الأثاث أيضاً يمكن أن يكون نفيساً ونبيلاً

TT

قلما يحظى ملك فرنسا العظيم لويس الرابع عشر، الشهير بلقب «الملك الشمس»، بما يستحقه من تقدير على رعايته الفنون والفنانين الفرنسيين. غير ان لويس الذي أعلن ملكاً وهو ما يزال في سن الخامسة، أسس وهو في العشرينات من العمر عام 1662 أول منظمة فرنسية تعنى مباشرة بانتاج التحف الفنية هي الـ«مانوفاكتور رويال دي موبل دو لا كورون» (أي المصنع الملكي للمفروشات الخاصة بالتاج). وكان أهم الانتاج المبكر من أعمال الفنان اندريه ـ شارل بول Andre - Charles Boulle (1642ـ1732) أول مصمم فرنسي لامع للخزائن الخشبية والبرونز المزين بالذهب. والواقع ان لويس الرابع عشر سمى بول المصمم والصانع الرسمي (الملكي) للخزائن ومعلم البرونز الخاص بالعرش، وفرّغ له حيزاً كبيراً لمشغله في قصر اللوفر بباريس عام 1672. وفي مشغل اللوفر ابتكر بول ما يعرف بالتطعيم الذّبلي الخشبي البرونزي ـ وهو تطعيم دقيق للذّبل او «درع السلحفاة» ـ ما زال حتى اليوم يُعرف بـ «تطعيم بول». (ولمن يهمه الأمر على محبي المفروشات الأثرية التنبه الى ان «تطعيم بول» عاد الى الظهور في فترتين لاحقتين خلال عقد السبعينات من القرن الـ 18 ثم خلال القرن الـ19 وبالتالي لا تعد القطع المنتجة في هاتين المرحلتين أصلية وفق المعنى الدقيق للكلمة).

احدى الخزائن الصغيرة (كومودينة) التي هي حقاً من انتاج بول كانت بين المع نجوم مزاد دار «سوذبيز» في نيويورك أخيراً، ضمن مبيع «مجموعة غرينبرغ» التي ضمت 34 قطعة من أنفس قطع المفروشات الفرنسية. ولقد جمعها خلال العقد الماضي المصمم الكومبيوتري الأميركي اريك غرينبرغ.

هذه الكومودينة من عهد لويس الرابع عشر، المحمولة على قوائم، والمطعّمة المصنوعة من الآبنوس والذهب الزائف والنحاس والذّبل، تعود الى نحو عام 1700 وتشع منها كل ملامح النفاسة والنبل والعراقة المميزة لانتاج بول المخصص للتاج الفرنسي. الا انها لسبب من الأسباب لم تنته في القصر الملكي، بل اشتراها في فترة يعتقد انها خلال العقد السابع من القرن الـ18 الكونت دو فودرويّ، أحد أفراد حاشية الملكة ماري انطوانيت.

فرنسوا لياج تاجر الأثاث الفرنسي الأثري المتخصص بأنفس انتاج القرن الـ18 يقول منوهاً بأهمية هذه القطعة من الناحية الفنية «كان بول صانع الخزائن الوحيد المسموح له ان يصنع انتاجاً خاصاً به بالبرونز. وهذه القطعة بالذات مدهشة لأنها تمثل مرحلة عابرة قبل تطوير مفهوم الكومودينات الحقيقية. انها عبارة عن طبقة صغيرة ذات أدراج لكنها لا تصلح للكتابة عليها، ومعها كان بول يفتش عن مفهوم تصميمي جديد، واليوم في مهنتنا نسميها «كوكود اون بورو» (أي خزانة مكتبية)». والحقيقة ان لياج يعرف هذه القطعة جيداً ويلم بتاريخها لأنه سبق له أن اشتراها بالشراكة مع معرض «كرامر غاليري» الأميركي من أسرة ايرل دي غراي البريطانية وكان الأيرل قد حصل على عدة تحف من صنع بول خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الـ19، ثم اشتراها غرينبرغ من «كرامر غاليري». وفي المزاد الذي اجري يوم الجمعة 21 مايو (ايار) الجاري وبعدما قدر سعر الكومودينة بين مليون و500 الف دولار ومليونين و500 الف دولار، فانها بيعت بمليون و688 الف دولار.

* يشب للنخبة

* على صعيد آخر، لا شك في ان «معهد الصين» في مانهاتان بقلب نيويورك، محظوظ في ان مديرته هاي تشانغ من مواليد مدينة نانجينغ (نانكين) العاصمة السابقة للصين والعاصمة الأصلية لسلالة مينغ الملكية التي حكمت الصين بين عامي 1368 و1644. وعن نانجينغ تقول تشانغ تقول «انها مدينة مختلفة ...فبكين تطغى عليها السياسة، وشانغهاي تهيمن عليها التجارة، أما نانجينغ فهي عنوان ناطق للحياة والثقافة. فقد ظلت على امتداد قرون موطن ابناء الأسرة الملكية والعائلات الارستقراطية ورجال السلطة والجيش والنخبة الثقافية». أسست نانجينغ خلال القرن الـ11 ق م، وتقع على مسافة 185 ميلاً الى الشمال الغربي من ميناء شانغهاي، أكبر مدن الصين، وهي تضم مدافن أثرية من قرون سحيقة. في نانجينغ تلقت تشانغ علومها في مجال علم الآثار قبل ان تستقر في الولايات المتحدة. الا انها زارت المدينة قبل بضع سنوات وحضرت هناك عرضاً في متحف نانجينغ البلدي عن المجوهرات الأمبراطورية الأثرية المصنوعة من الذهب واليشب (jade) التي نقب عنها قبل فترة قريبة في منطقة قبور سلالة مينغ بمحيط المدينة.

هذا المناسبة أسعدت تشانغ، وحملتها على الاقدام على مشروع عزيز على قلبها. اذ تقول «لم يسبق لنا عرض المجوهرات في المعهد (معهد الصين)، ولذا بادرت الى الاتصال باي نينغ مديرة متحف نانجينغ البلدي، وكنت عرفتها منذ عدة سنوات، وأبلغتها برغبتي في عرض هذا الضرب من فنون عصر مينغ في نيويورك. وللعلم نادراً ما تعير المتاحف الصينية موجوداتها، وهذه هي المرة الأولى التي يرسل متحف نانجينغ تحفاً فنية الى الولايات المتحدة. ولكن كوني صينية سمح لهم بايلائي ثقتهم. ولعلهم شعروا بالارتياح للتحاور مع شخص يعرف كنه هذه التحف الفنية ويقدرها حق قدرها».

وفعلاً أبصر معرض «اليشب والذهب: المجوهرات الامبراطورية لسلالة مينغ من متحف نانجينغ البلدي» النور محتوياً على أكثر من 100 قطعة بينها دبابيس شعر وأقراط وزينات للرأس وتيجان واساور وخلاخيل ذهبية وخواتم ودبابيس وقلادات دقيقة الحفر والزخرفة من اليشب والذهب والفضة والكهرمان. كذلك هناك أحزمة ومشابك للثياب تحمل زخارف امبراطورية ودينية تاوية.

* (خدمة «نيويورك تايمز») ـ كلام صورة: كومودينة بول الثمينة