حديقة الأزهر.. «بانوراما» حية للقاهرة الأثرية

TT

هل يمكن للتخطيط الحضري اذا نفذ بعناية أن يؤدي الى علاج الجراح الثقافية؟ هذا هو السؤال الذي اثارته حديقة الازهر الفاخرة المأمول منها ان تساهم في بعث القاهرة الاسلامية المتهالكة، وكان قد أنجز العمل أخيراً، في هذه الحديقة الغناء في جبل المقطم المطل على العاصمة المصرية القاهرة، وتبلغ مساحتها 74 فداناً،.

ان الهدف النبيل من هذا المشروع الذي اعدته مؤسسة الآغا خان للثقافة قبل عشرين سنة، عنوان لمشاريع التجديد في العالم الاسلامي. فالحديقة هي اكبر مساحة خضراء تتوفر للقاهرة منذ اكثر من قرن، وهي تتصدى لتوجه قضت فيه التنمية العشوائية على حدائق القاهرة الشهيرة. بل إنها شيدت فوق تل كبير من الانقاض استخدم مقلباً للقمامة لقرون عديدة. وهي تحل، ايضاً، محل واحد من اكثر رموز الفقر والتدهور.

الا ان رغبة المؤسسة في معالجة الواقع المرير للمناطق المحيطة بالحديقة هي التي ميزت هذا المشروع. فمؤسسة الآغا خان تستكمل عملية تجديد في غاية الدقة لمنطقة تمتد لمسافة ميل للحائط الايوبي الذي يعود الى القرن الميلادي الثاني عشر، ويشكل الجناح الغربي للحديقة. وفي حي الدرب الاحمر، عملت المؤسسة على تجديد سلسلة من المساجد المشيدة خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر بالاضافة الى بعض المنازل التي تعود الى العهد العثماني. كذلك افتتحت شبكة التجديد مركزاً اجتماعياً يتراوح برنامجه من الصحة الشخصية الى برامج تدريب للحرفيين المحليين الذين عمل العديد منهم في تشييد الحديقة.

* رؤية حضارية

* النتيجة جاءت رؤية حضرية مدهشة في مداها. وهي تعيد تأكيد تحول مؤسسة الآغا خان الى وحدة من اهم المؤسسات المدافعة عن العمارة الأثرية الأصيلة في العالم. وعلى العكس من «جائزة بريتزكر» التي تقدمها مؤسسة هيات والتي تعد أقرب الى مسابقات ملكات الجمال، فإن سلسلة البرامج الواسعة للمؤسسة تشدد على التداخل الأبدي للعمارة والتخطيط الحضري، والقضايا الاجتماعية والسياسية. وبذا، فإنها تتبنى منظوراً اكثر تنوراً للثقافة المدينية الاسلامية.

هنا لا بد من القول ان بعض تجارب المشروع مع العمارة المعاصرة لم يحقق النجاح المرجو. فقد استوعبت القاهرة عبر القرون مجموعة مدهشة من المؤثرات الخارجية، من المدينة القديمة في الشرق الى المدينة الأوروبية الطراز في الغرب. وكان يمكن لعمارة الحديقة ان تكون فرصة لتضييق الهوة. الا أنها عبرت عن خيبة الأمل ـ بل حتى انعدام الثقة ـ في تأثير الحداثة الغربية على العالم الاسلامي.

موقع الحديقة في طرف القاهرة الشرقي يحتل أحد أفقر احيائها، وبالتالي يعكس الطموحات الاجتماعية للمخططين. فعلى امتداد عدة مئات من السنين كان أفقر سكان المدينة ينقلون القمامة من جميع احياء القاهرة الى هذه المنطقة ثم يفرزونها بحثاً عن أي شيء قيم. وتحول مقلب القمامة على مرة السنين الى سلسلة من التلال بلغ طولها ميل ودفنت اجزاء من سور القاهرة التاريخي، ويقع خلفه حي الدّرب الاحمر الذي يعود الى القرون الوسطى. أما غربي الحديقة فتقع مدافن القاهرة، وهي عبارة عن منطقة واسعة من المدافن يعيش فيها منذ قرون افقر سكان المدينة.

الحديقة، التي افتتحت قبل فترة قصيرة تخرج من وسط كل ذلك كأنها الفردوس، في شمالها مطعم هائل مصمم على عدة اطرزة اسلامية. ومن هذه النقطة تظهر سلسلة من المصاطب والبساتين، بعضها مزيج من الاشجار المزهرة والشجيرات الحرشية، بينما تغطي بعضها الآخر الحشائش وأشجار النخيل وتمتد نحو الجنوب، حيث تجد مطعم اكثر حداثة يطل على بحيرة. ويربط بين القطاعين ممر متعرج، تحيط به سلسلة من النخيل الملكي، ينتهى باطلالة مثيرة لقلعة صلاح الدين.

* بانوراما.. أثرية ومعمارية

* ان المنطقة الخالية من الاشجار في اعلى نقطة في الحديقة تقدم نظرة شاملة للقاهرة ابتداء من الاحياء الاسلامية بمساجدها الى الفنادق الحديثة التي تزنر نهر النيل. ثم تبدأ في الهبوط عبر سلسلة من الممرات الى قاعدة الحائط الايوبي المدفونة عند حدود القاهرة الاسلامية.

وبدلا من تدمير كل هذه المباني اختارت المؤسسة أن تبحث عن مواضع محددة يمكن إصلاحها. وتقود واحدة من بوابات الجدار القديم، على سبيل المثال، إلى ميدان عام صغير. وسيجري تزيين هذا الميدان ليصبح واجهة جميلة للحديقة. وعلى بعد عدة بنايات حوّل بيت عثماني متهالك إلى مركز اجتماعي يفتح طابقه الأعلى مباشرة على الممر الواقع فوق الحائط المدعّم. وإلى الجنوب يمكن رؤية العمال وهم يرممون الواجهة الخارجية لجامع خير بيك الضخم. وإذا نظرت إلى الشمال فإنك ترى بوابة أخرى على الجدار جار ترميمها وتحويلها إلى موقع سياحي للآثار وستحاط من جانبها المطل على الحديقة بمسرح دائري.

المفهوم الحاكم لكل هذه التغييرات هو المحافظة على الطابع الأثري القديم للحي، ولكن بما يتعدى الجوانب الجمالية البحتة، بل ترمي مؤسسة الآغا خان إلى تحديد أماكن محددة تمكن البيئة المحلية من إصلاحها بمواردها الخاصة، مما يخلق شعورا أعمق بالهوية.

* (خدمة «نيويورك تايمز»)