القبر الملكي الموريتاني في غرب العاصمة الجزائرية

نصبٌ هندسي جميل يدل على ذوق رفيع للإنسان القديم

TT

يفتخر سكان مدينة «تيبازة» الساحلية الجزائرية (70 كلم غرب العاصمة)، باحتضان منطقتهم معلما تاريخيا يعتبر شاهدا على عبقرية الإنسان القديم في فن العمارة ـ إنه «القبر الملكي الموريتاني»، أو «قبر الرومية» كما يسميه سكان «تيبازة».

يقع القبر على رأس ربوة بالساحل الغربي للجزائر العاصمة، يعلو سطح البحر بمقدار 261 مترا ويظهر للناظر من سهل «متيجة» (جنوب العاصمة) ومن مرتفعات حي «بوزريعة» بأعالي العاصمة ويراه الصيادون والملاحون من البحر ويهتدون به في تنقلاتهم البحرية.

خلية نحل عظيمة

* إذا بلغ زائر الربوة المكان، تراءى له القبر الضخم على شكل أسطواني ذي صفائح يعلوه مخروط مدرج، ويتزين في دائرته بـ60 عمودا مرضوما مميزا بتيجان إيوانية يحمل كل واحد منها إفريزا. ويتربع هذا الشكل الهندسي على قاعدة مربعة ضلعها 63.40 متر. ويوجد أمام باب القبر، آثار بناية يبلغ طولها 16 مترا وعرضها 6 أمتار، كانت في الزمن الغابر معبدا. ويتكون القبر من 4 صفائح حجرية، عبارة عن أبواب وهمية علو الواحد منها 6.90 متر يحيط بها إطار من نقوش بارزة يتراءى منها رسم شبيه بالصليب، مما جعل بعض الباحثين في الآثار يعتقدون أنه مبنى مسيحي، ومنه جاء اسم «قبر الرومية» المأخوذ من مفردة «الرومي» العربية أي البيزنطي أو الروماني. لكن كثيرا من علماء الآثار يؤكدون أن المبنى لا صلة له بالمسيحية. ويخيل لمن يشاهد القبر من بعيد، أنه خلية نحل عظيمة أو كومة تبن ضخمة، ومن يدنو منه يشعر بعظمة هيكله. ومن ميزات هذا المعلم الهندسي الجميل، أن لونه يتغير حسب الفصول وحسب ساعات النهار، فهو تارة يميل إلى الاصفرار وتارة يأخذ لونا رماديا أو تعلوه زرقة عندما يحيط به الضباب.

القبر من الداخل

* عند اجتياز باب القبر، ينفذ الزائر إلى رواق يضطر من يمشي فيه إلى الانحناء، وفي حائطه الأيمن يمكن مشاهدة نقوش تمثل صورة أسد ولبؤة وقد نسب الرواق إلى النقوش فسمي «بهو الأسود». وباجتياز الرواق يجد الزائر نفسه في رواق ثان طوله 141 مترا وعلوه 2.40 متر شكله ملتو، ويقود مباشرة إلى قلب المبنى الذي تبلغ مساحته 80 مترا مربعا. وخلافا لما قيل في الماضي فإن الباحثين لم يعثروا على أثر لأي كنز فيه.

ولمن يريد معرفة متى بني القبر الملكي الموريتاني، فإن بعض المؤلفات الرومانية القديمة تقول انه يعود إلى 40 سنة بعد الميلاد أي إلى عهد استيلاء الرومان على مملكة موريتانيا، وهي كلمة كانت تطلق على المغرب الأوسط والمغرب الأقصى في العصر القديم. ويميل المختصون في الآثار الرومانية إلى القول بان الملك يوبا الثاني وزوجته كليوباترا سيليني ابنة كليوباترا ملكة مصر، هما من أشرفا على بناء القبر، ويستندون في ذلك إلى كون «يوبا الثاني» ملكا مثقفا يتذوق فن العمارة، وقد جلب إلى عاصمته «شرشال» (100 كلم غرب العاصمة الجزائرية) تحفا فنية اشتراها من بلاد اليونان. ويقدم المؤرخ الشهير رومانيلي رواية أخرى، حيث يقول ان القبر بني في القرن الخامس أو القرن السادس للميلاد، ويعتقد أن من بناه استلهم شكله الهندسي من القبر المستدير الذي بناه الإمبراطور هدريان في روما.

ويرى كثير من الباحثين أن «قبر الرومية» وجد قبل الاحتلال الروماني، مما يدلل في نظرهم على تطور المجتمع «الموريتاني» اقتصاديا، وقدرته على إبداع فن أصيل بفضل اتصاله بحضارات شمال افريقيا والمتوسط الاخرى.