المتحف المصري يحيي آثار دوش الذهبية بعد 1850 عاماً من اندثارها بالصحراء المصرية

TT

قبل 1850 عاماً، كان اهتمام الرومان أيام حكمهم لمصر اهتماماً خاصاً جداً بالصحراء الغربية المصرية، حيث اعتبروها أهم مصدر للقمح والنبيذ لروما العاصمة، فأقاموا فيها الحصون والقلاع وحفروا آبار المياه والقنوات المغطاة لري مساحات واسعة من الحقول، كما اهتموا بإقامة المعابد والمقاصير، وكانت منطقة دوش أو «قصر دوش» كما يقال عنها أهم المواقع التي اهتم بها الرومان في الصحراء الغربية وذلك لموقعها الجغرافي المتميز في أقصى الجنوب على طريقة القوافل التجارية، فأصبحت محمية رومانية هامة جداً لحماية القوافل من هجمات البدو المتكررة، ثم دخلت في طي النسيان تماماً لموقعها المنعزل، شأنها شأن العديد من مواقع الصحراء الغربية القديمة، حتى جاء القرن الـ20 حيث بدأت البعثات العلمية بدراسة المواقع الأثرية والتاريخية بشكل جدي فيها، حتى توجت بعثة فرنسية عملها عام 1989 باكتشاف كنز ذهبي داخل إناء فخاري في حصن دوش أطلق عليه «كنز دوش» ونقل على الفور إلى المتحف المصري بالقاهرة، الى حين ان قررت الدكتورة وفاء الصديق مديرة المتحف المصري في أول يوم لتسلمها عملها قبل عام بدء مشروع ضخم لترميم كنوز دوش تمهيداً لعرضها داخل المتحف المصري وهو ما تم فعله مؤخرا بحضور لفيف من العلماء والمتخصصين والمهتمين بالآثار المصرية لحفل الافتتاح.

وتقول الدكتورة وفاء الصديق مديرة المتحف المصري لـ«الشرق الأوسط» إن كنز دوش مكون من 8 قطع، كل قطعة مصنوعة من الذهب الخالص وتعتبر تحفة بديعة لا مثيل لها بخلاف القطعة التاسعة والتي هي عبارة عن إناء من الفخار حافظ طوال 1850 عاماً الماضية على روائع كنز دوش حتى عثرت عليها البعثة الفرنسية عام 1989، وكان في حالة سيئة للغاية، ونقل بعدها الى المتحف المصري وظل بالمخازن طوال 16 عاماً حتى صدر قرار بإعادة عرضه في المتحف، وبدأنا في مشروع ضخم لترميم الكنز بالكامل داخل معمل متخصص بالمتحف المصري حيث تم الترميم طبقاً لشكل ومواصفات القطعة لاعادتها لما كانت عليه في الاصل قبل 1850 عاماً.

* أهم روائع كنز دوش

* ويعتبر «الإكليل الذهبي» أهم روائع كنز دوش حيث تم صنعه من الذهب الخالص ويصل وزنه إلى 363.30 غرام ، وهو عبارة عن تاج يتوسطه الاله سرابيس داخل معبد صغير، ومن الجهة اليمنى واليسرى زين التاج بشريط من 8 ورقات من شجر العنب تنتهي بسلك ملفوف في نهايته 9 حبات أسطوانية تمثل أزهار الخشخاش رمزاً للخصب والطوق الحامل لكل ذلك على شكل ثعبان.

وتأتي «القلادة الذهبية» المعنوية من الذهب الخالص ويصل وزنها إلى 491 غراماً لتكون ثاني أهم قطع الكنز، وأضافت الدكتورة الصديق ان تاريخ الكنز يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، وهي تتكون من سلك ذهبي على شكل ثعبان به سبائك متدلية، صور على 3 منها بوابة لمعبد صغير يظهر في وسطه صورة يبرز منها الاله أبيس.

كما تم العثور على 212 سبيكة ذهبية بأشكال وأحجام مختلفة، تم ترميمها وتجميعها بمعمل ترميم المتحف لتتكون منها قلادتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة بوزن إجمالي يصل إلى 275.58 غرام من الذهب الخالص حيث صور على هذه السبائك الاله (سرابيس ـ ايزيس ـ حربوقراط ـ أبيس) أما القطعة الرابعة فهي اسوارة ذهبية في منتصفها حجر من العقيق البرتقالي وزنها 49.3 غراما، ومزينة بأوراق الشجر، وفي المنتصف حلية ذهبية بيضاوية بها تطعيم بحجر من العقيق البرتقالي، وترجح الدكتورة الصديق الى ان هذه الاسوارة ربما تعود الى امرأة بدينة أو انها من نوع الاساور التي كانت تستخدم في تزيين أعلى الذراع، وتتشابه القطعة الخامسة مع القطعة الرابعة في كونها مصنعة من الذهب الخالص ووزنها 40.86 غرام وفي منتصفها فص من معجون الزجاج الأخضر.

أما القطعة السادسة فهي لوحة من الفضة الخالصة يبلغ وزنها 13.77 غرام صورت عليها الالهة «واجت» وهي ترتدي تاج مصر العليا، أما القطعة السابعة فهي عبارة عن لوحة أيضا للاله «واجت» ولكن بوزن 5.01 غرام وطول 6x7 سم وفيها ترتدي الالهة واجت تاج مصر السفلى، أما القطعة الثامنة من الكنز فهي عملة ذهبية من الذهب الخالص وزنها 4.30 غرام وجهها يصور الامبراطور يمسك الصولجان، وظهرها يصور اثنين من الالهة جالسين.

وتشير الدكتورة وفاء إلى أن اكتشافات البعثة الفرنسية لدوش لم تقف على الكنز الذهبي فحسب بل قامت أيضا باكتشاف تلال صخرية من الحجر الرملي تشبعت بالمياه، وعيون جافة ترجع الى عصر الدولة القديمة، كما تم اكتشاف 80 نفقاً ترجع للقرن الخامس قبل الميلاد، وظهرت فيها الطريقة التي كانت متبعة لاستغلال الماء عن طريق حفر انفاق كمصارف للماء في الصخر ويتجمع الماء في حوض عند نهاية كل نفق.

هذا بالاضافة الى العثور على عقود تنظم ملكية الماء والاراضي مسجلة على قطع من الاوستراكا بالخط الديموطيقي ومؤرخة لكتابة العقد.