد عبد المقصود، مدير اثار الدلتا من هذا الكشف، ان قصر قنطير هو الذي صار مقراً رسمياً لرمسيس الثاني، وعرف باسم «بي رمسيس». وتوقع العثور على الأرشيف الملكي في الموقع ذاته. إذ تتحدث المصادر التاريخية المكتوبة عن ثلاثة أسماء لمدن مهمة بنيت شرق الدلتا، هي أواريس عاصمة الهكسوس وزاروا المدينة الحدودية الحربية التي بناها ملوك الأسرة الثامنة عشر عند بداية طريق حورس المؤدي إلى فلسطين، و«بي رمسيس» المقر الملكي الذي شيده ملوك الأسرة التاسعة عشر من الرعامسة. وعبثاً أجهد الباحثون عقولهم وأعملوا معاولهم منذ أن بدأت عمليات الحفر الأثري في منتصف القرن الماضي، متنقلين شرق دلتا النيل من موقع الى آخر بحثاً عن هذه المدن الثلاث، من دون جدوى. إلا ان اعمال الكشف الأثري الحديثة بينت ان هذه الاسماء الثلاثة ما هي إلا مسميات لموقع جغرافي واحد في أزمنة متعاقبة.

وأواريس هي المدينة التي اعاد الهكسوس تحصينها عند الحدود الشرقية، لتكون عاصمة لهم، حوالي مائة سنة، الا ان اسم اواريس اختفى تماماً من السجلات ولم نعد نسمع عنه شيئاً بعد ان حرقها أحمس بالنار عند بداية حكم الأسرة الثامنة عشر، ثم ظهر اسم جديد لمدينة محصنة شرق الدلتا منذ عصر تحتمس الثالث سادس ملوك الأسرة الثامنة عشر، هو «زارو» أو «زعرو» كانت تتجمع فيها القوات المصرية، التي تصلها بالمراكب، قبل أن تخرج منها في طريقها الى بلاد الهلال الخصيب. وكان الطريق البري الذي يصل مصر بفلسطين «طريق حورس»، يبدأ عند زارو ويمتد في شمال سيناء بمحاذاة ساحل البحر المتوسط حتى يصل إلى غزة. وازدادت أهمية زارو طوال أيام الأسرة الثامنة عشر، حتى أصبحت في نهايتها مقراً لأهم شخصية في الحكومة بعد الملك، ألا وهو «با رمسيس»، الذي أصبح قائداً عاماً ورئيساً لوزراء حورمحيب آخر ملوك هذه الأسرة، بل ان هذا الوزير هو الذي اعتلى العرش بعد موت الملك باسم رمسيس الأول وأسس الأسرة التاسعة عشر. وكان ابنه وخليفته سيتي الأول يعيش معه في زارو كذلك قبل أن يبدأ في بناء قصور له في مناطق اخرى من الأراضي المصرية، ثم منذ عصر رمسيس الثاني ـ ابن سيتي الأول ـ بدأ يسمع عن وجود مقر ملكي باسم «بي رمسيس»، أو كما ورد في شكله الكامل «بيت رمسيس محبوب امون المنتصر العظيم»، الذي تقول عنه النصوص انه يقع «عند بداية البلاد الأجنبية ونهاية مصر»، أو في الموقع الذي تلتقي فيه رمال الصحراء مع طمي النيل شرق الدلتا. وتدلنا النصوص كذلك على أن موقع بي رمسيس كان في منطقة حربية محصنة، وتقول بردية أناستازيا انه يقع «في النقطة التي يتجمع عندها الجنود».

وبينما يخبرنا الكاهن المصري مانيتون صراحة بأن مدينة أواريس، شيدت في موقع مدينة مصرية سابقة، استطاع المؤرخون الحديثون التوصل، عن طريق النصوص المكتوبة، الى ان موقع بي رمسيس هو نفس موقع أواريس عاصمة الهكسوس، الا ان الأثري المصري لبيب حبشي استبعد البحث عن عاصمة الهكسوس، من منطقة القنطرة شرق، عندما أعلن قبل الحرب العالمية الثانية ان بقايا قصر الرعامسة، الذي عثر عليه في منطقة قنطير بمحافظة الشرقية، هو بي رمسيس نفسه، الذي ورد ذكره في النصوص القديمة. ورغم ان الشرط الأساسي للتعرف على عاصمة الهكسوس، وهو وجود أسوار تحيط بها وتحصينات عسكرية، لم يتحقق، فإن الغالبية العظمى من علماء المصريات قبلوا تفسير حبشي. وعثرت بعثة الحفر النمساوية عام 1969، برئاسة الدكتور مانفريد بيتاك في منطقة تل الضبعة القريبة من قنطير على جبانة من عصر الهكسوس، وجدت بها جثث وحلي وأدوات وأسلحة تختلف عما كان يستخدمه المصريون القدماء. وأعلن بيتاك بناء على دراسة هذا الكشف، أن هذه الجبانة تمثل بقايا مدينة أواريس عاصمة الهكسوس في مصر، وأن تل الضبعة وقنطير تعتبران معاً مكاناً واحداً لعاصمة رمسيس الثاني بر رمسيس التي بنيت فوق انقاض عاصمة الهكسوس أواريس. ومنذ أن أعلن بيتاك هذا الرأي قبل حوالي 30 سنة، وهو لا يزال يعمل في المنطقة حتى الآن، صار تحديد موقع أواريس مقبولاً لدى علماء المصريات في جميع أنحاء العالم.