اكتشاف أقدم مدينة لقوافل الحج بشمال السودان احتفظت بالمعمار الإسلامي وخلاوي تعليم القرآن للنساء

TT

شهد السودان منذ العصور الحجرية ومرورا بحضارات نبتة ومروى في الفترة من 900 ق.م الى 350 ق.م حضارات عديدة ابرزتها الاكتشافات والمعالم الاثرية المتمثلة في وجود الاهرام والمعابد والقلاع والمدن والمدافن القديمة وغيرها.

ولا تزال هناك عشرات المواقع الاثرية التي غطتها تراكمات الرمال والاتربة الكثيفة التي تنشط بعثات هيئة الآثار والمتاحف السودانية وجامعة الخرطوم، واخرى من بلدان اوروبا كفرنسا وبريطانيا والمانيا وسويسرا وبولندا وغيرها بالتنقيب للوصول اليها، وكشف اسرارها وخلفياتها.

وفي كل مرة تظهر عمليات التنقيب والمسوح معالم أثرية تعكس ملامح الحقبة التي ارتبطت بها، ومنها مدينة بربر القديمة، بشمال السودان، التي تعتبر اقدم مدينة اسلامية في المنطقة، ويرجع تاريخها الى الفترة 1504 ـ 1821. وقد ظلت المدينة زاخرة بالحركة والحياة ابان حكم الادارة التركية الى عام 1885.

تميزت مباني المدينة بالطابع المعماري الاسلامي، وشيدت من الطين، واحيانا من الطوب الاخضر، وهي مادة البناء المتوفرة والملائمة مع البيئة والمناخ الحار للمنطقة الشمالية من السودان. لذا ظلت المباني قائمة ومتماسكة لانعدام الامطار والرطوبة والعواصف التي عادة ما تؤثر على متانة المباني الاثرية القديمة، كما استخدمت سعف النخيل لأسقف المباني في بربر القديمة لبناء اربعة جوامع ملحق بها (خلاوي) لتدريس القرآن، بينها خلوة خاصة بتدريس القرآن للنساء في مسجد عالم اسلامي معروف هو محمد المصري، وتعتبر هذه اول خلوة او مدرسة خاصة بتدريس القرآن الكريم للنساء في العالم الاسلامي.

مدير المتاحف والآثار الخبير الدكتور صلاح عمر الصادق قال لـ «الشرق الأوسط»: ان بربر القديمة تعد من اقدم المدن الاسلامية في اواسط افريقيا، وقد لعبت دورا حيويا كمحطة على طريق الحجاج الى الاراضي المقدسة، فقد كانت القوافل القادمة من انحاء مختلفة من افريقيا تأتي الى بربر ومنها الى ميناء سواكن على البحر الاحمر ومنه تتجه نحو الاراضي المقدسة.

وقد وجد في المدينة القديمة، مدينة للحجاج وقد قسمت المباني لتستوعب حجاج كل منطقة او بلد على حدة. ايضا كان للمدينة موقعها التجاري كرابط ما بين ساحل البحر الاحمر والمدن المطلة على ساحله الغربي، مثل جدة والمخا والعقبة.

وبقيت المدينة نشطة ومزدهرة ومعلما اسلاميا بارزا حتى وصول الحكم الثنائي بقيادة بريطانيا عام 1898 عندما انشأت الادارة البريطانية مدينة عطبرة، وفقد ميناء سواكن دوره لبورتسودان، مع تعمد محاولة خمس معالم مدينة بربر الاسلامية.

خبير الآثار السوداني شدد على ان هذه المدينة تبرز على خير مثال معالم العمارة الاسلامية في السودان والمنطقة، كما ان المباني والمعالم المهمة لا تزال قائمة وشامخة رغم مرور عدة حقب عليها، ومنها المساجد والخلاوي، والمركز (الادارة الحكومية) ومخزن الذخيرة والطوابي وأول مدبغة خاصة بتلوين الثياب او صبغها.

وقد رفعت هيئة المتاحف والآثار السودانية مذكرة الى جامعة الدول العربية بشأن اعتبار بربر الاسلامية اثرا اسلاميا متميزا تستحق التعاون من اجل المحافظة على مبانيها والمساهمة في ترميم معالمها المهمة.